أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها














المزيد.....

تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 13:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تعد الدولة، في وعي الكثير من المواطنين العراقيين اليوم، كيانًا جامعًا يحتضن التنوع ويحمي الجميع. تسللت إلى خزان وعيهم الجمعي كصورة، مشوّهة، متناقضة؛ فهي تارةً قاسية وعنيفة، وتارةً أخرى غائبة وضعيفة. لا يُبعث حضورها على الاطمئنان، ولا يُثير غيابها حنينًا، وكأنها كائن مبهم، لا يُطمأن له ولا يُفتقد. من هذا التذبذب الإدراكي نشأ شعور عام لم يعد يُفرّق بين الدولة كفكرة والدولة كسلطة، بين الوطن كقيمة والدولة كأداة قهر. وحين تفشل الدولة في منح مواطنيها شعورًا بالعدالة والانتماء، يبدأ هؤلاء بتصنيفها كـ"آخر" بعيد، لا كامتداد لهويتهم الجمعية، ويصبح من الطبيعي نمو الإحساس بالاغتراب، وفقدان الثقة، وتحوّل مفهوم "نحن" من صيغة جماعية تشمل الدولة والمواطنين، إلى صيغة دفاعية تُقصي الدولة من الضمير العام.
لقد أفضى التراكم التاريخي لهذه العلاقة الملتبسة مع الدولة العراقية إلى ترسيخ صورة مقلوبة عنها في أذهان الأفراد. لا تحضر في وعيهم كضامن للحقوق، وإنما كمصدر تهديد للوجود. ولا تُرى كأمينة على ثروات البلاد، وإنما كخصم ينازع المواطن عليها. إنها صورة مشوهة لم تتكوّن بين ليلة وضحاها. إنها ثمرة سياقات يومية، تكاثفت فيها الجروح الصغيرة حتى غدت جرحًا غائرًا في الوجدان الجمعي:
في مدن الجنوب مثل العمارة والناصرية، والسماوة اهملت لسنوات، فيما تصدّرت مدن أخرى مشهد الاهتمام. في الأحياء الفقيرة من بغداد، لا يجد الشباب سوى المقاهي والبطالة، بينما تُحجز المناصب الإدارية العليا لأبناء المسؤولين أو حاملي الولاءات. في الجامعات، تتكرّس صورة الدولة كمُقصِّرة حين تُهمّش الكفاءات وتُزكّى العلاقات.
كل ذلك يشير إلى ما يُشبه "العنف الرمزي، تمارس فيه السلطة سيطرتها عبر التجاهل لا عبر المواجهة، عبر التجهيل لا عبر التنوير. وحين تُحرَم الأجيال من المعلومة الشفافة، ويُستعاض عنها بسيل من الروايات الرسمية المشكوك فيها أصلًا، يزداد التشوه. وعندما يقدّم الولاء المطلق كشرط للمواطنة، تنشأ في الوعي صورة مقلوبة: الدولة بوصفها شبحًا يُطارد، لا كيانًا يرعى ويحمي، وهو أساس التشويه.
في كل مرّة ترفع فيها الدولة شعار "سيادة القانون"، يتساءل المواطن من تجربته: هل هذا القانون يُحمي من لا يملك جاهًا؟ هل يلاحق من يملك نفوذًا؟ هل يُطبّق على الجميع بعدالة؟ ويزداد التشوه تعقيدًا حين تُرهن الدولة للهويات الضيقة: مذهبية، حزبية، مناطقية. ويزداد أكثر وتنمو معه مشاعر الغربة عن الدولة نفسها حين تُوزّع فرصها وفقًا للانتماء لا الكفاءة؟ وتستبدل معيار الاستحقاق بمقياس القرب من مركز النفوذ.
في الصورة المشوهة فقدت الدولة حيادها، وحين تفقد حيادها، تفقد قدرتها على جمع المتناقضات في حضن واحد، فتتسع الفجوة بينها وبين مواطنيها، حتى تغدو الكلمات عاجزة عن ردمها. والأخطر في هذا الشأن هو أن هذا النوع من التشوّه لا يتوقف عند حدود الفهم، إذ يتسرّب إلى السلوك. فالمواطن الذي يرى دولته فاسدة، لا يجد غضاضة في التحايل عليها. ومن يراها ظالمة، لا يشعر بتأنيب ضمير حين يخالف قوانينها. ومن لا يشعر بانتماء إليها، لا يهبّ للدفاع عنها، لأن شرعية السلطة لا تُبنى على نتائج قراراتها فقط، وإنما على إدراك الناس لطريقة اتخاذها، وإن غابت العدالة في الآليات، لن تنفع النتائج في استعادة الثقة. وهكذا تحوّل التشوّه الإدراكي عند العديد من أبناء العراق إلى تآكل أخلاقي. خسر فيه المواطن حسَّه بالمسؤولية، وفقدت فيه الدولة معناها الرمزي. وما دام الأمر هكذا، فإن محاولات إعادة بناء الدولة العراقية ستظل حبرًا على ورق، ما لم تُترجم إلى سياسة ترمم فيها الصورة وتحترم العقل، وتُعيد الايمان الى المواطنين بأنهم ليسوا رعايا، بل شركاء.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)
- الغلونة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (2- 12)
- ظواهر العفن الاجتماعي: رحلة نفسية في خزين الوعي السلبي
- الاعتراف بالخطأ فضيلة
- سيكولوجيا النجاة من الغرق
- سيكولوجية إزدراء الوظيفة في البلاد
- في معنى الخيانة
- 14 تموز في الذاكرة الجمعية
- الدولة المدنية
- الدولة القوية
- توازن المواقف القلق


المزيد.....




- إيران تقدم 3 -مطالب- لعقد مباحثات مباشرة مع أمريكا
- الخارجية الأمريكية: مئات المواطنين فروا من إيران وآخرون يواج ...
- إسرائيل تقصف منصات ومستودعات صواريخ غرب ووسط إيران
- غزة.. عشرات القتلى بنيران إسرائيلية وتحذير من الجفاف
- ترامب يرد على سؤال حول إمكانية إرسال قوات برية في حالة التدخ ...
- قاضٍ أميركي يأمر بالإفراج عن الناشط المؤيد لفلسطين محمود خلي ...
- إيران تستهدف إسرائيل بصواريخ ثقيلة وتطلق مسيرة على خليج حيفا ...
- بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر
- من المسؤولة الأميركية التي كذبها ترامب وماذا قالت عن إيران؟ ...
- إسرائيل: أخّرنا إمكانية امتلاك إيران سلاحا نوويا سنتين أو 3 ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها