أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة














المزيد.....

حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 17:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العراق، لا يتحرك الزمن إلى الأمام، بل يلتف على جرحٍ مفتوح، كأن البلاد تدور في حلقة سكون عميق، زمن داخلي يتآكل فيه المعنى، وتضيع فيه البوصلة، وينظر فيه الإنسان إلى ذاته فلا يراها، أو يراها كما يرى المصدوم وجهه في زجاجٍ محطَّم: شظايا من هوية ممزقة بين ماضٍ ثقيل وحاضرٍ لا يشبه شيئًا.
في هذا السياق الممزق، تحوّل الخطأ إلى قاعدة نفسية تُنظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. يُنتخب الظالم لأن الوعي اختار النسيان، ويستمر الفساد لأن الناس تعايشوا معه كضرورة، ويُمارس القتل كفعل اجتماعي مقدّس، وعادت فيه الأعراف العشائرية كآلية دفاعية جماعية أمام فشل الدولة وموت القانون. يتمسك بها الناس كما يتمسك الطفل بملهاة فم تحسسه بالشبع، وإن كانت خاوية. يغالون في تبرير السلوكيات المضادة للمدنية والتقدم، ويختارون الوهم لأنه – ببساطة – يريح النفوس المتعبة من عناء المواجهة والتفكير.
وفي هذا المناخ، أفرغت الشعائر الدينية من أبعادها التربوية والروحية، وتُضخّمت حتى أصبحت مظاهر جماعية للهروب من الذات لا لمواجهتها، تُستخدم لستر العيوب، لغسل الذنوب الرمزية دون إصلاح فعلي. ويُسلَّم على وفقها الدين إلى قبضة السياسة لتحويله إلى جهاز تسكين جماعي، لا ينهي الألم، بقدر ما يطيل أمده في صمت مريب.
في هذا المشهد القاتم، أُغتيلت الأسئلة الضرورية: عن الدولة، والعدالة، والمعنى، وتحول الخطاب الديني إلى أداءٍ مسرحي، والمقدس إلى منتج سياسي، والإيمان إلى تبعية تُشرعن الجهل وتعيد إنتاج العجز. إنه شكلٌ من "التديّن الانفعالي" – كما يُسميه علماء النفس – ينبع من حاجة عاطفية للأمان، حتى لو كانت كاذبة، يصبح فيها الكذب سلوكًا جماعيًا مقبولًا، يُمارَس كآلية دفاع نفسي تفضي الى سلسلة فيها القائد يكذب، العالم يكذب، رجل الدين يكذب، النائب يكذب، المواطن يكذب، وكأن الجميع يتنفس وهمًا مشتركًا، يوصله إلى ما يُعرف بـ"الإجهاد المعرفي الجمعي" – حالة من العجز الجماعي عن تقبّل الحقيقة، لأنها تهدد البناء النفسي والذهني الذي اعتاد عليه الناس.
عند هذه النقطة، لم يعد الحديث عن الفناء الجمعي في العراق مجازًا أدبيًا... إنه حقيقة نفسية تسير بثبات. وقد لا تحصل غدًا، لكنها، ووفق التحليل النفسي الفرويدي، ستقع لحظة يختار فيها الإنسان أن يقتل صوته، أن يعاقب نفسه طقوسيًا، أن يعبد الخرافة، ويسقط في دائرة العجز الإرادي – حين تنطفئ الإرادة أمام سطوة العادة.
فرويد كان يرى في التكرار القهري للخطأ تمثيل لا واعٍ لرغبة في الفناء أو التكفير. ويرى المفكر النفسي إريك فروم أن الأخطاء الصغيرة، حين تتكرر دون نقد، تصبح نوعًا من الانتحار البطيء الذي يتجلى في كل سلوك.
ومع هذا، هل من أمل؟
الأمل الوحيد من وجهة النظر النفسية، لا يكمن في تغيير السياسة أو النخبة أو الحزب. الأمل في أن تبدأ الأسئلة من جديد. أن يُستبدل الإنكار بالاعتراف، والوهم بالبصيرة، وأن تُفكّك الجماعة أوهامها وتواجه حقيقتها، بلا أقنعة، بلا تبريرات. كما ان التحول النافع لا يبدأ من قصر أو منبر، وإنما من داخل الفرد الذي يقرر – ولو بصمت – أن يرى، لا أن يعتقد، أن يدرك الحقيقة ليست عدوًا، والاعتراف بالخطأ ليس ضعفًا.
وختاما فإن الأمل في العراق لا يمكن أن يُصنع من شعارات الأحزاب، ولا من خطب الجوامع والحسينيات، يصنع فقط من إرادة فردية تكسر دائرة التكرار، وتعيد كتابة الحكاية بوعي جديد، لا بوهم قديم.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)


المزيد.....




- بالقانون.. هل يستطيع ترامب سحب الجنسية من إيلون ماسك وزهران ...
- فيديو منسوب لولي عهد السعودية حول -إرسال أسلحة ثقيلة إلى سور ...
- بقيمة 600 ألف دولار.. إسرائيل تعلن أنها بصدد إرسال مساعدات إ ...
- شحنات الأسلحة مستمرة إلى اليمن ولبنان.. إيران تعزز قوة الحوث ...
- فيديو- دروز الجولان ينتظرون أخبارًا من السويداء خلف السياج ا ...
- بودابست تستذكر الذكرى 67 لثورة 14 تموز
- إسرائيل تبدي استعدادا لإعادة رسم خرائط الانتشار العسكري في ق ...
- إقبال ضعيف بانتخابات توغو المحلية وسط توتر سياسي متصاعد
- إيران ترفض تلويح الأوروبيين بإعادة فرض العقوبات وتصفه بـ-غير ...
- لماذا تأخر تشكيل -حكومة الأمل- في السودان؟


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة