أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء














المزيد.....

ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


لم أكن أعلم أن للهدوء صوتًا... حتى وصلت إلى قرية "ڤرّنا" الواقعة جنوب غرب العاصمة السويدية ستوكهولم، حيث يقيم صاحبي منذ سنوات. هناك، في أحضان الغابة، همسٌ دائم بين الأشجار والماء والريح... كأن الطبيعة قررت أن تصوغ الطمأنينة على هيئة قرية صغيرة، نشأت بين الأغصان لتختبئ من ضجيج العالم. المشي في طرقاتها أشبه بالرجوع الى الأصل، تحفّها أشجار تجاوزت أعمارها مئات السنين، كأنها تحرس السكينة. جسورها الخشبية تعانق ضفاف البحيرات، ومياهها تعكس وجوه العابرين وما تخفيه دواخلهم.
في ڤرّنا، لا تتجاوز الأبقار أسيجتها البسيطة، ولا تفزع الطيور من وقع الأقدام. كل شيء يسير في تناغم هادئ، كأن الزمن هنا لا يُقاس بالساعات، وإنما بنقاء الهواء وهمس الطبيعة.
أهالي القرية بطبعهم لا يرفعون أصواتهم. يلقون التحية بهدوء وابتسامة دافئة، ويمضون في أيامهم ببساطة ورضا. في الصباح ترى من يقود جرارًا نحو الحقل، ومن يركب دراجة إلى عمله، ومن يصحب كلبه في نزهة هادئة، وآخر يجلس عند حافة البحيرة متأملاً انعكاس الضوء على الماء.
ورغم صغر حجمها، لا تفتقر ڤرّنا إلى شيء. فيها شبكة مجارٍ ومياه إسالة، ومحطة قطار تربطها بالعالم، ومحطة وقود، وصالة رياضية (جم)، ومستوصف يلبّي حاجات السكان الطبية. وعلى أطرافها دار رعاية يجد فيها المسنّون دفء العناية وكرامة العيش، إلى جانب دار حضانة، ومدرسة ابتدائية، وملعب لكرة القدم، ومرسى للزوارق، ومحطة كهرباء تُغذّي المنطقة دون انقطاع.
كل هذه الخدمات ما كانت لتوجد لولا سياسة الدولة في دعم القرى، بغية تشجيع الناس وبينهم المتقاعدين على ترك صخب المدن واللجوء إلى حضن الأرياف. فهم يدركون أن الشيخوخة لا تحتاج سوى مقعد خشبي في ظل شجرة، وجار يبتسم كل صباح، وهواء نقي يُنعش القلب قبل الرئتين.
في وسط القرية متجر صغير تديره شركة معنية بربط القرى بالخدمات الأساسية. لا يشبه المتاجر الكبرى، لكنه يضم كل ما يحتاجه السكان. عند مدخله، تبتسم الموظفة وتُلقي التحية بهدوء، كأنها تقول لكل قادم: أهلًا بك في بيتك.
وعند حواف الغابات، تمتد حقول سنابل الحنطة الذهبية، ترقص للريح كأنها تقرأ قصيدة. تنتصب على جانب الطرق لافتات خشبية تعلن عن بيع الحليب الطازج أو البيض والخضار، في مشهد يذكّر بأن الزراعة لا تزال نابضة، وأن الأرض تُورث جيلاً بعد جيل.
وفي أيام الأحد، يتحوّل المطعم الوحيد في القرية إلى مجلس اجتماعي. يلتقي فيه السكان لتبادل الأحاديث، ويتشاركون الضحك والطعام، ويُعيدون نسج روابط الجيرة بعيدًا عن الدين أو العشيرة.
وسط هذا النسيج، أصبح صاحبي جزءًا من المشهد. يشاركهم الابتسامات، ويدعوهم إلى حفلات شواء في حديقته التي غدت رمزًا للاندماج الصادق. لا يتحدّث عن الانتماء، بل يمارسه. وفي المساء، حين تبدأ الشمس انسحابها البطيء، يتحوّل الأفق إلى لوحة سريالية من الذهب والبرتقال، في لحظة وداع ناعم، كأن الشمس تُخبر الأشجار بأنها ستعود... بعد أن تأخذ قسطًا من الراحة.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)


المزيد.....




- صَرَخَاتٌ تَرْتَدِيهَا أسْئِلَةْ 
- فيلم -خلف أشجار النخيل- يثير جدلا بالمغرب بسبب -مشاهد حميمية ...
- يسرا في مراكش.. وحديث عن تجربة فنية ناهزت 5 عقود
- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- أول متحف عربي مكرّس لتخليد إرث الفنان مقبول فدا حسين
- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافت ...
- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء