أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها














المزيد.....

تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عيادة الوطن النفسية، يستلقي العراق متعبًا من وهنٍ داخليٍّ غائرٍ في عمق الروح المؤسسية، واعتلالٍ اقترب من أن يكون مزمنًا في جهازه الإداري والسياسي. تعيش دولته، منذ عام 2003، ما يشبه الاضطراب النفسي؛ حالة من الإنكار يُدرك خلالها الخطأ، يُرى ويُلامس، دون امتلاك الجرأة للمعالجة. اضطراب يقترب من حدود الفشل، الذي لم يعد بحاجة إلى إثبات، بعدما بات واقعًا يتكرر بصور متعددة في تفاصيل الحياة اليومية.
وفي محاولة للهروب من مسؤولية الاعتراف، تتجه أصابع الاتهام نحو الخارج: الأميركيون، الإيرانيون، الإسرائيليون، ومشاريع كبرى مثل "الشرق الأوسط الجديد". تُطرح هذه العوامل وكأنها المذنب الوحيد، وكأن الداخل بريء، في تجاوز صريح لحقيقة تؤكد أن تلك العوامل لم تكن لتنجح لولا قابلية داخلية على التفكك، واستعداد نفسي لقبول الانكسار.
فلا يُخفى أثر الولايات المتحدة حين قررت حلّ الجيش ومؤسسات الدولة، وتغييب النخب، وإطلاق العنان للدين السياسي دفعة واحدة، مما فتح أبواب الفوضى على مصاريعها. كما لا يغيب عن الوعي كيف مدّت بعض دول الجوار أذرعها في الجسد العراقي الواهن، حتى صار النفوذ يُدار من خلف الحدود.
ومع ذلك، تبقى هذه العوامل، ومثيلاتها، أقل أثرًا من الانهيار الداخلي؛ إذ، وحين تتفكك مناعة الدولة، وتخور قواها الذاتية، تُعرف الأخطاء ولا تُعالَج، وتُؤشَّر جهات الفساد ولا تُتهم، يكون الأثر مشاعر خوف، وتردد، وانعدام ثقة في مفاصل الدولة العليا، ويكون الوزير متجنبًا اتخاذ القرار بالتهميش "حسب الضوابط"، والمدير العام متحسبًا من ردة الفعل، والموظف منسحبًا بصمت، والمواطن منعزلًا حائرًا. سلسلة انهيار أو خلل تقود إلى شلل مؤسسي يشبه نوبة الهلع، حين تسيطر على الجسد فتشلّه.
لقد تراكم هذا الخلل تدريجيًا حتى بلغ القيادة العليا، التي فقدت القدرة على الإمساك بزمام الملفات المصيرية، كالسلاح والطائرات المسيّرة والحدود. وفقدت بعض مفاصلها الاهتمام بالتصحيح والإصلاح، فلاذت بالصمت الدفاعي. وهنا لم يعد الخلل إداريًا فحسب، بل تحوّل إلى انعكاس لاضطراب نرجسي، يعدّ الاعتراف بالفشل تهديدًا لصورة متخيّلة عن القوة، تُقدَّم على حساب الحقيقة والفعل.
وفي قلب هذا الخلل، تاه القانون في مؤسسات الدولة الأمنية. حين استقوى بعض القادة بحمايات ميليشياوية أو سياسية نافذة، حوّلوا الأمن إلى مظلة انتقائية تُطبّق على البعض وتُرفع عن آخرين، ويُغالى في إنفاذه على مكوّن دون آخر. فتحوّل القانون من أداة عدالة إلى أداة ولاء، ما زاد من درجات الخلل، حتى صح القول: إن العراق، في صورته الراهنة، لم يعد مجرد دولة مريضة بالضعف، وإنما كيانًا مأزومًا على مستوى الوعي؛ فقد ثقته بنفسه، وبمؤسساته، وبقدرته على التصحيح. وهو في أمسّ الحاجة إلى لحظة صدق تجرؤ على النظر إلى الداخل، حيث يكمن الجرح الحقيقي.
ويصح القول أيضًا إن العلاج يبدأ من مواجهة الذات، من الإدارة العليا، من تغيير ثقافة الحكم، وتفعيل المحاسبة، واستعادة المعنى الغائب للمسؤولية. وبدون ذلك، سيبقى العراق يدور في حلقة مفرغة من فشل موروث، وإنكار متكرر، وتبرير لا ينتهي.
ويصح القول كذلك الى إن الحاجة لم تعد مقتصرة على إعادة الإعمار، وإنما إلى إعادة تأهيل نفسي، سياسي، إداري، وأخلاقي. وعندها فقط، يمكن أن تقوم الدولة... من ركامها.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح الحريق: العراق بين لهب المأساة وقيد البندقية
- حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن


المزيد.....




- -رد اعتبار-.. احتفاء بمشاركة محمد سلّام في احتفالية -وطن الس ...
- قبل اجتماعه مع شي.. ترامب يأمل في -اتفاق شامل- مع الصين
- سموتريتش: ترامب سيغير رأيه بشأن ضم الضفة الغربية
- عشية قمة آسيان.. ماليزيا تؤكد غياب أي نقاش حول الخلاف التجا ...
- ما مقومات المواقف -الجريئة- لإسبانيا في الساحة الدولية؟
- روسيا تتشدد مع الأوروبيين وتخشى تبدل مواقف واشنطن بشأن أوكرا ...
- الحية: لا تحفظ على إدارة شخصية وطنية لغزة وقضية السلاح موضع ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. حماس جاهزة لتسليم إدارة القطاع وتربط ...
- هل تراهن واشنطن على قطر ومصر وتركيا لإنجاح خطتها في غزة؟
- قوات دولية لغزة.. بين الطموح الأميركي والواقع المعقد


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها