أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - سعد العبيدي - بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب














المزيد.....

بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 16:50
المحور: السياحة والرحلات
    


حلَّ الظهر عند مزرعة على الحدود بين إنجلترا واسكتلندا، كان صاحبها يتجول بين أبقاره. استأذناه للتخييم على حافة أرضه، فتبيّن أنه اسكتلندي شارك في حرب العراق عام 2003، يحمل في ذاكرته مشاهد تمتزج فيها رائحة الرمال التي جابتها مدرعات خدم بها في البصرة مع رطوبة المراعي الخضراء من حولنا. وحين انتهى من فقرة التعريف، سألناه عن أهم المعالم التي تستحق المشاهدة فيما تبقى من النهار، فأشار بإصبعه نحو قرية تلوح في الأفق، وقال بصوت يختلط فيه الفخر بالحنين:
"غرتنا غرين…" ثم بدأ يروي قصتها وكأنه شاهد على تاريخها منذ مولد أسطورتها:
كان الزواج في إنجلترا، قبل عام 1754، مسموحًا للفتى في سن الرابعة عشرة، وللفتاة في الثانية عشرة. لكن في ذلك العام، سنّت إنجلترا قانونًا صارمًا يشترط بلوغ الواحد والعشرين، والحصول على موافقة الأهل، وتسجيل الزواج في البلدية، والإشهار المسبق أمام الملأ. أما على الجانب الآخر من الحدود، فكانت اسكتلندا أكثر تساهلًا، لم تفرض مثل هذه القيود بعد. وهكذا صار العشاق الصبية من الإنجليز، المولعون بالحب، يعبرون الحدود سرًا هربًا من القانون، متجهين إلى هذه القرية الصغيرة لتحقيق أمنياتهم في الزواج السريع على أرض يلتقي فيها الحجر العتيق بالمراعي الخضراء، وتختلط طرقات الأحصنة بأحلام القلوب الشابة، حولتها الأيام إلى معبر العشاق الهاربين، وحولت حدادها الى كاهن سندان" — يبارك اتحادهما بطرقات مطرقته على الحديد المتقد، في مراسم خاطفة لا تحتاج سوى ربط يدي العروسين بقطعة قماش وحضور شاهدين، وضربة على السندان إعلانًا عن ولادة حب لا يعرف الانتظار.
لقد شاع أمر القرية في عموم إنجلترا واسكتلندا، وحفلت منذ تلك الأيام بقصص غريبة؛ منها ما جرى عام 1771 حين فرَّ عاشقان من كمبريا باتجاهها، لكن والد العروس الرافض للفكرة لحق بهما، وفي مطاردة عبر النهر، تحطّم أحد مراكبه وسط العاصفة، ومات أحدهم غرقًا، بينما نجح العاشقان في الوصول والزواج. وهناك أيضًا من يزعم أن صوت طرق السندان ما زال يتردد في ورشة الحداد القديمة حتى اليوم، وأن ظلالًا غامضة تُرى أحيانًا في نوافذها عند الغروب، وكأن أرواح الماضي لا تزال تبارك العشاق وتهمس بأسرارهم.
مرّت الأعوام، وتوالى "كهنة السندان"، وبقيّ الأشهر من بينهم ريتشارد رينيسون، الذي جمع بيديه بين أكثر من خمسة آلاف زوج بين عامي 1926 و1940، قبل أن تتوقف الطقوس القديمة حين سنت اسكتلندا قوانين زواج مقاربة لما سنته إنجلترا، وكأن الستار أُسدل على فصل من حكاية طويلة.
توقف الاسكتلندي قليلًا عن الكلام، شبك يديه خلف ظهره، ثم قال:
اليوم تغيّر كل شيء… إلا روح المكان. الزواج هنا صار مطابقًا للقوانين الحديثة من حيث السن، والتسجيل، والشهود، والإعلان، لكن القرية لا تزال تحتفظ بسمعتها كأرضٍ يسرع فيها نبض القلب. المراسم أنيقة وسريعة نسبيًا، ولا يزال رباط القماش بين اليدين حاضرًا، يمنح اللحظة لمسة من تقاليد الأمس ونكهة الأسطورة. ومع تعاقب الأيام، تحولت غرتنا غرين إلى وجهة سياحية رومانسية، تزينها الفنادق الفاخرة، ومتاجر التراث الاسكتلندي، وقاعات الاحتفال التي تمزج بين دفء التاريخ ورونق الحاضر."
أخيرًا، نظر إلى ساعته، وابتسم ابتسامة خفيفة قبل أن يغادر قائلًا:
الوقت ما زال كافيًا لتجوالكم فيها… علّكم تلمحون ظل إله الحب الذي كان يزورها قديمًا، وتسمعون همس المطارق القديمة وهي تبارك العشاق.
بعد دقائق من التحرك باتجاه القرية، وجدنا أنفسنا أمام قاعة صغيرة يخرج منها عزف كمان ناعم دفعنا الى الدخول، فإذا بعقد قران حديث يجري هناك، جلسنا في مؤخرة القاعة، رأينا العروسين يتقدمان بخطوات بطيئة نحو منصة خشبية يتوسطها سندان قديم، عليه مطرقة فضية تلمع تحت الأضواء. تقدّم الكاهن، ربط أيديهما بوشاح أخضر مطرّز بنقوش قديمة، ثم طرق المطرقة ثلاث مرات على السندان، فاهتز المكان برنين معدني عميق كأنه صدى قرونٍ مضت. تبادل الحاضرون التصفيق والتهليل، وبدت على العروسين ملامح فرح ممزوجة بدهشة المشاركة في طقس يمتد جذره إلى أزمنة بعيدة.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك
- رحلة في أزقة الزمن وذاكرة الحجر
- حين تنطق لندن....
- حين يصاب الوطن بالتبلد
- تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها
- مسرح الحريق: العراق بين لهب المأساة وقيد البندقية
- حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي


المزيد.....




- الحرائق الأسوأ منذ 20 عامًا.. حرارة ورياح تخلقان جحيما في جن ...
- من غزة.. رئيس الأركان الإسرائيلي يكشف عن موعد العمليات الجدي ...
- ما هو هرمون الكورتيزول؟ وكيف لعاداتنا الخاطئة أن ترفعه لدينا ...
- ألمانيا - جهود لاستخدام مقنن للـ-سوشيال ميديا- من قبل القصّر ...
- قادة أوروبيون يعتزمون المشاركة مع زيلينسكي في لقاء ترامب بوا ...
- إسرائيل: مظاهرات تطالب بإنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن ون ...
- أبرز التطورات الميدانية بعد بدء عملية عسكرية بحي الزيتون شما ...
- إندونيسيا بعد 80 عاما.. من تضاعف المساحة إلى معركة الأمن الب ...
- خسائر بشرية ومادية كبيرة إثر أمطار وسيول ضربت شمال باكستان
- انتشار واسع للإصابات بالكوليرا ووفيات في دارفور


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - سعد العبيدي - بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب