أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - سعد العبيدي - مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك














المزيد.....

مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 15:35
المحور: السياحة والرحلات
    


ليدز، المدينة الواقعة شمال إنجلترا، محطة عابرة على الطريق نحو الشمال، كان الوصول إليها بعد الظهر. بدأت الجولة فيها من بين أبرز معالمها: دير كيركستال الذي شُيِّد عام 1152 وبقي محتفظا بأناقته إلى اليوم كأحد أبهى شواهد العمارة القوطية، تحيط به حديقة غنّاء على ضفاف النهر ، ومركز في داخله يروي تاريخ الرهبان وحياتهم. من بعده قاعة المدينة، تحفة معمارية افتتحت سنة 1858 ببرجها الشاهق وسجونها القديمة تحت الأرض، ومضافاتها الحديثة لإقامة الحفلات والمؤتمرات. بعد ذلك جاء الدور على المتحف الملكي للدروع والأسلحة، بقطعه التي تزيد عن 8500 قطعة من شتى حضارات العالم، امتدادا على مدى ثلاثة آلاف سنة.
لكن الصورة لا تكتمل بالمعالم وحدها؛ فبعض أحياء ليدز تكشف وجهًا آخر للمدينة، أقرب إلى أحياء آسيوية متنكرة بثوب بريطاني. في هايرد بارك، وتشابلتاون، وهيرلز، تنتشر اللافتات الباكستانية والمطاعم التي تفوح منها رائحة الكاري، وتبدو الشوارع مرهقة ببعض الحفر والمطبات، كأنها تكتب تاريخًا مختلفًا عن ذلك المروي في كتب الإنجليز. هناك، حيث يلتقي التراث الآسيوي مع الحجر البريطاني، يتشكل ملمح آخر للمدينة، نابض بالحياة والتنوع.
ومع حلول الليل كان المبيت، ثم مع الضياء الأول انطلقت الوجهة نحو يورك… مدينة الأسوار والظلال القديمة. عبورها يشبه السير في دوامات الزمن من الحاضر إلى القرون الوسطى. أسوارها الحجرية تحيط بها حتى اليوم كحضن قديم، بناها الرومان حين كانت تعرف باسم إيبوراتوم، ثم غيّرها الفايكنغ إلى يورفيك، قبل أن يستولي عليها النورمانديون. وهكذا، عبر قرون من التداخل بين الكلتية، واللاتينية، والإسكندنافية، والأنجلوسكسونية، والفرنسية النورمانية، استقر الاسم في صورته الحالية (York)ومع ان كل غاز قد ترك حجراً في جدرانها، لكنها كانت دائمًا تعود لنفسها، كجسد يعرف كيف يضمد جراحه.
عبر تاريخها، شهدت يورك حصارات وحروب تُروى كقصص ملحمية. ففي عام 1068 انتفض أهلها ضد وليام الفاتح، فأحرق جيشه أحياءها. وفي الحرب الأهلية الإنجليزية عام 1644 أحاطت قوات البرلمان بأسوارها، لتنتهي المعركة بهزيمة الملكيين، نقطة تحوّل في ميزان الحرب. حتى في العصر الحديث، خلال الحرب العالمية الثانية، تعرضت لغارة ألمانية عام 1942 دمّرت أبنية تاريخية وأزهقت أرواح العشرات، بينما بقيت الأسوار شاهدًا على صمود المدينة.
في قلبها ترتفع كاتدرائية يورك مينستر، تحفة من الزمن القديم، تصعد بأبراجها نحو السماء، وتلوّن نوافذها الزجاجية ضوء النهار بألوان الحكايات. لكنها لم تسلم من غضب القدر: في 1829 التهم حريق جناحها الشرقي، وفي 1984 أضرمت صاعقة النار في برجها الجنوبي، ومع كل مرة أعاد أهل يورك بناءها، كأن ترميمها طقس من طقوس البقاء.
التجوال بين أزقتها لم يكن نزهة بل رحلة عبر طبقات الزمن: من شارع شامبلز الضيق كصفحة من العصور الوسطى، إلى متحف الفايكنغ الذي يهمس بأصوات بحّارة الشمال، إلى المقاهي الحديثة التي تفوح منها رائحة القهوة فوق حجارة عمرها قرون.
يورك ليست مدينة فحسب، إنها نص حجري طويل يكتبه التاريخ ويمحوه ثم يكتبه من جديد. الكاتدرائية قلبه النابض، الأسوار ذراعاه المفتوحتان، وأهلها حراس حكايةٍ لا تنتهي.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في أزقة الزمن وذاكرة الحجر
- حين تنطق لندن....
- حين يصاب الوطن بالتبلد
- تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها
- مسرح الحريق: العراق بين لهب المأساة وقيد البندقية
- حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية


المزيد.....




- مصادر تكشف تفاصيل عرض روسي لإنهاء الحرب وزيلينسكي يتمسك بالش ...
- عاجل | مراسل الجزيرة: دوي انفجارين في العاصمة اليمنية صنعاء ...
- فرجينيا ترسل المئات من الحرس الوطني إلى واشنطن.. ما القصة؟
- فيديو افتتاح المتحف الكبير يثير أزمة في مصر
- بين مرونة حماس وتشدد إسرائيل.. هل ينجح ويتكوف بوقف نزيف غزة؟ ...
- نيجيريا توقف زعيمي -أنصار المسلمين في بلاد السودان-
- -التقسيم مستحيل-.. الشرع يؤكد على وحدة أراضي سوريا
- سودانيون في بريطانيا ينظمون مسيرة تأييد لتحالف -تأسيس-
- قمة ألاسكا.. بين اختبار النوايا وترسيخ خطوط النار
- ليبيا: انتخابات بلدية جزئية وسط أعمال عنف وتأجيل بعض مراكز ا ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - سعد العبيدي - مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك