سعد العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 00:47
المحور:
الادب والفن
لم تهدأ سارة ذات التسعة أعوام في جلوسها على الكرسي الخشبي؛ تتحرك طفلة فقدت لعبتها، تحاول الإفلات من أصابع أمها التي تشد جدائلها الطويلة لتُثبّت فوقها الطرحة البيضاء. تزيح دمعة باغتت وجنتها، وتشُد شفتيها في نصف ابتسامة مرتجفة تفضحها النظرات، ثم تقول بصرامة تخنقها العاطفة:
- اهدئي يا عروستي الجميلة، يريدك بابا الليلة الأجمل في الدنيا.
تهدأ قليلًا، ثم تحدّق في المرآة، تُميل رأسها يمنة ويسرة، وتشُد الطرحة بخفة كأنها قبعة للعب، ثم تغمغم ببراءة:
- وقت العصر قد حل، وصديقاتي بانتظاري... سوسن اشترت باربي جديدة، وسنلعب بها اليوم.
يرتفع صوت الأب من خلف الباب، حاسمًا:
- عجّلي بتجهيزها... أليس الزواج سترًا للبنت وصونًا لشرفها؟ الشرع لا يقبل أن تضيع أعمار البنات في لهو الطفولة. الليلة عروس، وغدًا أمّ ترفع رأس الملة.
تتعالى الزغاريد من الغرفة المجاورة. تركض بثوبها الأبيض كأنها في لعبة تنكّر، تقفز بخفة وتدور حول نفسها ضاحكة، ثم تُساق بين أذرع النساء إلى سيارة عالية مزيّنة بشرائط ملونة. تلمس الأشرطة بيديها الصغيرتين وتضحك بصوت عالٍ، تتخيل أن الطريق يقودها إلى مدينة الألعاب، وعيناها تتلألآن شوقًا إلى دولاب الهواء.
تسأل ببراءة عن أمها، فيقطع العريس خشونة صوته:
- كفي السؤال عن أمك، لستِ طفلة بعد... إنها في السيارة التي تلي.
تنكمش في مقعدها، حائرة لا تفهم سر الغياب، ولا تدري أن لعبتها الأخيرة قد بدأت.
تدخل غرفة العرس، تبحث بعينيها عن دميتها وكراسة كانت قد بدأت حل واجبها اليومي، فلم تجد سوى سرير غريب. حاولت الهرب، فأعادتها يد قوية طرحتها على الفراش:
- ستصبحين امرأة الليلة.
- لكني ما زلت أبلل فراشي، يا خالتي!
- الشرع يريد هذا.
- أريد دميتي لتكون إلى جانبي.
تأوهت الخالة وانسحبت.
دخل العريس متعجلًا، يحاول إثبات فحولته وتجنب الاتهام بالضعف أو التقصير. خرج بعد دقائق يتلعثم بكلمات مبعثرة... تاركًا على السرير حورية صغيرة غُسلت طفولتها ببركة دم.
#سعد_العبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟