أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ضيا اسكندر - من القبيلة إلى الدولة.. تحوّلات مفهوم الوطن عبر الزمن














المزيد.....

من القبيلة إلى الدولة.. تحوّلات مفهوم الوطن عبر الزمن


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 12:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم يكن مفهوم "الوطن" دائماً على ما هو عليه اليوم. فقبل أن تُرسم الخرائط وتُخترع الحدود، لم يكن الإنسان يعرف الوطن بوصفه دولة ذات سيادة، بل كان يعني الانتماء إلى قبيلة، أو العيش في ظل عشيرة، أو المكوث في قرية وادعة لم يغادرها المرء طيلة حياته.
في المجتمعات القديمة، ارتبط الوطن بالأرض التي توفر الماء والطعام، وبالوجوه المألوفة التي تشارك الفرد أعياده ومآسيه. كان الوطن مكاناً ملموساً: بيت الطين، شجرة التوت، ضوء القمر على السطح، ونار المدفأة في ليالي الشتاء. أما الانتماء، فلم يكن لمؤسسة سياسية أو لعلم يُرفع، بل للجذور، للدم، وللمكان الذي وُلد فيه الإنسان وترعرع.
ومع تطور المجتمعات وظهور الدول والإمبراطوريات، بدأ المفهوم يتسع ويتعقّد. لكنه لم يتحوّل إلى فكرة حديثة إلا مع ولادة الدول القومية في القرن التاسع عشر، وترسّخ فعلياً بعد الحرب العالمية الأولى، حين أُعيد رسم خرائط العالم، خاصة في الشرق الأوسط بعد اتفاقيات "سايكس – بيكو". آنذاك، صار للوطن حدود تفصل بين الأشقاء، وجواز سفر يحدّد الهوية ويقيد الحركة.
منذ ذلك الحين، بدأ الوطن يُقدَّس، لا كمكان فقط، بل كرمز سياسي، وصار الدفاع عنه واجباً، والحديث عن مظالمه تهمة يُشمّ منها رائحة الخيانة. تحوّل الوطن إلى شعار على الجدران، وصورة على البطاقة، وأغنية تُبث كل صباح في الإذاعات.
غير أن حب الوطن ليس شعوراً يُفرض، ولا ولاءً يُنتزع بالقوة. فالدول التي تحترم مواطنيها، وتصون كرامتهم، وتمنحهم فرصاً متكافئة، هي التي تُغرس محبتها في القلوب دون أن تطلب ذلك. أما حين تتحوّل السلطة إلى أداة قمع، وتُعامل المواطن كغريب في أرضه، فإنها تزرع الغربة في النفوس، وتحوّل الوطن إلى عبء لا إلى حضن. فحب الوطن لا يُبنى على الخوف، بل على الثقة؛ ولا يُصان بالشعارات، بل بالعدالة. والسلطة التي تريد من مواطنيها أن يحبّوا وطنهم، عليها أولاً أن تجعلهم يشعرون أنهم فيه محترمون، لا مهددون.
كثيرون باتوا يؤمنون بأن الوطن ليس جغرافيا فقط، بل هو كل مكان يشعر فيه الإنسان بالكرامة، والأمان، والحرية. هو حيث لا يُهان، ولا يُهدد، ولا يُضطر إلى الصمت كي لا يُحاسب. فالوطن الحقيقي هو الذي يحتضنك كما تفعل أمّ، لا ذاك الذي يُلقي بك في العراء ثم يطلب منك أن تغني له.
في النهاية، الوطن ليس مفهوماً جامداً، بل كائن حيّ يتغير بتغير الإنسان. قد يُولد في مكان، ويعيش في آخر، لكنه يظل يسكن القلب. فالوطن الحقيقي، هو الذي لا يطردك إذا صدحتَ بالحق، ولا يشكّ في ولائك إذا بكيتَ على جرحه.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وعود بلفور إلى وعود الأمم.. نكبة تاريخية مستمرة
- من الجهاد إلى البروتوكول.. حين يرتدي السيف ربطة عنق
- اللوحة التي لا تُفهم.. سرّ نجاة الفنان التشكيلي
- مناف طلاس وإحياء القرار 2254.. بداية واقعية أم وهم جديد؟
- بين أفول النجم الأمريكي وبزوغ التعددية: هل ودّعنا القطب الوا ...
- مجلس الأمن... ومجلس العار العربي
- حرية التعبير... بفضل قلة العناصر الأمنية
- مجزرة جديدة؟ لا بأس، لدينا بيان جاهز!
- دور الاستبداد في تشويه أخلاق العباد
- نداء إلى مَن لم تتزوج بعد
- جعلوني انفصالياً!
- تأملات في خطوة المجلس التأسيسي لوسط وغرب سوريا
- الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية
- الصديق اختيار.. والرفيق التزام
- التطبيع الزاحف وسلام العار
- السويداء في القلب.. وستبقى
- حين ينهزم الوزير أمام صمت الأسير
- في دهاليز الصمت.. حكاية تقريرٍ مخبّأ ومجازر لا تنسى
- غزة… بين مخالب الإبادة وفخّ التهجير
- ما قصة النفير العام في سوريا؟


المزيد.....




- روسيا تشن ثالث أكبر هجوم جوي على أوكرانيا منذ الغزو.. إليكم ...
- -لسنا ملزمين بها-.. إيران ترد على إعادة فرض العقوبات عليها ب ...
- روسيا تمطر أوكرانيا بوابل من المسيّرات والصواريخ.. وكييف تحت ...
- ارفعوا أيديكم عن حق الشباب المغربي في الحلم بمغرب آخر
- قتلى وجرحى في هجوم روسي ليلي كبير على أوكرانيا
- كاتب بريطاني: الإبادة البيئية لغزة تعني جعلها غير صالحة للعي ...
- دبابات الاحتلال تتوغل بأحياء غزة وصعوبة بالاستجابة لنداءات ا ...
- بريندان كار.. -رقيب خطير- عينه ترامب للتحكم بالإعلام الأميرك ...
- العاصفة -بوالوي- تضرب فيتنام وتخلف 26 قتيلا بالفلبين
- أبرز الصور في أسبوع.. قصف ونزوح جماعي في غزة واحتجاجات عالمي ...


المزيد.....

- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ضيا اسكندر - من القبيلة إلى الدولة.. تحوّلات مفهوم الوطن عبر الزمن