ضيا اسكندر
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 11:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في زمن التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون البلدان، والسعي المحموم لتغيير أنظمة الحكم بما يخدم مصالح القوى الكبرى على حساب عذابات الشعوب، لم يعد مستغرباً أن ترى الجهادي السلفي يهبط من طائرة خاصة، يبتسم أمام عدسات الصحافة، ويصافح وزراء دوليين بابتسامة دبلوماسية.
لم يعد غريباً أن يتحدث بلغة ناعمة عن "الاستقرار"، و"المرحلة الانتقالية"، و"الانفتاح على العالم"، و"صفر مشكلات مع دول الجوار"، بينما كان بالأمس القريب يعلن حرباً مقدسة على "الطواغيت" و"الأنظمة الكافرة".
هذا التحوّل في المظهر يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن للبروتوكول والابتسامات إذابة عقائد صلبة تأسست على منظومة إقصائية؟ أم أننا أمام قشرة حضارية تخفي تحتها الجوهر ذاته؟
التاريخ يعلّمنا أن التفاعل مع العالم يترك أثره. والانفتاح على أنماط حياة جديدة واللقاء مع عقول وثقافات مختلفة قد يخفف شيئاً من حدّة التشدد. غير أنّ التجربة تثبت أن هذه المرونة قد تبقى سطحية، وسرعان ما تتبخر عند أول اختبار جدّي.
فالصور التذكارية، والبدلات الأنيقة، والظهور في المؤتمرات الدولية، والاستقبالات الشعبية المصمَّمة بعناية، تصنع بلا شك صورة "مُهذّبة"، لكنها لا تكفي لإقناعنا بأن الرجل تغيّر فعلاً. فالأيديولوجيا الجهادية ليست ثوباً يُستبدل بربطة عنق، بل منظومة عقدية مغلقة ترى العالم من ثقب واحد وتُقسم الناس إلى "مؤمنين" و"كفار"، "موالين" و"مرتدين".
هذه البنية الفكرية لا تقوم على البراغماتية، بل على ما يعدّه أصحابها "حقاً مطلقاً".
الخطر يتضاعف حين يجد المجتمع الدولي نفسه متورطاً في إضفاء الشرعية على هذه الوجوه "المتأنقة"، بدافع البراغماتية السياسية أو في إطار تسويات مرحلية.
فبدلاً من فرض مراجعات فكرية جذرية، يمنحهم هذا الاحتضان منصة جديدة يعيدون من خلالها إنتاج خطابهم بلغة أكثر تهذيباً، لكن بجوهر إقصائي أشد خطورة.
لسنا سذّجاً، إننا ندرك أن السياسة لعبة تكتيكات، وأن بعض التحولات الشكلية قد تمليها ضرورات المرحلة، لكن ما لا يجوز التغاضي عنه هو إعادة تدوير التطرف في عباءة بروتوكولية.
فالمظاهر قد تتبدل، واللغة قد تلين، غير أنّ الطبع يبقى مقاوِماً للتطبع ما لم يصحبه نقد ذاتي وتفكيك حقيقي للبنية الفكرية.
ووحدها المراجعة العميقة، والانفتاح على الآخر بوصفه شريكاً لا خصماً، قادران على صناعة تحوّل أصيل.
أما دون ذلك، فسيظل المشهد كما هو: جهادي بربطة عنق… لكنه ما زال يحتفظ بالسيف في عقله.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟