أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - اللوحة التي لا تُفهم.. سرّ نجاة الفنان التشكيلي














المزيد.....

اللوحة التي لا تُفهم.. سرّ نجاة الفنان التشكيلي


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 11:32
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ يُعاقب فيه الكلام بالزنازين، وتُصنّف فيه الكلمة على أنها جريمة لا تُغتفر، طالما راودني سؤال: لماذا ينجو الفن التشكيلي غالباً من قبضة الرقابة، بينما تُطارد الكلمة أينما حلّت؟ سؤال حملته معي حتى لقائي بالفنان السوري الراحل فاتح المدرّس عام 1995، خلال "بيينالي اللاذقية" ضمن مهرجان المحبة والسلام.
سألته يومها: لماذا لم نسمع عن فنان تشكيلي اعتُقل بسبب لوحة أو تمثال إلا نادراً، على خلاف الشعراء والكتّاب؟ ابتسم وهو يشعل سيجارة من (التُتن)، وقال بنبرة لا تخلو من سخرية: "لأن لوحاتنا لا تُفهم بسهولة، وحتى حين تُفهم، يمكن دائماً الاحتماء بغموض الألوان والرموز".

منذ ذلك اللقاء، أدركت أن الريشة تبدو أقلّ خطراً من الكلمة في عيون الطغاة. فاللوحة لا تصرخ كما تفعل القصيدة، ولا تفضح كما يفعل المقال، بل تترك مسافة رحبة بين الفنان والمتلقي تسمح بتعدد القراءات. ما قد يراه أحدهم نقداً سياسياً، قد يراه آخر جمالاً بصرياً أو فكرة فلسفية. هذا التعدد يُربك الرقيب، ويجعل اللوحة عصية على الاتهام المباشر.

كما أن جمهور الفن التشكيلي عادةً أضيق وأكثر نخبوية، بخلاف النصوص الأدبية التي تنتشر بسرعة وتؤثر في الرأي العام. لذلك لا ترى السلطة في المَعارض الفنية خطراً وجودياً، بقدر ما تراه في قصيدة تُلقى أو مقال يُنشر. بل إن كثيراً من الأنظمة استثمرت الفن التشكيلي لتجميل صورتها، عبر دعم الجداريات والمعارض الرسمية، ما دام الفنان يبتعد عن المباشرة. وحين يتحول الفن إلى زينة، يغدو جزءاً من ديكور السلطة لا تهديداً لها.

لكن الحماية التي يوفرها الغموض ليست مطلقة. فحين تختار الريشة لغة مباشرة، كما في الكاريكاتير السياسي أو الجداريات الثورية، تسقط الأقنعة. هكذا تعرّض رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات لاعتداء وحشي عام 2011 بسبب رسوماته التي فضحت فساد السلطة، ودفع الفلسطيني ناجي العلي حياته ثمناً لريشته التي تحولت إلى صوت شعب بأكمله. وغيرهما كثير ممن خرجوا من دائرة الرمز إلى المواجهة، فوجدوا أنفسهم في مرمى القمع أو الاغتيال.

إن ما يقلق الاستبداد في النهاية ليس الفن لذاته، بل قدرته على التعبئة. فالكلمة تُشعل الشارع بوضوحها، بينما اللوحة تراكم تأثيرها في صمت. لذلك تبدو الكلمة أكثر إلحاحاً على السلطة، فيما يظل الفن التشكيلي مؤجلاً إلى أن يقرر هو نفسه كسر صمته.

هكذا يعيش الفن في الأنظمة القمعية بين الحماية والاستغلال: يُروَّض حين يزيّن، ويُلاحق حين يفضح. أما الريشة، فتبقى تمارس لعبتها الذكية: تهمس حين تُراقَب، وتصرخ حين تُستفَز. فهي لا تقل جرأة عن الكلمة، لكنها تختار لحظة الانفجار بعناية، وتراكم شجاعتها في صمت بصريٍّ لا يُفهم بسهولة، لكنه يُقلق كثيراً حين يُفهم.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناف طلاس وإحياء القرار 2254.. بداية واقعية أم وهم جديد؟
- بين أفول النجم الأمريكي وبزوغ التعددية: هل ودّعنا القطب الوا ...
- مجلس الأمن... ومجلس العار العربي
- حرية التعبير... بفضل قلة العناصر الأمنية
- مجزرة جديدة؟ لا بأس، لدينا بيان جاهز!
- دور الاستبداد في تشويه أخلاق العباد
- نداء إلى مَن لم تتزوج بعد
- جعلوني انفصالياً!
- تأملات في خطوة المجلس التأسيسي لوسط وغرب سوريا
- الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية
- الصديق اختيار.. والرفيق التزام
- التطبيع الزاحف وسلام العار
- السويداء في القلب.. وستبقى
- حين ينهزم الوزير أمام صمت الأسير
- في دهاليز الصمت.. حكاية تقريرٍ مخبّأ ومجازر لا تنسى
- غزة… بين مخالب الإبادة وفخّ التهجير
- ما قصة النفير العام في سوريا؟
- هل يمكن لهيئة تحرير الشام أن تقود مشروعاً ديمقراطياً في سوري ...
- من خطاب الدولة إلى خطاب المكونات: هل ضاعت سوريا في متاهة اله ...
- نزع السلاح.. هل هو بداية نهاية لبنان؟


المزيد.....




- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - اللوحة التي لا تُفهم.. سرّ نجاة الفنان التشكيلي