مازن صاحب
الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 14:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تنتظم العلاقات الدولية في متغيرات تجمع في مدخلات المصالح وادارتها في التوصل الى افضل المخرجات التي تضمن استخراجات الدول المستقبلية، حينما يتجاوز نطاق المصالح حدود الدولة يتحول الى سياسات اممية توظف كل الممكنات لتحقيق المصالح الوطنية، هكذا تطفو قمة جبل الجليد من وقائع متغيرات المشاريع المستقبلية، منها المشروع الأمريكي للقرن الحادي والعشرين الذي بدأ في غزو العراق، لإعادة فرض سيطرة الاخوات السبع "كبريات شركات النفط الامريكية والاوربية" على مصادر الطاقة، ومع تراكم الفشل بسبب الأدوار التي لعبتها ايران بتحريض روسي صيني واضح، ليس في العراق وحده في مجمل المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط الذي ارادته جديدا ، انتهت الى اصدار نموذج الرئيس ترامب في نسختيه الأولى والثانية، لتكون هناك إعادة تصحيح لمشروعها في القرن الحادي والعشرين كيف ولماذا ؟؟ للإجابة على هذا التساؤل، لابد من توضيح ان الرئيس ريغان وصف خط انابيب النفط والغاز السوفيتي باتجاه القارة الاوربية العجوز بانه أسوأ قرار استراتيجي اتخذته الدول الاوربية، بل ان مجلة نيوزويك في حينها أصدرت تحقيقا في صورة غلاف تحت عنوان "افول أوروبا"، كما كان كتاب زبنيغو بريجنسكي ( بين عصرين ) عن التحول من الردع النووي الى "النيترو-اليكتروني" مبشرا بعصر الذكاء الصناعي قبل أربعة عقود، كانت سياسات العالم ما بعد سقوط جدار برلين تعمل على تفادي دخول النمر الأمريكي الهائج في دولها كما فعل العراق بعد حرب الكويت، او التجربة الأفغانية، بل ان كتاب صدام الحضارات لصاموئيل هنتنغتون كان ترويجا لأفكار مدارس الكنائس المسيحية الصهيونية التي توسعت افقيا في الولايات المتحدة، لتؤكد ان مدراس الاقتصاد الدولي في جامعات فرانكفورت الألمانية ومدرسة لندن الاقتصادية وجامعة سان فرانسيسكو الامريكية، في انتاج قيادات الشركات متعددة الجنسيات وعلى خط مواز انتاج قيادات سياسية مثل الرئيس بوش الاب ، ومارغريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا وانجيلا ميركل المستشارة الألمانية ناهيك عن مجموعة كبيرة من المدراء التنفيذين لهذه الشركات الذين يصلون الى مواقع قيادية في الدول الاوربية والإدارة الامريكية. كل ذلك لان هذه الشركات النفطية الكبرى قد اكتشفت البديل عن خط "نورد ستيرم" من خلال الاستثمار المستقبلي في حقول شرق المتوسط، وجمعها مع نفط وغاز الشرق الأوسط، هذا الموضوع طرح منذ السنوات الأولى لاحتلال العراق ما بعد 2003 وحتى اليوم. وفق خارطة انابيب "الدم والحروب"، ظهر الرئيس ترامب في اول تكوين للأمميين الجدد، بذات أسلوب المستعمرين الأوربيين للقارة الامريكية وهم يقولون لزعماء "الهنود الحمر" بانهم سينقلونهم من أراضيهم الى مستعمرات أخرى فقط لكي تحصل شركات "الرجل الأبيض" على النفط او الذهب والفضة او انشاء مدن جديدة او تسهيل مرور الموارد من بضائع عبر مد سكك حديد، فجاءت مقولة الرئيس ترامب بانه يريد ان تكون غزة "ريفيرا الشرق الأوسط"، وهي الأقرب لميناء "اشدود الإسرائيلي" الذي استثمرت فيه الصين اكثر من غيرها في انتاج ارصفة تصدير النفط والغاز الى قبرص ومنها الى اليونان فباقي الدول الاوربية بديلا عن النفط والغاز الروسي او منافس له على اقل تقدير!!. ولأن روسيا الاتحادية لم تكن مستعدة لخسارة تلك الأموال التي دفعت لشراء حقوق استخراج النفط والغاز في دول اسيا الوسطى التي انفصلت بعد تحطم الاتحاد السوفيتي، قامت بالاستعداد لتدوير تصدير النفط باتجاه الصين والهند ودول جنوب شرقي اسيا، من خلال الانفتاح الصيني في مشروعها طريق الحرير الجديد. هكذا لم تكن أمريكا لوحدها من تريد فرض نموذجها الاممي الجديد في مشروع القرن الحادي والعشرين بل استطاعت الصين وروسيا الاتحادية فرض استراتيجية كسب الوقت بسياسات الإلهاء في حروب الشرق الأوسط ثم الحرب الاوكرانية ومناورات حرب اقتصادية لتفرض من جديد نموذجا اخر للأممية الجديدة، ممثلا بميول القياصرة الروس والتنين الصيني والافيال الهندية، هكذا ظهرت خطوط مواصلات جديدة تحت قبة المحيط المنجمد الشمالي تعزز طريق الحرير وتربط بين المنتجات الصينية والهندية تجاه الأسواق الاوربية، وهي تنقل اغلب البضائع الأسيوية الى المستهلك الاوربي. كل ذلك جعل الاتحاد الأوربي يفكر بان تكون له "اممية جديدة"، تعيد تعريف الاعتماد على الذات في الردع النووي وحماية مصالحها الاقتصادية مقابل النموذج الترامبي للأممية الامريكية الجديدة بان من يحتاج حماية الأساطيل عليه ان يدفع الاثمان المطلوبة اقتصاديا، فظهرت ميولا نحو تحديث الناتو وإعادة الاعتماد على الردع النووي الأوربي بعد الغاء اتفاقات "ستارت-2" للحد من الصواريخ الناقلة للرؤوس النووية قصيرة المدى مقابل انشاء خط نوردستيم، تواجه اليوم ازدواجية واضحة ما بين طموحات القياصرة في امميتهم الجديدة وبين ضغوط الأممية الامريكية الجديدة أيضا. ما بين هذا وذاك يبرز السؤال، كيف تتعامل الدول العربية والاسلامية مع هذا الأممية الجديدة؟؟
واقع الحال، ان ثمة بوادر "يالطا " جديدة ليس بين منتصرين في حرب عالمية أولى وثانية سفكت الدماء بل حرب عالمية ثالثة، تمسك برقبة العالم اقتصاديا، في هذه الحرب ليس هناك خاسرون ومنتصرون الا بقدر تلك الإمكانات المتاحة للتأثير المباشر على إدارة الاقتصاد الدولي حتى وان تغيرت معالم سياساته، حيث تسعى الأممية الامريكية الى بقاء الدولار العملة الدولية المهيمنة بقوة الاساطيل وليس رؤوس الأموال، مقابل "شراكات جديدة" يمكن التفاهم عليها على طاولة اقرب الى تحليل أصحاب المصالح ما بين مشاركين او متعاونين، وشتان بين كلا النموذجين، لن تكون "يالطا" المنتظرة الا بعد الانتهاء من نموذج الحروب بالوكالة، لاسيما وان واقع الشرق الاسط اليوم يعيش نموذج ما بعد تطبيق اتفاقية سايكس بيكو، بدلا من فرنسا وبريطانيا لدينا نموذج جديدة للأممية "المسيحية الصهيونية" ما نتج عنها من إدارة سياسات في الولايات المتحدة تقوم إسرائيل بتطبيقها، مرة لأنها "صغيرة الحجم" كما قال ترامب، او البحث عن فرضيات "إسرائيل الكبرى" كما يقول نتنياهو، على الرغم من كل مظاهر التضاد او التضارب ما بينهما، وقصف الدوحة مؤخرا مثال واقعي، عليه استعادت دول الخليج العربية ذات النموذج الذي قاموا به في الثورة العربية الكبرى، ظهر مشروع نيونيم السعودي في رؤية 2030 والاتفاقات الابراهيمية معززة بالاتفاق العسكري مع القوة النووية الباكستانية، كبطاقات للركوب في قطار مقبل بعاصفة التسويات بين أصحاب المصالح من الأمميين الجدد. وفق هذه المدخلات، تبحث واشنطن وبقية الأمميين الجدد عن نموذج "وتسفاليا" ما بين امراء القرون الوسطى في أوروبا، للتسويات في معضلات الشرق الأوسط، ومنها نموذج "حل الدولتين" بأي شكل كان، حصول ذلك يتطلب اثمانا باهظة، عربيا واسلاميا، لكن عقدة المنشار في تحليل المصالح المقبلة تقف عند ايران، حيث ما زالت "الثورة" غير قادرة على دفع "الدولة" لحجز تذكرة الركوب في ذات القطار المقبل مقابل الملف النووي، مما يرجح حسم الاختلافات عسكريا، وكما يقول الجنرال البلروسي كلاتوفيتز، ستظهر ذات الأهداف التي لم يحققها السياسي بالمفاوضات مرة أخرى على ذات الطاولة بعد صمت المدافع!! معضلة عدم فهم تداعيات مصالح "الامميين الجدد" من أي أطراف عربية او إسلامية، بانتظار ان يتحقق لهم من خلال نماذج بازغة مثل الصين وطريق حريرها او القياصرة الروس الجدد، عليهم معرفة ان كل هؤلاء يقدمون مصالحهم على طاولة المفاوضات كشركاء "مصالح" في رسم سياسات عالمية جديدة، ولا يقدمون مصالح غيرهم حتى وان كانوا من افضل المتعاونين، السؤال ما الحلول التي يمكن ان تطرح بما يترك للمتعاونين والمعارضين على طاولة إعادة تكوين عالم الامميين الجدد؟؟ تلكم قضية أخرى في مقال مقبل.
#مازن_صاحب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟