مازن صاحب
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 20:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن وصف المرحلة بكونها لحظة "هدوء مؤقت" في مسار العراق، حيث يشهد استقرارا سياسيا نسبيا وتوجها نحو البناء والتنمية عنوانه الكبير "طريق التنمية" بعد سنوات من الحروب والنزاعات.
غير أن هذا الاستقرار مهدد بالانهيار نتيجة الانجرار المحتمل نحو التحولات الجيوسياسية الدراماتيكية الجارية في الإقليم، مما يطرح تساؤلات صعبة عن المرحلة المفصلية في الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني 2025، ما يمكن ان يحدث قبلها وما يكون بعدها في نوع تشكيل الحكومة المقبلة. أعادت الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة مع إيران تشكيل البيئة الإقليمية، وأسفرت عن عدة نتائج لعل أبرزها، تصدع التوازن الإقليمي الذي تكرس بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي أتاح لإيران بسط نفوذها في الهلال الخصيب، فيما تصاعدت ملامح حرب إقليمية مفتوحة تجاوزت الطابع غير المتماثل، عبر الهجمات بالطائرات المسيرة، والضربات المباشرة بالصواريخ، هذه التطورات تضع العراق في موقع حرج بين محورين متصارعين، دون أن يمتلك مقومات الحياد الكامل أو القدرة على المناورة المستقلة. تقود عراق اليوم، طبقة سياسية حذرة تجاه الانجرار الإقليمي، ومن أبرز المؤشرات على ذلك امتناع قوى الإطار التنسيقي عن توريط العراق بشكل مباشر في النزاع الإيراني - الإسرائيلي، إدراكا منهم لمخاطر التصعيد، ورغم علاقات فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني مع الكثير من الفصائل الحزبية المسلحة في الاطار، حافظت هذه الفصائل على قدر من الانضباط وتجنب التصعيد، واعتمدت سياسة "الحفاظ على الدولة"، وظهر وعي نادر بالتهديد المشترك بين مكونات الاحزاب العراقية في نظام المحاصصة من مغبة تحول العراق إلى ساحة صراع بالوكالة مجددا. رسم معهد شياتام هاوس البريطاني ثلاثة سيناريوهات رئيسية لموقع العراق في هذه المرحلة الانتقالية الخطرة: في دراسة بعنوان "استقرار العراق الهش مهدد بنظام شرق أوسطي متغير"، كتبها ريناد منصور ونشرت في 25 حزيران على موقع المعهد الالكتروني، تتمثل في :
اولا: السيناريو الوقائي - الحياد الإيجابي : ينجح العراق في البقاء خارج الصراع المفتوح، ويستثمر هذا الحياد لتعزيز مشروعه الوطني، يشترط هذا السيناريو، استمرار الانضباط داخل الفصائل الحزبية المسلحة للإطار التنسيقي، وتعزيز التنسيق بين بغداد وأربيل بما يجذب دعم المجتمع الدولي لسيادة العراق ورفض جعله ساحة للردع المتبادل.
ثانيا: السيناريو التصعيدي - الانجراف التدريجي :
تقوم بعض الفصائل بتنفيذ ضربات انتقامية انطلاقا من الأراضي العراقية، ما يدفع إسرائيل أو الولايات المتحدة لشن ضربات مضادة، تؤدي إلى تآكل هيبة الدولة المركزية، تصاعد الفوضى الأمنية في الجنوب والمناطق الحدودية، تعطيل مشاريع التنمية وخروج الاستثمار الدولي.
ثالثا: السيناريو المركب - الاحتواء المتأرجح :
ينجح العراق نسبيا في تجنب الانخراط المباشر، لكنه يتعرض لتوترات أمنية غير مباشرة، مثل عمليات اغتيال وانتقام استخباراتي واستخدام الأراضي العراقية لنقل الأسلحة والمقاتلين، وتنامي الاحتجاجات الشعبية إذا انكشف تورط غير معلن لبعض الجهات.
في ضوء هذه السيناريوهات الثلاثة، تؤشر الدراسة مواقف الاطراف، وتبدأ بإيران التي ترى في العراق امتدادا لنفوذها الحيوي، وتعتبر أن أي محاولة لإضعاف دور الفصائل الحليفة لها في العراق بمثابة تهديد استراتيجي مباشر، وتحدد الدراسة ردود فعلها التي ترجحها في ممارسة طهران ضغوطا على الحكومة العراقية بعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية في استهداف الفصائل، وقد تستخدم أدواتها في العراق لشن هجمات محدودة ضد أهداف إسرائيلية أو أمريكية، فيما تواصل مساعيها لتأطير أي مواجهة على أنها "معركة محور المقاومة ضد الصهيونية"، وتحشد لها زخما إعلاميا من العراق ولبنان وسوريا.
الانتخابات المقبلة. في ضوء معطيات هذه الدراسة، يمر العراق امام فرصة نادرة لتثبيت الاستقرار واحتلال موقع متوازن في نظام إقليمي يعاد تشكيله بعنف، وعلى الرغم من جميع المحاولات الناجحة لرئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني في الاتجاه الى هذا النموذج من العقلانية السياسية، لكن في شرق أوسط يوشك على إعادة تعريف ذاته، لا يتاح للعراق (ترف الحياد) ولا القدرة على الانغماس الكامل في معارك الآخرين، إنما عليه، الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يعيد اكتشاف دوره كجسر توازن لا كساحة حرب، بما يتوجب تناول سياقات الواقع العراقي ما بين ضبط النفس وتاريخ العنف في سيناريو الانجرار المتوقع لسياسة (حافة الهاوية)، لذلك يعتبر واقع التكيّف الذي يسعى اليه السيد السوداني هشا، فقد اثبتت تجربة السنوات الماضية، أن العراق ليس مجرد ساحة للصراع، بل لاعب معقد تتداخل فيه المصالح الوطنية مع الحسابات الإقليمية، الفصائل المسلحة أصبحت فاعلا اقتصاديا وسياسيا، يتحرك ضمن حدود مصلحته الذاتية توظف وجودها في الإطار التنسيقي برلمانيا وحكوميا لمصالحها الانتخابية المقبلة. في المقابل، ما زال العراق بحاجة إلى رؤية شاملة للأمن القومي، لا تنبع من حسابات الانتماء أو العداء، بل من إرادة داخلية تحافظ على وحدة الدولة، وتحميها من الانجراف المتكرر نحو حرائق المنطقة، وتعريف (العدو والصديق) فيه فجوات واسعة بين فرقاء العملية السياسية، ما بين وقائع مرتقبة للصراع الاسرائيلي الايراني حول ملفها النووي، وما يتطلب لحل النزاع البحري مع الكويت، وحل الخلافات حول تصدير النفط عبر اقليم كردستان، ناهيك عن تلك الحلول التوافقية المطلوبة في موضوع الاستقالة الجماعية لأعضاء في المحكمة الاتحادية، يضاف الى ذلك الاحتمالات المفتوحة لهبوط اسعار النفط في العام المقبل، كهدف اساسي لإدارة الرئيس ترامب، مما يسبب مشاكل ادارية واقتصادية جمة لاسيما اذا ما بدأ هذا الانخفاض قبل موعد الانتخابات المقرر. تحذر هذه التوقعات من واقع محفوف بالمخاطر، اما من داخل العملية السياسية او من خارجها، ينتهي بقرار الناخب العراقي ما بين الوقوف امام صناديق الاقتراع ام الاستمرار في تطبيق نموذج الأغلبية الصامتة، مما يطرح تساؤلات عن هذه الانتخابات، في ضوء كلما تقدم، يمكن تقدير الموقف المنظور خلال مراحل الاستعداد الانتخابي، والقول :
أولاً: السياق الإقليمي والمزاج الانتخابي :
تتسم المرحلة الإقليمية الحالية بعدم اليقين وبتصاعد التوترات، ما قد ينعكس على اتجاهات الناخب العراقي، سواءً من حيث الإقبال أو توجهات التصويت ومع تزايد الإدراك الشعبي لمخاطر التورط في الصراعات الإقليمية قد يعزز من حضور الخطابات السياسية الداعية إلى تحييد العراق عن محاور الصراع، مقابل احتمالات التصعيد الأمني قد تثير مخاوف لدى الناخبين من عودة العراق إلى دوامة عدم الاستقرار، وهو ما قد يؤثر على أولوياتهم الانتخابية نحو قضايا الأمن الداخلي والسياسة الخارجية المتوازنة.
ثانيًا: إعادة تشكيل أولويات الناخبين : تسهم التحولات الجيوسياسية في إعادة ترتيب اهتمامات الناخب العراقي، لتشمل بشكل أكبر الحفاظ على الاستقرار الأمني وحماية السيادة الوطنية من التأثيرات الخارجية، هذا قد يؤدي إلى بروز قوائم انتخابية ذات خطاب براغماتي أو تكنوقراطي، مقابل تراجع حدة الخطابات المؤدلجة، وما سبق الاشارة اليه عن هشاشة البنية الاقتصادية العراقية أمام الاضطراب الإقليمي، يعزز أهمية ظهور خطاب انتخابي يعالج بواقعية التحديات الاقتصادية المتوقعة نتيجة التوترات الإقليمية، وطرح سياسات للتنويع الاقتصادي وتقوية الرابط الإقليمي السلمي.
خلاصة القول، الانتخابات العراقية المقبلة تقع في مرحلة حرجة تتقاطع فيها التحديات الداخلية مع التطورات الإقليمية، ومقاربة التوازن والواقعية والابتعاد عن الخطابات الاستقطابية قد تكون مفتاحا لفهم توجهات الناخب، في ظل نظام سياسي يسعى إلى إعادة التموضع داخل بيئة إقليمية مضطربة ومتغيرة.
#مازن_صاحب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟