أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني














المزيد.....

ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 08:07
المحور: قضايا ثقافية
    


في ذاكرة الشعوب، لا تُسجَّل الحروب بوصفها أرقامًا ولا جداول خسائر، بل تُحفر كأنها جروح في الجغرافيا وندوب في الروح، وتُروى كملحمة يختلط فيها الدم بالشعر، والبارود بالأسطورة. والعراق، حين استيقظ على جرس الحرب مع إيران، لم يجد أمامه سوى خيار أن يكون هو الحصن الأخير لوادي الرافدين، أن يقف عاري الصدر تحت مطر الصواريخ والمدافع، حاملاً تاريخه كله، من سومر وأكد وبابل، حتى بغداد العباسيين، ليقول إن الأرض ليست صفقة، وإن الوطن ليس ورقة في بازار الطغيان.لم تكن الحرب وليدة نزوةٍ عابرة، ولا خلاف حدودٍ ضيّق. كانت فوهة التاريخ قد امتلأت بالبارود، وكان جرح الخليج يتهيأ للانفجار. إيران بعد ثورتها، وقد التبست شعاراتها بلهيب التصدير، أرادت أن تمدَّ أذرعها خارج حدودها، تبحث في الخرائط عن موطئ أقدام في البصرة والعمارة والكوت. كان صوتها يعلو بالادعاء، وكان جيشها يخطو بثقله نحو بوابات العراق، فكان لا بدّ من الرد. ومن هنا اشتعلت أولى شرارات النار، حين اندفع العدوان الإيراني إلى أرض الرافدين، فكان الرد العراقي صاعقة تزلزل التراب.وليس في التاريخ ما يفسَّر بالصدفة وحدها؛ العراق لم يبدأ الحرب، بل جُرَّ إليها كما يُجر الفارس إلى ساحة المبارزة حين يُستفزّ كبرياؤه. إيران أرادت أن تختبر صبر الجار، فوجدت أن الصبر العراقي إذا نفد تحوّل إلى بركان. وفي أيام معدودات، تبدّل المشهد: من جيشٍ ظنّ أنه سيعبر حدود البصرة كالنزهة، إلى قوافل جنود تاهت بين المستنقعات، ودماء سالت على ضفاف شط العرب. كان العراقيون آنذاك يعرفون أن خلف ظهورهم بغداد، وأن بيوتهم وحقولهم وأطفالهم هناك، وأن الانكسار ليس إلا موتًا بطيئًا يتسرّب إلى الروح.في تلك اللحظة التي انقلب فيها ميزان المعركة، تجلت بطولة الجيش العراقي، لا كقوة عسكرية فحسب، بل كملحمة بشرية استثنائية. الجندي البسيط، الذي خرج من قريته محمّلًا بوصايا أمّه ودموع أبيه، صار أسطورة تُروى في الميدان. كانوا يكتبون بدمائهم نصوصًا لا تشبه إلا الملاحم الكبرى؛ يقاتلون وهم يعرفون أن الموت واقف على الأبواب، لكنهم كانوا يرونه عروسًا أكثر من كونه كابوسًا. في البصرة، في ديالى، على طول الحدود، صارت الأرض منابر لبطولات لا تنسى.
وانتصار العراق لم يكن مجرد انكسارٍ لجيشٍ آخر، بل كان تثبيتًا لحقيقة أن هذه الأرض عصيّة على الابتلاع. لقد صمد العراق ثماني سنوات، لكن في الذاكرة الشعبية يبقى الرد الأول، تلك الصاعقة التي أعادت إيران إلى حدودها، هو رمز الكبرياء، هو اللحظة التي قال فيها العراقي: "هنا أرضي، هنا جذوري، هنا لن تعبروا."ولعل الفلسفة العميقة لهذه الحرب أن الانتصار ليس فقط في طرد المعتدي، بل في كشف جوهر الأمة حين توضع على المحك. العراق اكتشف نفسه في تلك النار؛ اكتشف أنه قادر على أن يكون أسطورة القرن العشرين في الصبر والصمود. لم يكن جيشًا فحسب، بل كان شعبًا بكامله يذوب في بزّة الجندي، من الفلاح الذي يودّع أرضه إلى الطالب الذي يحمل سلاحه، إلى الشاعر الذي يكتب على ضوء القذائف، إلى الأم التي تصنع من دموعها زادًا لأبنائها.اليوم، حين نستذكر تلك الأيام، فإننا لا نستعيد الحرب بقدر ما نستعيد دروسها. نستعيد كيف يتحول الضعف قوة، وكيف أن الشعوب إذا اجتمعت على الدفاع عن كرامتها تصبح أعظم من كل الأساطيل. نستعيد أن العراق، مهما تقاسمت عليه الخيانات أو تكالبت عليه الطامعون، سيظل يحمل في داخله سرّ الانتصار الأول، ذلك السرّ الذي لا يُكتب بالحبر، بل بالدم والعرق والصبر.
وهكذا، تبقى ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني، ليست مجرّد فصل في كتب التاريخ، بل جرحًا يضيء، وشاهدة على أن البطولة حين تولد من رحم المحنة، تصير فلسفة في الوجود، وتجعل من العراق وطنًا أكبر من حدود، وأعمق من خرائط.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء
- بين الشكّ والوفاء


المزيد.....




- -كارولينا هيريرا- تحوّل ساحة مدريد إلى منصة أزياء استثنائية ...
- -مهم جدا-.. حمد بن جاسم يُعلق على اجتماع مرتقب بين ترامب وقا ...
- شاهد.. رئيس وزراء فرنسا الأسبق يوجه رسالة لأمريكا وإسرائيل ب ...
- مع استمرار تهديدات الحوثيين.. سفينة جديدة تتعرض للهجوم قبالة ...
- إعصار راغاسا يعطل العمل ويشل حركة المواصلات بمدن كبيرة في جن ...
- الناشط المصري علاء عبد الفتاح يخرج من السجن بموجب عفو رئاسي ...
- عاجل | رويترز عن هيئة بريطانية: بلاغ عن واقعة على بعد 120 مي ...
- رفعت الحاج سري مؤسس -تنظيم الضباط الأحرار- في العراق
- تعطل الحياة في 10 مدن صينية استعدادا للإعصار راغاسا
- الناتو يجتمع اليوم لمناقشة خرق روسيا لأجواء إستونيا


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني