أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - دم الشهيد بين المكاتب














المزيد.....

دم الشهيد بين المكاتب


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 17:02
المحور: الادب والفن
    


حكاية صابرين مع الفقد والخذلان

ما أثقل أن يموت الرجل في ساحة الشرف، وتبقى زوجته أسيرة الطوابير والهمسات… وما أقسى أن يتحول دم الشهيد إلى أوراقٍ تتقاذفها المكاتب، وامرأة شابة تُطارَد بعيون الطمع ولسان الناس.
لكن المأساة لا تُختصر بالكلمات العامة، فهي تتجسّد في قصة واحدة اسمها صابرين؛ شابة لم تتجاوز الخامسة والعشرين، وجدت نفسها فجأة أرملة تحمل طفلين صغيرين، تبحث بين قسوة الأهل وجفاء الدوائر عن حقٍ ضائع… وكرامةٍ مهددة.
❋ ❋ ❋
"شوفي… إذا اتعاونتي ويايه، المعاملة تخلص بأسرع وقت."
قالها الموظف بصوت واطيء عند أذنها، وعيناه تتفحّصان وجهها بتلصّص.
تجمدت صابرين كأنها صخرة ألقيت في هاوية. ارتجفت، وكأن الكلمات المسمومة اخترقت قلبها. تراجعت خطوة للخلف، وقالت بصوت متحشرج:
ــ "استح على نفسك! آنـي جاية آخذ حق زوجي الشهيد… مو أبيع عرضي."
ابتسم بخبث وهو يعيد ترتيب أوراقه:
ــ "انت بكيفج … الدنيا كلها مصالح، وفكري بيها زين."
خرجت من المكتب، خطواتها مثقلة كأنها تحمل جبالاً، والدمع ينزل بلا استئذان. في رأسها صورة زوجها وهو يضحك لابنته ليلة رحيله الأخير؛ كأن روحه تذكّرها أن التضحية لا تعني النهاية.
❋ ❋ ❋
عام كامل مرّ، والأبواب الموصدة تزيدها إنهاكًا.
أهل زوجها تنصلوا من مسؤوليتها:
ــ "إنتي بعدچ زغيرة… تزوجي وافتكي."
وأهلها لم يمنحوها سوى الاعتذار والخذلان:
ــ "يمه، ما عدنه غير راتب التقاعد مال ابوج… والناس بدأت تحچي عليكِ."
شعرت صابرين حينها كأن الأرض ابتلعتها؛ فلا قِبلة ولا ملاذ.
❋ ❋ ❋
لكن في قلب العتمة، كانت هناك جارة اسمها سعاد، تمثل اليد الوحيدة التي امتدت إليها. كل صباح، حين تتهيأ صابرين للركض خلف معاملتها، تسمع صوتها الحنون:
ــ "خيه، خلّي الأولاد عندي… وگومي شوفي معاملتچ. هدوله أولادي قبل لا يكونون أولادچ."
وفي يوم لم تجد صابرين أجرة الطريق، جلست عند عتبة الدار يائسة. خرجت سعاد ومدّت لها ورقة نقدية صغيرة:
ــ "هاي للمواصلات، لا ترديهن… الخير خير الله."
انفجرت صابرين بالبكاء، وقالت وهي تخنقها العبرة:
ــ "تعبتج وياي يا سعاد… شايلة همي كل يوم."
ابتسمت سعاد، ومسحت على رأس الطفلة:
ــ "خيه، إذا ما نوكف يم بعض، شلون نتحمل الدنيا؟"
كان دفء كلماتها يذيب شيئًا من ثلج الألم المتراكم.
❋ ❋ ❋
ساق القدر صابرين إلى الحاج سمير، الموظف الستيني الذي بدت على وجهه ملامح الوقار. لم ينظر إليها كأرملة، بل كابنة تحتاج إلى سند. قال لها بصدق:
ــ "بنتي، من اليوم معاملتچ عليّه. وحق الله ما أخلي حق شهيد يضيع."
وبعزيمة كالجبل، حمل أوراقها كأنها وصيّة مقدسة. لم يكن صوته عاليًا، لكنه كان يهمس بصرامة لزملائه:
ــ "تره هاي أرملة شهيد… لا تضيّعون حقها بالروتين."
❋ ❋ ❋
وبعد شهور طويلة، جاءها وهو يحمل القرار بيده، وقال بابتسامة مطمئنة:
ــ "مبروك بنتي… المعاملة خلصت. من اليوم إلكم راتب ورعاية، وأطفالچ ما يجوعون بعد."
انهارت صابرين تبكي بحرقة، لكنها هذه المرّة دموع امتنان. أمسكت يده، وقالت بصوت يرتجف:
ــ "الله يجازيك خير يا حاج… إنت سترنا بعد الله."
ابتسم وهو يودّعها:
ــ "لا تنسين… تبقين قوية. زوجچ شهيد، ودمه أمانة بركابنا."
❋ ❋ ❋
خرجت صابرين من الدائرة وطفلاها يمسكان بيديها. رفعت رأسها إلى السماء، والريح تداعب وجهها كأنها رسالة من زوجها: "اصبري… فأنتِ صابرين."
لكن خلفها، كانت الهمسات تتساقط كحجارة:
ــ "شفت شلون خلصت معاملتها بسرعة؟ آني أشك بيها…"
ــ "إي… الناس تحچي، وكلشي محتمل."
توقفت لبرهة، أغمضت عينيها، وضمت طفليها إلى صدرها. لم تعد تسمع سوى صوتها الداخلي، كأنه اعتراف أو صلاة:
"يا رب، علّمتني الدنيا أن أكون صابرة… أصبر على الفقد، على الجوع، على خذلان الأهل، على ظلم البيروقراطية، وعلى لسانٍ يجلد بلا رحمة. لكني أخشى أن صبري صار قيدًا… اسمي صابرين، وكأنك كتبت لي أن أعيش العمر كله امتحانًا للاسم. فهل في آخر الطريق نور، أم أنني سأظل أتصبّر حتى ينكسر القلب؟"
سارت بخطوات مثقلة، القرار في يدها، وأطفالها على جانبيها… لم يعرف أحد إن كان ذلك بداية حياة جديدة، أم مجرد فصل آخر من مأساة لا تنتهي.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات راحل
- الجامعة وجرح لا يندمل
- بين البندقية والباسون
- ذكريات لا تُنسى / ٣
- ذكريات لا تنسى / ١
- ذكريات لا تُنسى / ٢
- ذكريات لا تموت
- الزانية
- حين صار الحزن انا
- انتظر .... عسى الله يفرجها
- ابتسامة على دفتر الدَّين
- نزف الغياب
- ظلّ البطاقة
- لقاء الأرواح
- أبنة السجان
- السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب
- الرصاصة الرابعة
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟


المزيد.....




- تحديات جديدة أمام الرواية الإعلامية حول غزة
- وفاة الفنان السعودي حمد المزيني عن عمر 80 عامًا
- حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك
- -لا موسيقى للإبادة الجماعية-.. أكثر من 400 فنانا يعلنون مقاط ...
- الأوبرا في ثوب جديد.. -متروبوليتان- تفتتح موسمها بعمل عن الأ ...
- الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
- تايلور سويفت تعود لدور السينما بالتزامن مع إصدار ألبومها الج ...
- تجمع سوداني بجامعة جورجتاون قطر: الفن والثقافة في مواجهة مأس ...
- سوار ذهبي أثري يباع ويُصهر في ورشة بالقاهرة
- جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - دم الشهيد بين المكاتب