أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مظهر محمد صالح - حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها














المزيد.....

حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 08:18
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


في خريف العام 1956، حين اشتعلت النار فوق بورسعيد، لم تكن الحرب بعيدة كما ظنّ البعض، بل كانت أقرب من كل الأزقة البغدادية، أقرب إلى قلب خالتي، تلك الأرملة البسيطة التي لم يكن لها في الدنيا غير ابنها اليتيم، تُرضعه الحنان وتُلبسه الأمل، حتى صار شابًا يافعًا، يطرق أبواب الحياة من بوابة الإعدادية المركزية في بغداد.

في التاسع والعشرين من أكتوبر، بدأت طبول الحرب تقرع، حين أقدمت إسرائيل على مهاجمة سيناء، بتخطيط خفيّ من ثلاثي الاستعمار القديم: بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل.
اجتمعوا سرًا في ضواحي باريس، في مدينة تُدعى “سيفر”، واتفقوا أن تُشعل إسرائيل الشرارة، ثم تتدخل بريطانيا وفرنسا بحجة إيقاف الحرب… لكن الهدف الحقيقي كان واضحًا: كسر إرادة عبد الناصر بعد تأميمه قناة السويس، واستعادة النفوذ المهتزّ.

وفي الوقت الذي كانت الطائرات الغربية تحلّق فوق بورسعيد، كانت الحناجر تشتعل في بغداد، وقلوب الطلبة تصرخ باسم مصر، تهتف للشعب ، للكرامة، للحرية. كانت الإعدادية المركزية مركزًا للغليان الوطني، ومهدًا لمظاهرة كبيرة انطلقت من باحتها، متجهة نحو شارع المتنبي، ثم شارع الرشيد، تشقّ قلب العاصمة كأنها موجة نهر غاضبة.

في ذلك اليوم، لم يكن لخالتي من صبرٍ يكفيها. هرعت من بيت جدي في العاقولية، قرب ساحة الرصافي، بعباءتها البغدادية السوداء، تحنيها الريح، وتشدّني من يدي، وأنا صبي صغير لا يفقه من الحرب شيئًا، سوى أنها قد تأخذ منها ابنها الوحيد.

دخلنا الزحام…
كان الشارع مزيجًا من الهتاف والدخان، من صراخ الطلبة ورجال الشرطة، من الحجارة التي تتطاير بين الأيادي والقبضات المشدودة.
كنتُ أسمع كل شيء ولا أفهم شيئًا… سوى بكاء خالتي، وصوتها يرتجف وهي تردد اسمه بين الجمع، تبحث في الوجوه عن وجهه، تخاف أن يكون في قبضة الأمن، أو مرميًا على الرصيف.

المحال أغلقت أبوابها، والناس تركض في كل اتجاه، والشوارع تلبست بالعنف. كانت بغداد كلها تُقمع في ذلك اليوم، وكانت خالتي تمشي عكس التيار، تحمل قلبها على كفها، وتمضي تبحث عن ابنها وسط الجموع.

ومع مغيب الشمس، عدنا إلى بيت جدي، وقلوبنا مثقلة بخوف لا يُقال.
لكن الباب انفتح، ودخل ابن خالتي، مبللاً بالعرق والتراب، لكنه سالم، عائد من دروب بغداد العتيقة، تلك التي تحفظ خطى العشاق والثوار، متسللًا كمن خرج من عنق الموت.

نجا، وأكمل سنته الدراسية بتفوق، وصار بعد أعوام صيدليًا معروفًا، يعالج المرضى بابتسامة، ويزرع الطمأنينة في القلوب، كما زرعت خالتي فيه الأمل ذات يوم.

أما خالتي، فقد رحلت بعد سنوات…
لكنني لا أنسى صورتها، وهي تمشي بعباءتها في رياح الخريف، تمسك بيدي، وتشقّ شوارع بغداد خلف ابنها. لا أنسى خوفها، ولا دمعتها، ولا صوتها حين نادت عليه في قلب الزحام.

لقد كانت امرأة من نساء العراق، من اللاتي حملن الوطن على أكتافهن، وربّين جيلًا قاوم الاستعمار بالحناجر والطباشير والحجارة.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة
- المثقف المشرقي على مصفوفة الوحدة : بين ألتوسير وفوكو ودريدا
- الصين وحساسية الدولة العظمى: قوة ناعمة على مائدة الدولة


المزيد.....




- رمزية جاكيت الملكة ليتيسيا.. المصممة المصرية دينا شاكر تكشف ...
- نجل زين الدين زيدان يغير جنسيته الرياضية للدفاع عن ألوان منت ...
- هجوم سيبراني يتسبب في اضطرابات بمطارات أوروبية كبرى
- إستونيا تتهم روسيا بخرق أجوائها ودعوات لتعزيز دفاعات حلف الن ...
- انتخاب السعودية والأردن لعضوية مجلس محافظي وكالة الطاقة الذر ...
- كيف تحقق دخلا ماديا من مقاطع الفيديو القصيرة عبر يوتيوب؟
- ردع إسرائيل وتأسيس عقيدة أمنية عربية جديدة
- بعد يوم دامٍ.. قوات الدعم السريع تقصف أحياء بالفاشر
- شاهد.. مدير مجمع الشفاء بغزة يودع شهداء عائلته
- دعوى قضائية ضد 11 مسؤولا ألمانيا بتهمة التواطؤ في إبادة غزة ...


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مظهر محمد صالح - حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها