أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - في بني مرعاز... حيث استيقظ المركز الصحي من غفوته الطويلة














المزيد.....

في بني مرعاز... حيث استيقظ المركز الصحي من غفوته الطويلة


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 02:43
المحور: كتابات ساخرة
    


في قلب دوار بني مرعاز، التابع لجماعة وليلي زرهون، بين الحقول التي تعرف الصمت أكثر مما تعرف الكلام، وبين الطرق التي تحفظ وقع أقدام النساء الباحثات عن الدواء أكثر من أسماء الوزراء، وقع ما يشبه المعجزة... المركز الصحي القروي اشتغل. ليس لساعتين كسولتين كما كان الحال من قبل، حين كانت أبوابه تفتح من الحادية عشر صباحا إلى الواحدة زوالا، بل من العاشرة صباحا إلى الرابعة مساء، وفي بعض الأيام استمرت الخدمة إلى ما بعد ذلك، كما لو أن البناية القديمة استعادت ذاكرتها.

الناس هناك لم يطلبوا الكثير. تعودوا على مركز صحي يشتغل بشكل رمزي، أبوابه غالبا مغلقة، وممرضة تلوح بساعتها، وطبيبة "خرجت تشم الهوا"، ودواء غالبا ما يكون غير متوفر. لكن هذا الأسبوع، حدث شيء غريب. المركز فتح أبوابه باكرا، والوجوه كانت نفسها، لكن العيون بدت أكثر يقظة، والحركة داخله كانت مختلفة. حتى الهواء تغير، وكأن الجدران تنفست أخيرا بعد اختناق طويل، وهمست لنفسها: "ها قد عدت... ولو متأخرة".

بعض السكان مروا أمام المركز بتردد، شكوا في الأمر. أحد الشيوخ توقف وسأل حفيده: "آش واقع اليوم؟"، ليتأكد أنه لا يحلم. وآخر خرج بعد فحص بسيط، وقال باستغراب: "خدمتونا بلا ما نشكيوا... واش المغرب تقلب؟"

أما أنا، فجلست أتابع ما يجري من بعيد، أرتشف قهوتي الباردة، وأقلب بين صفحات مواقع التواصل، حيث الأخبار من مدن أخرى، مثل أكادير، تتحدث عن إضرابات واحتجاجات وتوقفات للأطر الصحية. وفي اللحظة ذاتها، كان مركز بني مرعاز يشتغل بهدوء، وكأنه خارج عن توقيت المؤسسات العمومية، أو كأنه في كوكب لا يعرف أعذار التأجيل ولا ثقافة "رجع غدا".

فما الذي تغير؟
هل مرت سحابة طيبة على المنطقة؟
هل زارهم مسؤول فجأة؟
هل أرسلت الوزارة تعليمات من نوع خاص؟
أم أن الأمر لا يفسره سوى صمت الجدران القديمة التي حفظت كل شيء؟

ربما لم يتغير شيء. وربما تغير كل شيء. ففي بلد أصبح فيه القيام بالواجب خبرا عاجلا، وصار الالتزام بالعمل حالة نادرة توثق وتتناقلها الصفحات، يصبح اشتغال مركز صحي بشكل عادي حدثا استثنائيا يستحق أن يروى.

في بني مرعاز، لا يحتاج الناس إلى مستشفى كبير، ولا إلى معدات متطورة. هم فقط يريدون أن يجدوا الباب مفتوحا، وأن يصغى إليهم، وأن يشعروا أن أحدا ما ما زال يتذكر أنهم موجودون.

ورغم بساطة الحكاية، فإن فيها شيئا من الجمال الخفي. ربما هناك من قرر أخيرا أن يسمع صوت هذه الأرض، وربما هناك من آمن، ولو لوهلة، أن الصحة ليست امتيازا لأهل المدن، بل حق لكل من يعيش في هذا الوطن، مهما ابتعدت قريته عن الطرق الرئيسية.

ولئلا يفسد الواقع على القرية حلمها الجديد، أقترح على وزارة الصحة أن ترسل لجنة، لا لكي تفتح تحقيقا، بل فقط لتشاهد كيف يكون الالتزام حين يولد في مكان لم ينتظر منه أحد شيئا.

وفي نهاية هذا الفصل الهادئ وغير المتوقع، يمكننا أن نكتب بكل فخر على باب المركز الصحي:

"هنا، في بني مرعاز... اشتغلنا بصمت، فقط لأننا تذكرنا أننا بشر."



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل الولي ونور الزائر (من أدب الرحلة الروحية)
- -نداء من قلب مكسور-
- -يسرى... زهرة وسط صخر-
- -بقرار من ميلانيا: باب الأمل في غزة-
- ثمن الشمعة
- لا ظل في الرمل لمن لا ذاكرة له
- الزاوية التي لا تنام
- همس الجبال ونور الأرواح
- -قبل أن أنسى اسمي-
- حبر الندبة في عقدة القمر (بصوت الرجوع، وتنهيدة الختام)
- حبر الندبة في عقدة القمر (بصمت البذور، وتنهيدة الحكاية الساد ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بفم مكموم، وتنهيدة الحكاية الخامسة ...
- أنين القباب في وادي الجني الأسود رواية رمزية – شاعرية – رؤيو ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بنبض الحرف الأخير، وتنهيدة الحكاية ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بحنجرة الرمل، وتنهيدة الحكاية الثا ...
- حبر الندبة في عقدة القمر(بصوت الغياب، وتنهيدة الحكاية الثاني ...
- الاستدعاء الشفهي: حين تتحول الإجراءات إلى فصول من العبث الإد ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بلسان العفاريت، وتنهيدة الحكاية ال ...
- -الذين لم يصفق لهم… لكنهم يستحقون الوطن-
- -خرائط على جثث الطيور-


المزيد.....




- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية


المزيد.....

- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - في بني مرعاز... حيث استيقظ المركز الصحي من غفوته الطويلة