ضيا اسكندر
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 12:06
المحور:
كتابات ساخرة
خلال متابعتي لأحد التجمعات اليسارية في اللاذقية عبر تسجيل مصور، شدّني صوت مناضل مخضرم، رجل خبر الزنازين وأمضى زهرة عمره في سجون الأسد الأب والابن، وهو يقول:
"لم يسبق لي أن تمتعت بحرية إبداء الرأي كما هو عليه الآن بعد سقوط نظام الأسد."
الجملة، ببساطتها وحرارتها، دوّت في القاعة، وما لبث عدد من الحاضرين أن أيّدوه بحماسة، مؤكدين أنهم لم يتعرضوا منذ ذلك الحين لا لاعتقال ولا حتى لمضايقة.
لكن، مهلاً...
هل هذه الحرية وليدة إيمان السلطة الجديدة بالديمقراطية؟ أم أنها مجرد فراغ أمني؟
برأيي، السبب لا يكمن في "قناعة" الحاكم الجديد، بل في افتقاره إلى أدوات القمع التي راكمها النظام السابق عبر نصف قرن.
فالأسد خلّف وراءه منظومة أمنية مترهلة لكنها مرعبة: سبعة عشر جهازاً أمنياً، عشرات الآلاف من العناصر والمخبرين، وذخيرة من الخبرات التقنية والاستخباراتية المتخصصة في ملاحقة أنفاس السوريين، على الأرض وفي فضاء الإنترنت. لقد تحوّل الوطن، حرفياً، إلى غرفة مراقبة ضخمة.
أما السلطة الجديدة، فقد جاءت بخبرات هزيلة، وأعداد محدودة، ومع أول اقتحام لمقرات النظام جرى العبث بالأرشيفات، ضاعت السجلات، سُرقت الأقراص الصلبة، وأُحرقت ملفات تحمل تفاصيل دقيقة عن حياة السوريين. وهكذا وُجدت السلطة المؤقتة عارية من أدوات السيطرة، فلم يكن أمامها إلا أن تمارس القمع بشكل انتقائي، وفي الغالب لدوافع طائفية، لا سياسية.
لذلك فإن ما يُشاع اليوم عن "مناخ حرية" ليس سوى فراغ مؤقت، هشّ، مرهون بعجز السلطة أكثر مما هو نابع من نواياها. والدليل؟ منذ أن أمسكت هيئة تحرير الشام بمقاليد الحكم، لم يخرج مسؤول واحد ليذكر كلمة "ديمقراطية"، والإعلان الدستوري نفسه خلا من أي إشارة لها. ناهيك عن أن أيديولوجية الهيئة، السلفية الجهادية، تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها كفراً صريحاً.
فكيف نحتفل بحريةٍ لا تعترف بها السلطة، ولا تضمنها النصوص، ولا تحرسها القوانين؟
إذاً، نحن لا نعيش حرية، بل نمرّ في فراغ بين استبدادين.
الأول سقط، والثاني لم يكتمل نموّه بعد.
وما بينهما، يتنفس الناس قليلاً، قبل أن تعود القبضة، ربما بلحية أطول، وسوطٍ أشد.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟