الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تضم منظمة شنغهاي للتعاون ( SCO ) التي تأسست سنة 2001 عشر دول، وانعقدت القمة الخامسة والعشرون لمجلس رؤساء دول المنظمة في تيانجين ( الصّين) يَوْمَيْ 31 آب/أغسطس والأول من أيلول/سبتمبر 2025، بحضور أكثر من عشرين من رؤساء ودول الحكومات غير الغربية، وكانت أكبر قمة في تاريخ المنظمة، والمرة الخامسة التي تستضيف فيها الصين هذا الاجتماع، وعرضت الصين مقترحات لبناء نظام أمني واقتصادي عالمي جديد في مواجهة مخططات الولايات المتحدة التي تتعامل مع العالم بعقلية الحرب الباردة والتنمّر، وفق الرئيس الصيني شي جينبينغ عند إلقائه كلمة الإفتتاح، وركزت هذه القمة على استراتيجية التنمية وتوسيع التجارة والإستثمار والتكامل الإقتصادي بين البلدان الأعضاء، خلال العقد القادم، أي حتى 2035، وقطع خطوات هامة في تحقيق أهداف المنظمة المتمثلة في تقديم بديل للمؤسسات الدّولية التي تُسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومواجهة السياسات الأمريكية، ومن ضمنها رفع الرسوم الجمركية، وتضم المنظمة معظم دول آسيا الوسطى وروسيا والصين والهند وإيران وباكستان وبيلاروسيا، وتمثل نحو 43% من سكان العالم و23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي...
أشار الرئيس الصيني في افتتاح القمة الخامسة والعشرين إلى "إعادة تشكيل النظام العالمي" وإنهاء الهيمنة الأمريكية وسطوة الدّولار، من خلال "تسريع التعاون بين بلدان الجنوب، وخاصة بين الصين وروسيا والهند، وإنشاء بنك للتنمية وإطلاق منصة دولية للتعاون في مجال الطاقة...
تعزيز مكانة الصّين
تطور العلاقات الصينية الرّوسية
أدّت العقوبات والحظر الإقتصادي المفروض على روسيا وتعليق نشاط الشركات الغربية في روسيا، إلى اغتنام الصين والهند الفُرصة لشراء كميات ضخمة من النفط الروسي بأسعار منخفضة، وبيعه إلى أوروبا وتحقيق هامش ربح هام من هذه الصفقات، وأصبحت الصين أكبر مُورّدِي الطاقة الروسية، وأكبر مُصدِّرٍ للسيارات والبضائع الأخرى إلى روسيا، ، وتعمّقت الروابط الإقتصادية بين روسيا والصين، وتحولت إلى مشاريع استراتيجية مُشتركة ترمي إلى إرساء نموذج بديل عن النظام العالمي الغربي، لكن في إطار الرّأسمالية، ويُشكل التحاق الهند بهما، بعد إقرار الولايات المتحدة رُسُومًا جمركية مرتفعة على صادرات الهند إلى أمريكا، تعزيزًا لهذا التكتل، فقد التقى رئيس وزراء الهند بالرئيس الصيني، على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، في أول زيارة للصين منذ سبع سنوات، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في الهند، ورغم عدم التوصل إلى حل الخلافات الحدودية ورغم العلاقة الوثيقة التي تربط الصين بباكستان ( العدو التاريخي والتقليدي للهند)، مع التّذكير بامتلاك هذين البلدين - الأعلى تعداداً سكانياً في العالم - اثنتين من أكبر الاقتصادات عالمياً.
جمعت قمة منظمة شنغهاي للتعاون العديد من زعماء البلدان التي تستهدفها الولايات المتحدة بالحصار والعقوبات والتّهديدات، حيث حَضَر كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية وفلاديمير بوتين رئيس روسيا والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان ورؤساء 26 دولة أخرى، العرض العسكري في بكين يوم الثالث من أيلول/سبتمبر 2025، بمناسبة انتهاء الإحتلال الياباني للصين، بعد هزيمة اليابان وألمانيا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الصين رمزًا لتحالف – قَيْد التّشكيل – في مواجهة بعض جوانب السياسات الأمريكية، وهي تطمح إلى تأسيس نظام رأسمالي عالمي متعدذد الأقطاب، كبديل للقُطب الواحد الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة...
آفاق تعزيز العلاقات بين الهند والصين وروسيا
التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرئيس الصيني شي جينبينغ، لأول مرة على الأراضي الصينية، منذ سبع سنوات، واتفقا مبدئيًّا على نبذ التنافس واستبداله بتعزيز علاقات الشّراكة، واستمرار التفاوض بشأن الخلافات الحدودية، ويُمثل شكّان البلدَيْن نحو 2,8 مليار نسمة، ثم التقى رؤساء الصين وروسيا ورئيس وزراء الهند، في لقاء ثلاثي تحتاط منه الولايات المتحدة التي تتخوف من تطور العلاقات بين هذا الثلاثي في مجالات التجارة والتكنولوجيا والقضايا الجيوسياسية، كما تتخوف الولايات المتحدة من أن تُصبح الصين شريكًا بديلا للولايات المتحدة مع العديد من البلدان، باستغلالها منظمة شنغهاي كمنصة دولية لتوسيع علاقاتها التجارية والسياسية وتعزيز التعاون في مجالات تريد الولايات المتحدة احتكارها كالتكنولوجيات المتطورة والذكاء الاصطناعي، والمنظومة المالية الدّولية، خصوصًا بعد اتفاق بعض أعضاء منظمة شنغهاي على إنشاء بنك تنمية يستخدم نظام دفع بديل يقلل الاعتماد على الدولار الأميركي، وللتذكير فإن الصين أكبر مساهم في بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي، الذي تأسس سنة 2014 لتمويل مشاريع البُنْية التحتية في "الدول النامية"، كبديل للبنك العالمي وبنك التنمية الآسيوي اللَّذَيْن تُسيطر عليهما الإمبريالية الأمريكية، وتعهدت الصّين بتقديم مبلغ 280 مليون دولار للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي كمساعدات وقروض بقيمة 1,4 مليار دولارا خلال السنوات الثلاث المقبلة، وتمثل معظم القرارات الصينية خطوة باتجاه إعادة تنظيم ميزان القوى الدّولي من خلال التقويض البطيء ( لكنه متواصل أو مُستمر) للهيمنة الاقتصادية والمالية والعسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، وتأكيد دور الصّين كقاطرة لقوة بديلة - ليست مناقضة للرأسمالية ولكنها مناقضة للأسلوب الأمريكي في التعامل مع الدّول – للغطرسة والإبتزاز وللهيمنة الأمريكية، من خلال مبادرة الحزام والطريق (BRI) أو نظام المدفوعات المركزي (CIPS)، أو التكتلات الدّولية والإقليمية، مع تغيير أساليب الإندماج في السوق الرأسمالية العالمية، لتتمكّن الصّين من تسويق فائض إنتاجها الصناعي والتكنولوجي، وإقراض الدّول الفقيرة بشروط أقل إجحافًا من شروط المؤسسات المالية الدّولية مثل صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، مما يُشكل متنفّسًا وهامشا للمناورة لبعض البلدان الفقيرة، في مواجهة الإمبريالية الأمريكية والأوروبية...
هل ينبثق "عالم جديد متعدّد الأقطاب" عن قمة شنغهاي 2025؟
مَثَّل اجتماع زعماء الصين وروسيا والهند وإيران وكوريا الشمالية والدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في مدينة تيانجين الصينية، تجسيدًا لخطوة جديدة وإضافية لإرْساء نظام دولي بديل للنظام السائد بزعامة الولايات المتحدة، منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ الحرب الباردة، وبحث المُشاركون في قمة منظمة شنغهاي مقترحات الصين الهادفة إلى تقديم بدائل للحرب التجارية وللمؤسسات المالية الدّولية ونظام التحويلات المالية الذي يهيمن عليه الدّولار، وتغيير القيادة الأمريكية للنظام الدّولي بقيادة صينية أقل غطرسة وأقل ضررًا، باسم "عالم متعدّد الأقطاب"، ويمكن أن تستفيد دول "الجنوب العالمي" من تصدّع النظام الدّولي الحالي الذي تهيمن عليه الإمبريالية الأمريكية، إذا تمكّنت من فرض نظام يُراعي المصالح المشتركة للبلدان والشعوب، ونبذ التدابير القسرية أحادية الجانب، كما وَرَدَ في البيان الختامي للمؤتمر الخامس والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون.
خاتمة
تضم منظمة شنغهاي للتعاون، بالإضافة إلى الدّول المُؤسسة أو الأعضاء الدّائمين (الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، 14 دولة ومنظمة شريكة أو مراقبة، وتمثل المنظمة نحو 3,2 مليارات نسمة، أو حوالي 40% من سكان العالم، ونحو 25% من الناتج الإجمالي العالمي و20% من حجم التجارة الدولية، وتضم بلدان منتجة للمحروقات ( النفط والغاز) والمعادن النادرة، فيما يمثل الإتحاد الأوروبي، على سبيل المقارنة، نحو 14% من سكان العالم و 17% من إجمالي الناتج العالمي، فيما لا يتجاوز عدد سكان الولايات المتحدة 5% من سكان العالم، لكن ناتجها المحلي الإجمالي يبلغ 24% من الناتج العالمي، وبالتالي فإن الإمكانيات الإقتصادية لمنظمة شنغهاي للتعاون لا تتناسب مع وزنها الدّيموغرافي، وقد يُشكّل تحالف الصين والهند وروسيا وإيران وكوريا الشمالية إضْعافًا للهيمنة الأمريكية، غير إن القرارات التي تم الإعلان عنها لا تُشكّل بديلا للنظام الإقتصادي والتجاري والمالي القائم، ولكنها قد تُحسّن شروط التفاوض وموقع الصين وروسيا والهند ( والثلاثة من مؤسسي مجموعة بريكس) ضمن النظام الإقتصادي والسياسي العالمي، وإن كانت للعديد من الدّول، مثل الهند والصين وروسيا تريد التحرر من سيطرة الولايات المتحدة، إلا أن هذه الوحدة لا تزال تشوبها تناقضاتٌ عميقة، لكن فشلت الولايات المتحدة في زيادة الضغط التجاري على الصين التي نجحت في تعزيز الروابط مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وإطلاق حوار مع الهند، وتُشكل قرارات القمة الخامسة والعشرين اتّجاها جدّيًّا نحو خلق توازنات جديدة، ومن بين هذه القرارات: إنشاء بنك تنمية لتمويل المشاريع البنية التحتية والطاقة، وتقليل الاعتماد على المؤسسات المالية الدّولية التي تُسيطر عليها الولايات المتحدة، وتعزيز التجارة البيْنِيّة بالعملات المحلية للحد من هيمنة الدولار، ولتحويل منظمة شنغهاي للتعاون إلى قطب اقتصادي ينافس الاتحاد الأوروبي في الحجم والتأثير، من خلال دعم التنمية المُستدامة وتعزيز الشراكات التكنولوجية وتوسيع الحوار لخلق ظروف ملائمة لعالم "متعدد الأقطاب ولنظام دولي أكثر عدالة وتوازنًا"
أما الإرادة السياسية فتتلخص في تأكيد استقلال القرار السياسي والاقتصادي للبلدان "غير الغربية"، وخصوصًا الصين وروسيا والتحاق الهند بهما، بعد إقرار الولايات المتحدة رسوما جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية من الهند، وتؤكد الصين على " قدرة دول الجنوب على إدارة شؤونها بنفسها"، ويُمثل إنجاز هذه الخطوات إغراءً للدول العربية والإفريقية التي قد تستفيد من التمويل البديل لمشاريع البنية التحتية والطّاقة ومن الاستثمارات والتجارة جنوب–جنوب، وسوف يمثل ذلك، إن تحقَّقَ تحوّلا تاريخيا يُقوض هيمنة الإمبريالية الأمريكية التي فرضتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخصوصًا منذ انهيار الإتحاد السّوفييتي...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟