أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - إندونيسيا – احتجاجات وقَمع دَمَوِي















المزيد.....

إندونيسيا – احتجاجات وقَمع دَمَوِي


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تُعد إندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان حيث يفوق عدد سكانها 270 مليون نسمة، وتعتبرها الشركات العابرة للقارات "سوقًا استهلاكية واعدة وجاذبة للمشاريع والاستثمارات الأجنبية"، ولإندونيسيا وزن هام في هذه المنطقة من آسيا، فهي احتضنت المؤتمر التحضيري لمجموعة عدم الإنحياز في مدينة باندونغ سنة 1955، وتتحكم في مضيق ملقا وهو أحد أهم الممرات المائية في العالم ( بعد مضيق هرمز بالخليج) وتعبره حوالي 25% من حجم التجارة الدّولِيّة ونحو 30% من النفط الخام، وعُرفت إندونيسيا بحرصها على الحفاظ على علاقات متوازنة بين القوى العظمى (الصين والولايات المتحدة ) رغم التأثير الأمريكي منذ انقلاب 1965 والمجازر ضد الشيوعيين.
أسفرت الانتخابات الرئاسية التي جرت في إندونيسيا خلال شهر شباط/فبراير و18 آذار/مارس 2024 عن فوز وزير الدّفاع و قائد الجيش وحاكم جاكرتا السابق برابوو سوبيانتو رئيسًا ( ونائبه ابن الرئيس السابق جوكو ويدودو الذي كان ينافسه برابوو سوبيانتو)، وفوز جبران راكابومينغ راكا نائبًا وحاكما للعاصمة، ومن الغريب إن فوز قائد الجيش بالانتخابات كان بفضل حصوله على أصوات قسم هام من الناخبين الشُبّان ( نصف عدد النّاخبين) الذين خصص لهم "برابو سوبيانتو" خطابًا ديماغوجيا موجه لهم بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي، رغم التّاريخ المُظلم لهذا الضابط العسكري الذي تمت التّضحية به وتسريحه من منصب قيادي بالجيش الإندونيسي خلال فترة حكم الرئيس سوهارتو بعد اتهامه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وعاد من جديد ليتولّى، سنة 2029، منصب وزارة الدفاع في عهد الرئيس جوكو ويدودو، مما يفسر ردّ الجميل له بتعيين ابنه نائبًا للرئيس...
تتمتع إندونيسيا بالعديد من الموارد، من بينها النّفط ومعدن النيكل وزيت النخيل، لكنها لم تتمكّن من توفير فرص عمل للشباب، وبقي مستوى التعليم رديئًا أو متوسطا في أحسن الحالات، فضلا عن إهمال قضايا البيئة، ويطمح الرئيس الفائز في الإنتخابات إلى تعزيز العلاقات الإقتصادية مع الصّين التي تمر نسبة حوالي 80% من صادراتها عبر مضيق ملقا الذي تتحكم فيه إندونيسيا، أي إن من مصلحة الصين استقرار الأوضاع في إندونيسيا، لكي لا تضطرب حركة الملاحة في مضيق ملقا، وللصين مصالح كبيرة ومشاريع هامة في إندونيسيا، في مجالات الإنشاء والبُنْيَة التّحتيّة الأساسية وتطوير صناعة النيكل التي تتميز بها إندونيسيا، وتقدر الإستثمارات الصينية بين سنَتَيْ 2019 و 2022 بنحو 21 مليار دولارا...

احتجاجات آب/أغسطس 2025
بدأت الاحتجاجات على الأزمة الاقتصادية في العاصمة جاكرتا مطلع العام 2025 ولكن عندما انْكَشَفَت قيمة المنح الإضافية للنّوّاب اشتدت الاحتجاجات وانتشرت في جميع أنحاء البلاد، وانطلقت المظاهرات بأعضاء النقابات والطّلبة، قبل أن يلتحق بهم عشرات الآلاف من المواطنين في مختلف أنحاء البلاد ( جاكرتا وباندونغ وسيمارانج وسورابايا وميدان وبالي... )، وطالب المتظاهرون بإلغاء زيادة دخل نوّاب البرلمان، وبزيادة الأجور وخفض الضرائب واتخاذ تدابير أقوى لمكافحة الفساد، وأدت هذه الاحتجاجات الحاشدة خلال الأسبوع الأخير من شهر آب/أغسطس 2025 ( خصوصًا من 25 إلى 29 آب/أغسطس 2025) إلى إحراق عددٍ من المباني الحكومية (رَمْز السُّلْطة السياسية) وإلى قتل ستة مُتظاهرين، واعتقال 3200 متظاهر، وفق بيانات الحكومة، وقد اندلعت شرارة الغضب إثر إقْرار بَدَل سَكَن شهري قدره ثلاثة آلاف دولار أمريكي لأعضاء البرلمان، وهو ما يفوق دخل المواطنين العاديين بعشرات المرات، وعشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، واضطرّ الرئيس برابوو سوبيانتو، تحت ضغط المتظاهرين، إلى إلغاء هذا المزايا الإستفزازية لنواب البرلمان، لكنه هَدَّدَ باستخدام قانون "الخيانة" إذا استمرت الاحتجاجات التي شملت عدة مدن بما فيها العاصمة جاكرتا، مظاهرات مناهضة للحكومة واشتباكات مع الشرطة خلال الأسبوع الأخير من شهر آب/أغسطس 2025، احتجاجا على زيادة مخصصات أعضاء البرلمان الإندونيسيين: يُمنح كل عضو من أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 580 عضوًا، بدل سكن شهريًا قدره خمسون مليون روبية أو ما يُعادل ثلاثة آلاف دولارا أمريكيا، بالإضافة إلى راتبه ليتجاوز بذلك الدّخل الرّسمي لكل نائب في البرلمان، مائة مليون روبية، أو أكثر من ستة آلاف دولار أمريكي، ويُعادل مبلغ الزيادة لوحده، الذي طرح أواخر العام 2024، ما يقرب من عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور في جاكرتا، وعشرين ضعفًا في المناطق الفقيرة، وفقا لشبكة بي بي سي إندونيسيا
يعود استياء السكان بشكل رئيسي إلى تدهور الوضع الاقتصادي للمواطنين الإندونيسيين، حيث لا تزال الأجور ثابتة بينما ترتفع تكاليف المعيشة، وتفاقم الغضب الشعبي بسبب تصريحات بعض أعضاء البرلمان التي بدت بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية للمواطنين الإندونيسيين، وواجهت "شرطة مكافحة الشّغب" المُتظاهرين في جميع أنحاء البلاد بالغاز المسيل للدموع والهراوات وخراطيم المياه...
اشْتَدّت موجة الاحتجاجات الأخيرة بعد أن صدمت سيارة شرطة شابًّا (21 سنة) يعمل على دراجة نارية في ماكاسار، عاصمة مقاطعة جنوب سولاويزي الشرقية، عندما اقتحمت مركبة مدرعة تابعة للواء المتنقل للشرطة الحشدَ فجأةً، وصدمت الشّاب، ثم دهسته، ولم يكن السائق مشاركًا في المظاهرة، بل يشتغل بواسطة الدّرّاجة ووجد نفسه في قلب الحدث بالصدفة أثناء توصيله طلبية طعام، وتحولت الاحتجاجات في ماكاسار إلى غضب في كافة أنحاء البلاد، حيث تزامن هذا الحادث القاتل مع حادث آخر ( خلال نفس اليوم) وتمثل في قَتْل الشرطة شابًّا آخر على دراجة نارية كذلك، كما توفي طالب جامعي يبلغ من العمر 21 عامًا في جاكرتا يوم الجمعة 29 آب/أغسطس 2025، خلال هجوم عنيف للشرطة، وكانت هذه الوفيّات الناجمة عن عُنف الشرطة، والتي بلغت ستة قَتْلى حتى يوم الجمعة 29/08/2025، سببًا في أضرام المتظاهرين النار في مباني البرلمان الإقليمي في ثلاث مقاطعات، وفقا لوكالة رويترز بتاريخ السبت 30 آب/أغسطس 2025، نقلا عن معهد جاكرتا للمساعدة القانونية وعن وسائل إعلام محلية...
كانت احتجاجات آب/أغسطس الأكبر والأكثر عنفًا خلال رئاسة سوبيانتو التي بدأت في تشرين الأول/اكتوبر 2024، واضطر الرئيس إلى إلغاء رحلة مقررة إلى الصين، حيث كان سيشارك في عرض عسكري لإحياء ذكرى أخرى لنهاية الحرب العالمية الثانية، واضطر يوم 31 آب/أغسطس 2025، برفقة زعماء ثمانية أحزاب سياسية إندونيسية، في مؤتمر صحفي متلفز في جاكرتا إلى إعلان إلغاء بدل السكن وتعليق السفر إلى الخارج لأعضاء البرلمان، لكنه أعلن إنه أمر الجيش والشرطة باتخاذ "إجراءات حازمة ردًا على أعمال الحرق والنهب"، واتّهم المتظاهرين "بالإرهاب وخيانة الوطن ومحاولة زعزعة استقرار البلاد"، متجاهلًا السبب الحقيقي للمظاهرات، لأن "الناس يتظاهرون للتعبير عن مخاوفهم بشأن سياسات الحكومة الإشكالية"، وفق المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في إندونيسيا.، ونضبت الشرطة، يوم الأول من أيلول/سبتمبر 2025، نقاط تفتيش في أنحاء العاصمة جاكرتا، وقامت بدوريات في جميع أنحاء المدينة، وألغى الطلاب الإندونيسيون والمتظاهرون الآخرون احتجاجاتهم "حتى يهدأ الوضع"، مشيرين إلى مخاوفهم من انتقام الحكومة، في حين لا يزال السكان يشعرون بالإحباط من غياب التغيير ومن القمع الوحشي الذي شنته الحكومة على الاحتجاجات الأخيرة، فالغضب الشعبي مدفوع بالمشاكل الاقتصادية طويلة الأمد، وقد تتكرّر الإحتجاجات في غياب الحلول التي تستجيب لمطالب المواطنين.

ظروف ومناخ الإحتجاجات
انطلقت الإحتجاجات المناهضة لسياسات الحكومة منذ بداية العام 2025 - قبل قرار نواب البرلمان مُضاعفة دَخْلِهم الشّهري - بسبب اتّساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكان قرار البرلمان استفزازيا، إذ قرروا زيادة دخلهم الشهري ليصل إلى أكثر من ستة آلاف دولارا، فيما لا يتجاوز الراتب الشهري للعمال ما يُعادل 200 دولارا، بنهاية شهر آذار/مارس 2025، ويبلغ معدّل البطالة 15%، وخصوصًا بين الشباب، وهو الأعلى في جنوب شرق آسيا...
ركّزت شعارات النقابات العُمّالية، صباح يوم الثامن والعشرين من آب/أغسطس 2025، أمام مبنى البرلمان، على مطالب زيادة الأجور وإصلاح منظومة الضرائب وعلى ضرورة إلزام أرباب العمل باحترام قوانين العمل السارية، على سُوئها، فيما تركزت شعارات الطّلبة على إلغاء بدلات السكن الجديدة للسياسيين وحل البرلمان، وأدّى التّدخّل العنيف للشرطة إلى وفاة عَفّان كورنياوان، سائق سيارة أجرة لدى شركة توصيل دراجات نارية/سيارات أجرة عبر الإنترنت ( منصّة Gojek )، وأُصيب سائق آخر بكسر في ساقه، وحَضَر جنازة السّائق المقتول المئات من سائقي الدراجات النارية لشركة غوجيك ( منصّة Gojek )، مُرْتَدِين أزياء عملهم الخضراء، وسبق أن تظاهر هؤلاء العُمال المُهَمَّشُون يوم العشرين من أيار/مايو 2025 في شوارع 18 مدينة بالبلاد من أجل تحسين دَخْلهم،إذ قد يصل عدد ساعات العمل إلى 18 ساعة يوميا، مما يُسبّب إرهاقًا شديدًا، مقابل دخل ضعيف أنهكته الضّرائب وزيادة الأسعار...
يُعتَبَرُ الرئيس الحالي، الجنرال برابوو سوبيانتو ( وزير دفاع الحكومة السابقة) من خرّيجي المدرسة الأمريكية التي أشرفت على انقلاب ومجازر 1965، وتنصيب محمد سوهارتو على جماجم حوالي مليون ضحية للقمع، من بينهم نحو نصف مليون شيوعي، وبعد موجة "الدّيمقراطية" و "حقوق الإنسان" التي روّجت لها الإمبريالية الأمريكية خلال فترة انهيار الإتحاد السوفييتي، عُزِلَ الجنرال برابوو سوبيانتو الذي كان واحدًا من أقوى جنرالات الجيش الإندونيسي، قبل حوالي ثلاثة عقود "لتورطه في اختفاء مناضلين طلابيين كانوا يُطالبون بالديمقراطية"، وعاد بعد ثلاثين عاما ليصبح رئيسا، وهو ينتمي إلى هذه الفئة من البورجوازية الإندونيسية التي تُمارس "الصّراع والوِحْدة"، حيث يتنافس مرشّحون لا خلاف بينهم بشأن نمط وطبيعة المجتمع، ثم يُدْمِجُ الفائزُ مُنافِسِيه في الإنتخابات ليُشكّلوا مَعًا ائتلافًا أو تحالفًا ضدّ الكادحين والفئات الشعبية، وهو ما حصل حيث عيَّنَ الفائزُ مُنافِسَه ابن الرئيس السابق جوكو ويدودو نائِبًا له، لأن الرئيس السّابق أفرج عن الرئيس الحالي وعيّنه وزيرا للدّفاع ودعمه لكي يُصبح حاكم العاصمة جاكرتا...
انطلقت المُظاهرات الأخيرة والتي سبِقَتْها في هذا المناخ من التفاوت المُجْحِف والفساد والمَحْسُوبية وتدهور وضع العاملين والأُجَراء وارتفاع نسبة البطالة والعمل الهَشّ، ولذالك، رفض الناس الإنصياع رغم القمع وظهرت شعارات مكتوبة على الجدران تَصِفُ الرئيس الحالي "بمبونوه" أي القاتل، وتعدّدت المسيرات والإحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، منذ الرّبع الأخير من سنة 2024، وهاجم المتظاهرون مباني شرطة تم اختيارها بعناية، ومن بينها مقرّ شرطة كبير في شرق جاكرتا ومقرّ لواء النخبة المتنقل (بريموب) التابع لشرطة جاكرتا، وهي الوحدة التي قتلت المتظاهرين، وامتدت الاحتجاجات إلى مدن رئيسية أخرى، منها باندونغ في جاوة الغربية، وسيمارانج في جاوة الوسطى، وسورابايا في جاوة الشرقية، وميدان في شمال سومطرة، وحاصر المتظاهرون مقر الشرطة الإقليمية في يوجياكارتا لمدة خمس ساعات، أُضْرِمَت النيران في عدة سيارات حكومية، ومركز خدمات شرطة، ونقطة مرور، واشتعلت النيران يوم الثلاثين من آب/أغسطس في مبانٍ ضخمة تضمّ البرلمان الإقليمي ومجلس المدينة في ماكاسار، سولاويزي، كما تم إحراق مباني البرلمانات المحلية في سولو، مسقط رأس الرئيس السابق جوكوي، ومناطق أخر، وتم إحراق المقرّ الرسمي لنائب الحاكم في جامبي، وأضرم المتظاهرون النار في البرلمان الإقليمي الضخم في ماراتارام، وارتفع عدد مقرات الشرطة التي تعرضت للهجمات والحرق من قِبَل المتظاهرين، بعد رَفْضِ قائد شرطة البلاد وقائد الجيش، خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثين من آب/أغسطس 2025، الإعتذار عن عنف الدولة القاتل، وألْقيا باللّوم على "الفوْضَوِيِّين الذين يضرُّون بالمصلحة العامّة"، غير إن استمرار الإحتجاجات رغم القمع، فضلا عن زيادة عدد المتظاهرين كل يوم، أدّى إلى إعلان الرئيس بروبوو إلغاء زيادة رواتب البرلمانيين، لكنه أعلن أن الاحتجاجات قد تُعتبر "خيانة وإرهابًا"، وأمر بنشر ثلاث دوريات متنقلة مُشكّلة حديثًا في العاصمة جاكرتا، تضم مئات من رجال الشرطة المدججين بالسلاح، وأمر قائد شرطة البلاد ضباطه بإطلاق الرصاص المطاطي على أي شخص يدخل مقر بريموب، وأوقفت جامعة إندونيسيا جميع الفصول الدراسية الحضورية، واستبدلتها بفصول دراسية عبر الإنترنت لمدة أسبوع على الأقل، لكن استمرت الإحتجاجات في أنحاء عديدة من الأرخبيل...
تميزت تصريحات كبار المسؤولين الحكوميين الإندونيسيين بالفَظاظة والرُّعونة واحتقار معظم فئات الشعب، وردًّا على دعوة الطلاب إلى حل البرلمان، وصف أحمد سهروني، العضو المؤثر في البرلمان، هذا الرأي بأنه "عقلية حمقاء... هذا النوع من الناس هو أغبى البشر في العالم"، وكرّر مثل هذه التصريحات المُستفِزّة في مناسبات عديدة، ولذلك اقتحم مئات الغاضبين منزله الخاص، أثناء غيابه في سنغافورة، ونهبوه بينما وقف الجنود يتوسلون إلى الناس ألا يحرقوا المنزل. وشاهد الجيش الناس وهم يسرقون حوض الاستحمام والثلاجة والغسالة والأثاث وحقائب اليد والساعات الفاخرة، ورمى المتظاهرون الدولارات والروبيات المسروقة في الهواء ليتقاسمها الجميع، كما تعرّض منزل وزير المالية لسرقة جميع محتواته...

خاتمة
أسفرت الإحتجاجات، حتى نهاية شهر آب/أغسطس 2025، عن ستة قتلى ( حسب ما أُعْلِنَ) وأكثر من 500 جريح، لا يزال العشرات منهم في المستشفيات، يوم الثاني من أيلول/سبتمبر 2025)، وفقاً لمنظمة مسعفي الشوارع، وتجري النقابات وبعض المنظمات والأحزاب مفاوضات لإطلاق سراح أكثر من 600 معتقل ومعاقبة أفراد الشرطة المتورطين في مقتل السائق عَفّان.
من جانبها، أعلنت الحكومة ( أي الرئيس ونائبه) إصلاحات سياسية طفيفة لا تُؤثر بالإيجاب على حياة الفقراء، كما تم اتخاذ إجراءات قمعية جديدة. وحذر بروبوو من أن الاحتجاجات قد تُعتبر "خيانة وإرهابًا". وتجوب جاكرتا الآن ثلاث دوريات متنقلة مُشكّلة حديثًا، تضم مئات من رجال الشرطة المدججين بالسلاح. وأمر قائد شرطة البلاد ضباطه بإطلاق الرصاص المطاطي على أي شخص يدخل مقر بريموب. وأوقفت جامعة إندونيسيا جميع الفصول الدراسية الحضورية، واستبدلتها بفصول دراسية عبر الإنترنت لمدة أسبوع على الأقل. وفي الوقت نفسه، تشير التقارير الأولية إلى استمرار اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء الأرخبيل.
أسْفَرت الإحتجاجات كذلك عن إلغاء مخصصات النواب، بعد إحراق عدد من المباني الحكومية (كرمز للسلطة السياسية) وقَتْلِ الشرطة ست متظاهرين واعتقال حوالي 3200 شخص، ولا يزال خطر المزيد من القمع قائمًا، وانطلقت الإحتجاجات بعد إقرار بدل سكن شهري قدره ثلاثة آلاف دولار أمريكي لفائدة نواب البرلمان، وهو ما يفوق دخل المواطنين العاديين بعشرات المرات، واضطر الرئيس برابوو سوبيانتو إلى إلغاء هذه المخصصات المُستفزة لمشاعر السّكّان، وذلك تحت ضغط المظاهرات، كما هدد بتطبيق قانون "الخيانة العظمى" إذا استمرت الاحتجاجات.
كانت الإحتجاجات الأخيرة في الشوارع مُؤَشِّرًا على انهيار حاجز الخوف من القَمع المُسلّط على المواطنين المُهَمَّشين (مثل سائقي سيارات ودراجات منصّة أوجيك)، ومؤشِّرًا على خوف البرجوازية والبيروقراطية العسكرية والبوليسية، حيث ألغى الرئيس برابوو رحلته إلى بكين لحضور قمة لقادة الدول المعارضة لإجراءات الإمبريالية الأمريكية، بشأن زيادة الرسوم الجمركية، وتوعّدَ بِرَدٍّ حازمٍ على "أعمال الفوضى وتدمير المرافق العامة ونهب الممتلكات العامة والخاصة"، مما يُؤشّر على استمرار عنف الدّولة في مواجهة مطالب الكادحين والمُهمّشين والفقراء...
رغم الحُكم العسكري الذي دعمته الإمبريالية الأمريكية، إثر مجازر 1965، ورغم القمع، لا تزال الذّاكرة الجماعية الشعبية تَذْكُرُ الإصلاحات التي أقرّها الرئيس أحمد سوكارنو ( الذي أطاحت به الإمبريالية الأمريكية بانقلاب عسكري قاده محمد سوهارتو )، بدفْع من الحزب الشيوعي الإندونيسي – أكبر حزب شيوعي في العالم، بعد الحزبَيْن السوفييتي والصيني – الذي اشترط مُساندته النّقدية للحكومة بتحقيق الإصلاح الزراعي وإقرار قوانين لصالح الطبقة العاملة، وغرس الحزب روح مقاومة الظُّلْم والإستغلال والإضطهاد في أوساط جماهير المدن والأرياف، ورغم مرور ستة عقود والواقع الجديد المُخْتلف لا تزال الفئات الشعبية وفِيّةً لهذه المبادئ...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصهيونية واليمين المتطرف في أوروبا – نموذج السُّوَيْد
- دَور الإستخبارات و-الذّكاء الإصطناعي- في توجيه الرأي العام
- أوروبا، عَسْكَرَة الحياة المَدَنِيّة
- مُتابعات – العدد التاسع والثلاثون بعد المائة بتاريخ الثّلاثي ...
- من -التّأثيرات الجانبية- لزيادة الرّسوم الجمركية الأمريكية
- خصومات في الصّف المُقابل، بين فرنسا والولايات المتحدة
- هل الفن مُحايد؟ - نموذج فرقة نيكاب الموسيقية الإيرلندية
- عبد العزير المنبهي 15/02/1950 – 23/08/2025
- الصحة بين الوقاية وتحقيق الرّبح
- مُتابعات – العدد الثامن والثلاثون بعد المائة بتاريخ الثّالث ...
- عن اليسار الصهيوني
- الدّيمقراطية الأمريكية المُسلّحة
- الخليج: الولاء المُطْلَق للإمبريالية والإستغلال الفاحش للعما ...
- عيّنات من أحداث صيف 2025 الطاهر المعز
- الفقر في أوروبا: نماذج من فرنسا وألمانيا
- المغرب: حادث عَرَضِي أم محاولة اغتيال سيون أسيدون؟
- مُتابعات - العدد السابع والثلاثون بعد المائة بتاريخ السّادس ...
- صنع الله إبراهيم - شمعة أخرى تنطفئ
- الذّكرى الثلاثون للتطهير العرقي في البَلْقَان
- تونس – دفاعًا عن الإتحاد العام التونسي للشغل


المزيد.....




- بعد السعودية.. الإمارات تؤكد -وقوفها الكامل- بجانب مصر إثر ت ...
- انهيار أرضي يبتلع قرية في دارفور: أكثر من ألف شخص تحت الأنقا ...
- وسط انتقادات.. الداخلية الألمانية تعتزم زيادة عمليات الترحيل ...
- بسبب الرسوم الجمركية...88 شركة بريد في العالم تعلق خدماتها م ...
- هل ترسم قوات -الراغبين- الأوروبية منعطفا في حرب روسيا على أو ...
- حزب المعارضة الرئيسي بتركيا يعقد مؤتمرا استثنائيا الشهر الجا ...
- مسلح بساطور يواجه عددا من ضباط الشرطة داخل متجر -وول مارت-.. ...
- صربيا.. الشرطة تقمع مظاهرات حاشدة تطالب بإقالة الرئيس بالغاز ...
- إلهام شاهين وليلى علوي وإيناس الدغيدي يحتفين بعودة أنغام
- شرطة عُمان تعلن ضبط وتسليم متهم مطلوب للإمارات وتكشف ما فعله ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - إندونيسيا – احتجاجات وقَمع دَمَوِي