أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية بلا نهاية»















المزيد.....

عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية بلا نهاية»


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


عتبة الكتاب: بداية تتحدى الموت


حين يضع الكاتب الفلسطيني عامر عودة عنوانًا لمجموعته القصصية الجديدة بـ «بداية بلا نهاية»، فهو لا يختار مجرد استعارة لغوية، بل يطلق تحديًا وجوديًا في وجه قانون الأشياء: لكل بداية نهاية. عودة يقلب القاعدة، فيعلن أن بعض البدايات تولد كي تُقيم إلى الأبد، مثل الحب الذي يرفض أن ينطفئ، ومثل الكتابة التي لا تُستنزف، بل تتجدد كلما انفتحت على جرح جديد أو هاجس آخر.



العنوان هنا ليس زينة، بل بوابة. ومنذ الصفحات الأولى يصرّح الكاتب بوضوح: «بدونكِ، سيدتي، لا كتابة…»؛ جملة تصلح أن تكون بيانًا أدبيًا، إذ تعيد اللغة إلى حضن الإلهام، وتنقذها من برود السلعة ومن سطوة الصناعة النصية.

كسر القوالب: حين تتمرد القصة على الخاتمة


قصّة «بداية بلا نهاية» التي تختم المجموعة هي مفتاحها السري. فالحب فيها يُحرم من النهاية، والقصة نفسها تُحرم من قانونها الكلاسيكي: بداية – وسط – نهاية. هنا يتمرد النص على أرسطو وعلى البلاغة المدرسية معًا. وللمرة الأولى، تُحذف النهاية عن قصد، كي يظل النص في حالة فتح دائم. إنها ليست لعبة شكلية، بل رسالة أخلاقية: فليست كل خاتمة صدقًا، وأحيانًا يكون الصدق في الإبقاء على الباب مشرعًا.

القلق اليومي: البطولة لمن لا ينام


في نصوص عودة، ليست البطولة لمن يرفع السيوف، بل لمن يواجه هواجسه. في «رعود وزلازل» يقف أب مذعور أمام أصوات الطبيعة، فيأتيه الخلاص من جملة ابنه البسيطة: «لا تخف يا أبي، الرعد لا يؤذي». الجملة الصغيرة تُنقذ رجلًا من انهيار داخلي.

وفي «زائر ليلي» يتجسد القلق في صورة كائن يجلس على الصدر ويهمس: «كيف تنام وابنك لم يعد بعد؟». هنا تتحول الهواجس إلى شخصيات، وتصبح القصة مختبرًا لتجسيد ما لا يُرى.



هذه القصص القصيرة لا تتكئ على عقدة خارجية أو حدث جلل، بل تستثمر في التفاصيل الخفية، في اللحظة التي يخترع فيها الخوف ألف سيناريو. وهنا تكمن قوة النص: نقل الرعب من الخارج إلى الداخل، من الكارثة الملموسة إلى الكارثة المتخيلة.

نقد المؤسسات: المدرسة، الشرطة، الإعلام


يتجاوز الكاتب فضاء الفرد إلى الفضاء العام، حيث تتكشف أزمات المؤسسات:

في المدرسة: طفل يحل مسائل الجمع ذهنيًا بعبقرية، لكن المعلّمة تُصرّ على الأعمدة واللوح، لتكشف القصة عن الهوة بين ذكاء الفطرة وجمود المناهج.

في مركز الشرطة: قاعة انتظار مكتظة بالمتظلمين، امرأة مهددة بالقتل، رجال محبطون، كاميرات مراقبة عاجزة عن قول الحقيقة. المكان يفضح اهتزاز الثقة بين المواطن وجهاز يُفترض أن يحميه.

في الإذاعة: نقد لاذع لضجيج البثّ المحلي، حيث الأغاني الهابطة والبرامج الفارغة تغطي على العنف والبطالة بلا أي تحليل حقيقي. الإعلام يتحول من منارة إلى ضوضاء، من رسالة إلى ستار دخان.



بهذا يضع عودة إصبعه على جرح الحياة العامة: المؤسسات التي ينبغي أن تمنح الأمان، كثيرًا ما تزرع القلق بدل أن تزيله.

جائحة الهواجس: التاريخ ككابوس جماعي


من أبرز نصوص الكتاب «جائحة الهواجس»، حيث يقتحم التاريخ السرد. الحجر الصحي، المكالمات الهاتفية، الخوف من العدوى، كلها ملامح قريبة في الذاكرة. لكن الكاتب لا يكتفي بالوصف، بل يكشف أن الخوف نفسه صار وباءً، أخطر من الفيروس ذاته.

هذا النص يتناص بذكاء مع رواية العمى لساراماغو، حيث لا يُصيب الوباء الأجساد وحدها، بل يعرّي هشاشة الروح الإنسانية أمام الذعر. هنا تتحول القصة القصيرة إلى مرآة كونية، تُحاور الأدب العالمي من قلب التجربة الفلسطينية.

الشعر والعلم: ثنائية الجمال والصرامة


في لقاء «معلّمة اللغة العربية وأستاذ العلوم» نسمع جملة تختصر المعركة: «الطبيعة تكون أجمل لو لم تمسّها يد إنسان». هنا يتقاطع صوت الشعر الذي يقدس الفطرة مع صوت العلم الذي يبرر التعمير. لا يُحسم الخلاف، بل يظل مفتوحًا كجدلية أزلية: بين الرهافة والدقة، بين العاطفة والمعادلة. عودة يمنح النص طابعًا حواريًا يذكّرنا بأن الأدب ليس محكمة تصدر الأحكام، بل مائدة يُدار فوقها النقاش.

الأسلوب: بساطة تخترق العمق


ما يميّز نصوص هذه المجموعة أنّها مكتوبة بلغة مشهدية، جُمل قصيرة، واضحة، لا تحتاج إلى معجم ولا إلى تكلّف. لكنها رغم بساطتها لا تقع في فخ السطحية، بل تنفذ مباشرة إلى العمق. إنها لغة تصلح للقراءة على مقعد الدراسة كما تصلح للنشر في صحيفة مرموقة، لأنها لغة صادقة، لا تتزيّن بما لا يلزم، ولا تتخفى خلف الأقنعة.

المكانة الأدبية: عامر عودة في المشهد الفلسطيني والعربي


عامر عودة ليس مجرد قاصّ يكتب عن تفاصيل يومه، بل هو صوت ينتمي إلى التيار الفلسطيني الذي يصرّ على أن يجعل من الأدب مساحة مقاومة للغياب. نصوصه ليست صرخات سياسية مباشرة، لكنها مشبعة بالوعي الجمعي: قلق الأب ليس معزولًا عن قلق الوطن، وانكسار الثقة بالمؤسسات ليس سوى صورة مصغّرة لانكسار أوسع مع بنية السلطة، والذاكرة الفردية حين تواجه الجائحة أو الهواجس تصبح مرآة لذاكرة شعب يعيش على حافة التهديد الدائم.



بهذا المعنى، يقف عودة على خط التماس بين الأدب اليومي والأدب المقاوم. إنّه يكتب عن الرعد، عن الطفل، عن الانتظار، عن مكالمة هاتفية، لكنه في العمق يكتب عن معنى البقاء ذاته في بيئة مشبعة بالخوف والعطب. لغته البسيطة تجعله قريبًا من القارئ العام، بينما عمق إشاراته الفكرية وتناصاته الثقافية (من ابن سهل الأندلسي إلى ساراماغو) تجعله حاضرًا في النقاش النقدي الأوسع.



من هنا يمكن القول إن «بداية بلا نهاية» تضع عامر عودة في موقع متقدّم بين كتّاب القصة الفلسطينية المعاصرة الذين اختاروا أن يُزاوجوا بين التجربة الحياتية الحميمة والوعي النقدي للمؤسسات والواقع الجماعي. وهو موقع يرشحه لأن يُقرأ لا فقط داخل حدود فلسطين، بل في الفضاء العربي الأوسع، حيث يحتاج الأدب اليوم إلى أصوات تكشف أنّ القصة القصيرة قادرة على أن تكون مرآة إنسانية عابرة للحدود، دون أن تفقد جذورها المحلية.

خلاصة: الكتابة كجرح مفتوح


«بداية بلا نهاية» ليس كتابًا يُغلق ملفاته، بل كتاب يصرّ على ترك الجرح مفتوحًا، لأن في الجرح حياة. هو أدب يضع الإصبع على الألم الفردي والجماعي، لكنه لا يفعل ذلك لليأس، بل لإضاءة الطريق.



إنه أدب يرفض أن يكون خاتمة، ويصر أن يبقى بداية، بداية تُكتب كل يوم، مع كل خوف جديد، وكل حلم جديد، وكل سؤال لم يُجب بعد. بهذا يثبت عامر عودة أنّ القصة القصيرة ليست حكاية تُروى ثم تُطوى، بل هي شكل حياة، وموقف من الوجود



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة تحليلية أكاديمية في كتاب -إبليس في التحليل النفسي- لسي ...
- أمي، هل تخبرينا عن الحياة في السماء؟
- دمعة وابتسامة… سرّ إنسانيتنا
- الأصدقاء… صدى الغياب
- الذاكرة العاطفية… حين يتذكّر القلب ما ينساه العقل بين فرويد ...
- مرايا الروح والجروح
- خيبات
- قراءة ادبية في نص الشاعرة رانية مرجية ألوان الروح القدس ، بق ...
- قراءة أدبية في قصة ” حين مات الإنسان … وأوفى الكلب : وصمة عا ...
- لا يموتون… بل ينبتون
- يا أبيضّ يا أسود
- هل يموتُ الموتُ يومًا؟
- ورقة بيضاء
- “غزة… أسطورة الشهداء التي لا تنطفئ”
- مقدمة لكتابي جدلية الروح والكلمة.
- شمس المعارف: بين وهج الروح وخطر السحر
- حين يختبئ الحلم خلف جناح عصفور
- سجاير
- تجدّد الروح… حين يتحوّل الألم إلى قيامة
- في الطريق إلى الجنة –


المزيد.....




- في احتفال بقاعة صاحب حداد الإعلان عن نتائج منافسة الأفلام ال ...
- صناع أفلام عالميين-أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ ...
- -بيت العبيد- بالسنغال ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي
- وزير الثقافة يفتتح معرضا للفن التشكيلي وجدارية أيقونة القدس ...
- -شومان- تعلن الفائزين بجائزة أدب الأطفال لعام 2025
- موغلا التركية.. انتشال -كنوز- أثرية من حطام سفينة عثمانية
- مريم أبو دقة.. مناضلة المخيمات التي جعلت من المسرح سلاحا للم ...
- هوليود تكتشف كنز أفلام ألعاب الفيديو.. لماذا يعشقها الجيل -ز ...
- الموسيقي نبيل قسيس يعلم السويديين والعرب آلة القانون


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية بلا نهاية»