رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 08:28
المحور:
الادب والفن
لم تكن ليان تعرف أن صباحًا عاديًا يمكن أن يحمل انقلابًا في روحها.
كانت تخطو مسرعة نحو عملها، تتفادى برك المطر، وعيناها غارقتان في شاشة الهاتف، حين دوّى صوت ارتطام معدني بالأرض، أعقبه صرير عجلات. رفعت رأسها، فإذا بشاب على كرسي متحرك يحاول صعود منحدر صغير، فيما تناثرت أوراقه في الوحل، والمطر يلطّخ يديه وعجلاته.
انحنت تجمع الأوراق واحدة تلو الأخرى، ثم ناولته إياها بابتسامة. شكرها بصوت هادئ، غير أن عينيه كانتا تشعّان بوميض عناد لا تخطئه العين. جلست بجانبه على الرصيف وسألته إن كان يحتاج أن تدفع كرسيه. ابتسم قائلاً:
“لسنا بحاجة لمن يحملنا… فقط سيروا معنا، واجعلوا الطريق يسعنا كما يسعكم.”
كانت جملة قصيرة، لكنها اخترقت قلبها كالسهم، فصارت ترى ما كانت تغفل عنه: الأرصفة المكسورة، السلالم بلا منحدرات، الأبواب الضيقة التي تمنع مرور العكازات، والعيون التي تلتفت فضولاً أو شفقة.
بعد أسابيع، وفي ساحة عامة، سمعت صوته من جديد. كان وسط دائرة من الأطفال، يحكي لهم حكاية “عصفور مكسور الجناح” تعلّم الطيران بطريقة مختلفة. وحين انتهت القصة، ضجّت الساحة بتصفيق صغير أيقظ دفئًا في قلبها.
اقتربت منه، وقدّمت له كوب قهوة ساخن، وسألته إن كان يفكر بنشر قصصه. ابتسم قائلاً:
“هذه ليست قصتي، أنا أكتبها لصديق عاشها.”
وأشار بيده نحو طرف الساحة، حيث كان يقف رجل طويل القامة، أنيق، يستند إلى عكازين خشبيين، ووجهه مغطى بضمادة بيضاء على عين واحدة. اقترب الرجل بخطوات واثقة، وحين صار أمامها، قال بصوت متين:
“أنا العصفور الذي حدثك عنه… لكن جناحي لم يكن الجسد، بل كان الأمان. وحين فقدته، تعلمت الطيران من جديد.”
تجمدت ليان، فقد كان هذا الرجل والدها الذي اختفى منذ خمسة عشر عامًا، تاركًا وراءه طفلة تبحث عنه في ملامح الغرباء.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟