|
تقييم صفقة الغاز المصرية،،
حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 10:20
المحور:
الفساد الإداري والمالي
في أغسطس 2025، أُعلن عن واحدة من أضخم صفقات الطاقة في تاريخ المنطقة: اتفاق لتوريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل "ليفياثان" الإسرائيلي إلى مصر، بقيمة تقارب 35 مليار دولار، ممتدة حتى عام 2040. هذه الصفقة، التي وُصفت إسرائيليًا بأنها "إنجاز تاريخي"، تثير في المقابل تساؤلات اقتصادية وسياسية وأخلاقية، خاصة في ظل حرب غزة وتزايد اعتماد القاهرة على واردات الغاز من العدو الصهيوني. والمؤسف أن بعض الأصوات – بدعوى الحياد وتحت غطاء "الصحافة الاستقصائية" – حاولت تسويق خطاب يوحي بأن الصفقة ممتازة للغاية لمصر، وأنها ستعود عليها بمنافع لا حصر لها. لكن، بقليل من الجهد، يتضح عدم دقة هذه الادعاءات، حتى عند دراستها بالمنهج الاستقصائي المزعوم.
أولاً: موقع حقل ليفياثان
تم اكتشاف حقل ليفياثان عام 2010 في شرق البحر المتوسط، وتقدَّر احتياطاته بنحو 620 مليار متر مكعب من الغاز، ليصبح أحد أكبر الحقول في المنطقة. يبعد الحقل حوالي 130 كم عن ساحل حيفا المحتلة، وحوالي 150 كم فقط من سواحل دمياط المصرية، وهي مسافة قريبة بالنظر لطبيعة المياه العميقة. لكن المسافة وحدها لا تحدد السيادة، إذ تحكم هذه المسألة قواعد "المياه الاقتصادية الخالصة" والتى تمتد حتى 200 ميل بحري وتمنح الدولة حق استغلال الموارد داخلها. رسميًا، الحقل يقع خارج الحدود البحرية المصرية، لكن السؤال الأهم: هل هذه الحدود صحيحة وعادلة؟ الإجابة تحتاج إلى مراجعة دقيقة لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية، وخاصة اتفاقية مصر مع قبرص عام 2003. ففي 17 فبراير 2003، وقَّعت مصر وقبرص اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبالتزامن مع بدايات الحديث عن ثروات الغاز في شرق المتوسط. لكن المثير أن هذه الاتفاقية لم تُعرض على البرلمان المصري فى ذلك الوقت ، ورفضت دول مثل تركيا الاعتراف بها، ووصفتها بأنها مجحفة. ويرى بعض الخبراء أن الاتفاقية تخلت عن مناطق غنية بالغاز كانت من حق مصر، بما فيها الموقع الذي يقع فيه حقل" ليفياثان "
الأمر تطور لاحقًا، ففي 2010 وقَّعت قبرص وإسرائيل اتفاقية لترسيم الحدود بينهما، معتمدة على الخط القبرصي–المصري، ما أتاح لإسرائيل ضم الحقل إلى مياهها الاقتصادية. بمعنى أوضح: الحقل لم يكن إسرائيليًا بالضرورة، لكنه أصبح كذلك بفعل تنازلات سياسية أو سوء تفاوض مصري، واليوم تستغل إسرائيل الحقل بالكامل، وتُصدّر جزءًا كبيرًا من إنتاجه عبر مصر من خلال محطات تسييل دمياط وإدكو، ليُباع لاحقًا لأوروبا. أما عن الصفقة الأخيرة، فقيمتها بين 33 و35 مليار دولار، حولت مصر من مالك محتمل للحقل إلى ممر ومشترٍ جزئي، بينما يبحث المواطن عن أنبوبة غاز بأسعار معقولة في ظل أزمة ديون وتآكل موارد الطاقة.
ثانياً: تفاصيل الصفقة
الكمية: 130 مليار متر مكعب على مرحلتين:
المرحلة الأولى: 20 مليار م³ بدءًا من 2026.
المرحلة الثانية: 110 مليارات م³ بعد توسعة البنية التحتية وبناء خط أنابيب عبر معبر نيتسانا.
القيمة: نحو 35 مليار دولار حتى 2040، تُسدد وفق جداول زمنية، مع حصول إسرائيل على أرباح إضافية (عمولات) لوقوع الحقل في مياهها الإقليمية.
الأطراف: شركة نيومد إنرجي (إسرائيلية – تملك 45.3٪ من الحقل) وشركة بلو أوشن إنرجي (مصرية)، إضافة إلى شركتي شيفرون الأمريكية وRatio الإسرائيلية.
ثالثاً: السياق الاقتصادي
قبل سنوات قليلة، كانت مصر دولة مصدرة للغاز، لكن منذ 2024 أصبحت مستوردًا صافيًا نتيجة تراجع الإنتاج المحلي وزيادة الاستهلاك. بعض المصادر تقول إن الصفقة أقل تكلفة بنسبة 50٪ من استيراد الغاز المسال (LNG)، بينما تشير أخرى إلى أن السعر الجديد أعلى بنسبة 14–15٪ من اتفاق 2019 لاستيراد نفس الغاز من إسرائيل.
ورغم أن السعر الحالي قد يمنح ميزة نسبية على المدى القصير، فإن الارتباط بعقد طويل الأمد (15 عامًا) قد يصبح عبئًا إذا انخفضت الأسعار العالمية، إضافة إلى أن تكلفة البنية التحتية وخط الأنابيب الجديد قد يتحملها المستهلك المصري.
رابعاً: البعد السياسي والاستراتيجي
هذه الصفقة تجعل إسرائيل المورد الرئيسي لواردات مصر من الغاز، وهو ما يمنحها ورقة ضغط استراتيجية في أي مواجهة مستقبلية. ويزداد الأمر خطورة مع اعتماد مصر شبه الكامل على إثيوبيا كمصدر للمياه العذبة بعد اكتمال سد النهضة. وفي يونيو 2025، توقفت إمدادات الغاز الإسرائيلية لمصر بسبب الحرب مع إيران، ما يوضح هشاشة الاعتماد على مورد واحد لأي سلعة استراتيجية.
لكن هناك بُعد أخلاقي أشد وطأة: إبرام الصفقة في ظل حرب الإبادة على غزة يبعث برسالة سلبية، إذ يراها كثيرون دعمًا اقتصاديًا لاقتصاد العدو في ذروة عدوانه على المدنيين، ويحول دون قيام مصر بدورها العربي والإسلامي الطبيعي.
خامساً: المكاسب والخسائر
المستفيدون:
شركات الطاقة الإسرائيلية وشركاؤها الدوليون.
قطاع الكهرباء والصناعة في مصر على المدى القصير.
الحكومة المصرية بتقليل فاتورة استيراد الغاز المسال.
الخاسرون:
الاستقلالية الاستراتيجية لمصر في مجال الطاقة.
الصناعات المحلية إذا ارتفعت الأسعار أو توقفت الإمدادات.
صورة مصر الإقليمية، إذ يُنظر للصفقة باعتبارها اعتمادًا على غاز مسروق من شعب تحت الاحتلال.
سادساً: الخلاصة الاستقصائية
الصفقة توفر وفورات مقارنة بالغاز المسال، لكنها تربط مصر بسعر قد يصبح غير تنافسي.
سياسيًا، تعزز الاعتماد شبه الكامل على إسرائيل.
أمنيًا، لا تضمن استقرار الإمدادات في حالات الحرب أو الأزمات.
أخلاقيًا، تتعارض مع المزاج الشعبي والعربي في ظل حرب غزة.
شفافية القرار غائبة تمامًا، إذ لم يُطرح العقد للنقاش العام أو البرلماني.
ويمكن القول بأن صفقة الغاز المصرية–الإسرائيلية قد تمنح مكاسب اقتصادية فوريةلمصر ، لكنها تفتح الباب أمام مخاطر استراتيجية وسياسية وأخلاقية ثقيلة الكلفة.
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا يسقط بالتقادم !
-
أين جماعة أهل السنة فى لبنان!؟
-
له خوار !!
-
المعادلة الصعبة فى لبنان!؟
-
نزع السلاح ،هو الحل
-
ذكرى شهداء حفر قناة السويس!!
-
شرف الخصومة !؟
-
فليتعلم الفنانون العرب من فانيسا !!
-
تكرار المهزلة، مهزلة !؟
-
تل الزعتر
-
خراب العالم !!
-
معارك وهمية !!
-
المعارك الآمنة للنخب المصرية!!
-
الطريق الأوحد للخلاص؟
-
جذور العروبة فى مصر،،
-
الهوية المصرية !!
-
الإبادة مشروع معلن على الملأ!!
-
الزاوية الأخرى !!
-
ثورة 23 يوليو المصرية، بين التحرر والتقهقر !
-
التجويع والتصهين !؟
المزيد.....
-
حياة الفهد في المستشفى.. إليكم ما نعلمه عن حالتها الصحيّة
-
تحذير عاجل من دمى لابوبو مزيفة خطيرة.. وكيف تكتشف أنها مزيفة
...
-
في نيبال.. 100 قمة بانتظارك مجانًا كبديل رائع لإيفرست
-
سوريا.. أحمد الشرع يثير تفاعلا بلقطات وتصريح بلقاء وفد من إد
...
-
الشرطة الإسرائيلية توقف شابًا من غزة عند حاجز قلنديا.. والجي
...
-
بعد تجميد استمر عقدين.. سموتريتش يصادق على أكبر مشروع استيطا
...
-
مناطق من أوروبا في أتون الحر والحرائق وإسبانيا تطلب مساعدة ا
...
-
الكويت: هلاك 13 شخصا وحالات عمى لأفراد من جنسيات آسيوية بسبب
...
-
باحثون ألمان يكشفون عن سبب محتمل لفشل علاج الورم الأرومي الع
...
-
ما المتوقع من لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا؟
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|