حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 17:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
احتلت قصة عبادة بني إسرائيل للعجل الذهبي مكانة بارزة في الكتب المقدسة، وتحديدًا في القرآن الكريم والتوراة، وذلك لما تحمله تلك القصة من دلالات عميقة عن ضعف النفس البشرية أمام الزيف اللامع، والانبهار القاتل بالمظاهر.
غير أن القرآن الكريم يختلف عن التوراة في تأصيل هذه القصة وتحديد المسؤول عنها. ففي حين تتهم التوراة نبي الله هارون، شقيق موسى، بأنه هو من قاد قومه إلى تلك الفتنة العظيمة، نجد أن القرآن الكريم يُبرئه تمامًا، ويضع اللوم على شخصية أخرى تُدعى "السامري".
يقول الله تعالى في سورة طه:
﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾
فقد استغل السامري غياب النبي موسى، وقام بجمع الذهب من القوم ـ بزعم أنه مال (حرام) أخذوه من مصر ـ ثم صنع منه عجلًا لامعًا مبهرًا يُصدر خُوارًا كصوت البقر، وأقنعهم أنه الإله، فوقعوا في شرك عظيم!
لكن المصيبة لم تكن فقط في وقوعهم في الكفر، بل في الطريقة المذهلة التي انجرف بها الناس وراء الوهم. لقد انبهروا بالبريق الذهبي، والصوت المصطنع، والحجم المُبهر، والأساطير التي نسجها السامري وأعوانه حول هذا التمثال.و تحولوا من أناس منَّ الله عليهم بالإيمان والحرية، إلى قطيع يُساق خلف الخرافة بلا وعي ولا بصيرة.
والعبرة هنا عظيمة. فعندما تنتكس فطرة الإنسان، ويألف قلبه الخرافة، ويتشرب الوهم، يُعطّل عقله، وينسى نفسه، ويخلف العهد الذي قطعه مع ربه. حينها يصبح الوهم إيمانه، والخرافة عقيدته، والتفاهة مَعْبُوده، ويقاتل دفاعًا عنها كأنها الحق المطلق، دون أن يدرك أنه غارق في الباطل حتى أذنيه.
وإذا كانت قصة العجل الذهبي قد وقعت في زمن سحيق، فإن رموزها تتكرر في كل عصر. ففي زمننا هذا، لا تزال العجول الذهبية تُصنع، ولا يزال "السامريون" الجدد ينفخون فيها الخُوار، فيغيب ملايين البشر عن وعيهم، ويعبدون ما لا يستحق العبادة، ويدافعون بضراوة عن الزيف، ويروجون للأباطيل، وكأن التاريخ يعيد نفسه فقط بوجوه وأسماء جديدة!
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟