أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن مدبولى - الهوية المصرية !!














المزيد.....

الهوية المصرية !!


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 19:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يروّج بعض المتعصبين من الأقباط، و المتعاطفين معهم في الداخل والخارج، لفكرة مفادها أن الأقباط هم "أصل المصريين" وأصحاب الأرض الشرعيون، في مقابل "الغزاة العرب المسلمين" الذين جاءوا من شبه الجزيرة العربية و"احتلوا" مصر!
وهذا الطرح، رغم ما يبدو عليه من دغدغة لعواطف الأقليات، ومحاولة لخلق سردية اسطورية تتشابه مع الأساطير اليهودية فى فلسطين ،
إلا أنه أيضا يتجاهل عمدًا حقائق التاريخ، ويشوّه الوقائع، بل ويحاول أن يصادر هوية مصر الحضارية والدينية الممتدة على مدار آلاف السنين.

هل المسيحيين أصل المصريين!؟

الحقيقة التي لا تقبل المزايدة، هي أن المصريين الأصليين هم أبناء الحضارة الفرعونية القديمة، التي امتدت قرابة ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وآمنت بآلهة متعددة كـ "رع" و"حورس" و"أوزيريس"، وتُعد من أعرق وأغنى الحضارات في التاريخ.
ولم تظهر المسيحية في مصر إلا بعد دخولها من الشمال الشرقي، وتحديدًا من فلسطين، عبر الإسكندرية، في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، على يد القديس "مرقس الإنجيلي"، ويُرجّح أن ذلك تم في حدود عام 61م، وليس 66 كما يشيع البعض، ولم تتمكن الدعوة سوى فى القرن الخامس الميلادى بدعم رومانى أجنبى، ثم خلال سنوات قليلة سقط كل ذلك عقب الفتح الاسلامى عام 641 ميلادية فكيف يدعى البعض انهم أصل المصريين!؟

في البداية، انتشرت الدعوة المسيحية بشكل محدود في أوساط الجاليات اليهودية القاطنة بالإسكندرية، ثم بدأت تتوسع ببطء وسط بعض الفئات من المصريين، لكنها بقيت أقلية دينية مضطهدة من قبل الإمبراطورية الرومانية الحاكمة آنذاك، التي كانت تنظر إلى المسيحيين باعتبارهم تهديدًا سياسيًا ودينيًا، فتعرضوا للاضطهاد والتعذيب في عهود الأباطرة مثل "نيرون" و"دقلديانوس"، وكان الأخير الأكثر دموية، حيث شهد عهده (284 – 305م) ما يُعرف بـ عصر الشهداء في المسيحية المصرية، وتم فيه قتل الآلاف من الأقباط.

لكن المثير في تطور الأحداث، أنه مع تحول الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين للدين الجديد عام 313م وإصداره "مرسوم ميلانو" الذي يضمن حرية العبادة، أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية، وبدأ المسيحيون في مصر يحظون بدعم السلطة الرومانية.
ومن هنا بدأ التحول من الضحية إلى الجلاد. فقد تحالف الكهنة الأقباط مع الرومان مقابل تثبيت نفوذهم، وقَبِلوا بدفع الجزية للمحتل البيزنطي مقابل السيطرة الدينية على المصريين.
وفي هذا الإطار، بدأ قمع المخالفين من أصحاب الديانات الأخرى، خصوصًا من تبقّى على ديانة المصريين القدماء، فهُدمت المعابد الفرعونية (المُعتبرة وثنية)، وتم قمع المتكلمين بالهيروغليفية، ومحاولة طمس اللغة القبطية نفسها لاحقًا لحساب اللغة اليونانية، لغة الكتاب المقدس والدولة الرومانية.

كما تصاعد القمع الطائفي ضد من لم يعتنق المسيحية، أو من اعتنق مذاهب مسيحية مغايرة. ومن أشهر حوادث القمع، ما وقع في القرن الخامس الميلادي حين جرى اغتيال الفيلسوفة والعالِمة الوثنية هيباتيا عام 415م على يد جماعة دينية متشددة محسوبة على الكنيسة في الإسكندرية.

ولعل أبرز شواهد القمع الديني الذي مارسته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يتمثل في اضطهادها لعلماء ولاهوتيي المسيحية أنفسهم ممن خالفوها فكريًا، مثل القس آريوس، الذي دعا إلى توحيد مطلق لله ونُفي واعتُبر زنديقًا، رغم أنه من أوائل مفكري الإسكندرية، ثم نسطور الذي اعتُبر "مهرطقًا" لأنه رأى أن للمسيح طبيعتين، فتم خلعه ونفيه إلى صعيد مصر.
هذه الوقائع تكشف أن اضطهاد الكنيسة لم يكن حكرًا على الوثنيين أو غير المسيحيين، بل طال حتى المسيحيين الذين اختلفوا معها مذهبيًا.

و بحلول القرن السابع الميلادي، كانت مصر ترزح تحت وطأة الحكم البيزنطي الذي أعاد اضطهاد الأقباط أنفسهم بسبب تمسكهم بالمذهب "القبطي الأرثوذكسي" الرافض لقرارات مجمع خلقيدونية عام 451م، والتي فرضت المذهب الملكاني الموالي لروما.
فكان الأقباط الأرثوذكس محرومين من كثير من المناصب، ومُعرضين لبطش سلطة دينية غريبة عنهم.
وحين دخل عمرو بن العاص مصر عام 641م على رأس جيش الفتح الإسلامي، لم يلق مقاومة تُذكر من عامة الشعب، بل استقبله المصريون (ومن بينهم عدد من الأقباط) بوصفه محرِّرًا لا غازيًا، وقد كان ذلك ضمن ما يعرف بـ العهدة العمرية التي ضمنت حرية العقيدة للأقباط وحقوقهم الدينية والاجتماعية، مقابل دفع جزية رمزية.

وتشير الوثائق التاريخية أن الجزية التي فرضها المسلمون على الأقباط لم تكن سوى دينارين سنويًا للفرد القادر، وهي مبلغ ضئيل جدًا مقارنة بما كانت تفرضه الإمبراطورية البيزنطية، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى أربعين ضعفًا، بحسب ما أورده المقريزي وغيره من المؤرخين المسلمين والمسيحيين على السواء.

خلاصة القول:

الأقباط ليسوا "أصل مصر"، بل هم أحد مكونات الشعب المصري الذين اعتنقوا المسيحية في حقبة متأخرة.

لا يملك أحد الحق في احتكار الهوية المصرية أو نفي الآخر منها.

الفتح الإسلامي لم يكن غزوًا، بل جاء لإنهاء احتلال روماني دام لقرون، وحرر الأقباط من بطشه، وضمن لهم حرية عقيدتهم لأول مرة.

الحديث عن "عودة العرب إلى الجزيرة" ليس سوى خطاب عنصري مريض، يتجاهل أن العرب والمسلمين أصبحوا المكون الأكبر والأهم من مكونات النسيج المصرى منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا.



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبادة مشروع معلن على الملأ!!
- الزاوية الأخرى !!
- ثورة 23 يوليو المصرية، بين التحرر والتقهقر !
- التجويع والتصهين !؟
- المدن والعواصم الجديدة !!
- غزة تموت جوعا، والبعض مشغول بالجولانى!!
- الإدانات الغربية ،، وفقا لنوع الآلهة !!
- إسرائيل راعية القومية العربية !!
- نكتب بضميرنا وحده ،
- شيطنة التغيير فى سورية !!
- على هامش المقتلة فى السويداء!؟
- الصدام الخفي !؟
- ماهو المتوقع !؟
- نزع السلاح ، فى سربرنيتسا !!
- الصمت الفلسطينى فى الداخل!؟
- هل سنترال رمسيس المحترق،مؤمن عليه ضد أخطار الحريق!؟
- دور نادى الزمالك فى مسرحية التغييب!
- إبراهيم باشا المصرى !
- إختزال الغضب ،،
- فى عاشوراء ،جريمة لاتسقط بالتقادم !!


المزيد.....




- موقع أميركي: الكنيسة العالمية فشلت بواجبها إزاء الإبادة في غ ...
- منذ “الربيع العربي”.. هل تمكنت دول الخليج من تحييد الإسلام ا ...
- -هددوا سلامة الركاب أم غنوا بالعبرية؟-.. حملة على طيار بعد ط ...
- إقامة مراسم أربعين شهداء الحرب الأخيرة بحضور قائد الثورة الا ...
- أكراد سوريا.. الحلقة المقبلة في مسلسل العنف الطائفي؟
- شاهد.. إعدامات في السويداء وسط تصاعد العنف الطائفي وتكميم ال ...
- الطائفة السامرية: فسيفساء دينية تزين نابلس
- طهران تعتقل يهوديين أمريكيين من أصول إيرانية بتهمة التجسس لص ...
- إسبانيا.. اكتشاف كنيس قديم يعيد كتابة التاريخ اليهودي المبكر ...
- حاخامات يهود.. على “إسرائيل” وقف التجويع والقتل في غزة


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن مدبولى - الهوية المصرية !!