أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - الدوني العائد من خرائب الشام : التهديد السوري والخذلان العراقي















المزيد.....


الدوني العائد من خرائب الشام : التهديد السوري والخذلان العراقي


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في غمرة المشهد العراقي المعقّد، المتأرجح بين الدولة واللادولة ... ؛ و في أزمنة الاضطراب السياسي والانهيار القيمي ... ؛ تنبثق نماذج سلوكية سلبية وشخصيات هجينة متورمة ... ؛ و يظهر من بين الركام الاجتماعي والسياسي ما يمكن وصفه بـ"الطفح المرضي"؛ ويولد نمط من البشر يمثل أقصى درجات التردي النفسي والاجتماعي، أشخاص تحركهم عقد النقص وتغذيهم مشاعر الكراهية تجاه من يشبهونهم في الأصل واللغة والمصير... ؛ وقد يشكل هؤلاء تهديدًا مباشرًا للنسيج الوطني وهويته الجامعة ... ؛ فهؤلاء تجاوزوا حدود الخيانة والشتات، فصاروا مشاريع دمار متنقل، ونماذج للانهزام والاختراق الداخلي ... .
من بين هذه النماذج، تبرز حالة المدعو "أبو عدي" بوصفها تجسيدًا حادًا لخلل الشخصية العراقية في أطوار الانكسار، والهزيمة، والانحراف الأخلاقي والسياسي والانفصال القيمي ... ؛ وهو نموذجٌ ليس غريبًا عن البيئات العراقية التي تفككت هوياتها في ظل التنازع الطائفي والتأريخ القسري للهويات الفرعية.
*تحولات الهويّة والانتماء: بين الطائفية والانتهازية
ينتمي أبو عدي إلى إحدى العشائر العراقية المعروفة بتنوّعها المذهبي بين السنة والشيعة، غير أن هذا التنوع لم يمنع بعض أفرادها من ممارسة التقية الاجتماعية، فكان بعض الشيعة يدّعون التسنن إبان حكم النظام البعثي الطائفي قبل عام 2003... ؛ ففي زمن الحقبة الطائفية والبعثية ، ساد التماهي القسري مع "السنية السياسية" بوصفها وسيلة للنجاة في ظل نظام صدام، حتى اضطر بعض الشيعة إلى الادعاء بأنهم من "أهل السنة"، لتجنّب الإقصاء أو الاضطهاد... ، ثم انقلب المشهد بعد السقوط، فادعى بعض السنّة التشيّع من باب الانتهازية أو التكيّف مع السلطة الجديدة و طمعاً في المكاسب .
ليست هذه الظاهرة بجديدة على المجتمع العراقي، فهي امتداد لحالة تاريخية من انعدام الاستقرار السياسي وتغيّر الولاءات بتغيّر النظام الحاكم... ؛ لكنها تكشف خللًا بنيويًا في منظومة الهوية الوطنية، وتعكس هشاشة مفهوم الهوية الوطنية عندما تغيب الدولة الحقيقية ... , التي لم تُبْنَ على أسس راسخة، بل ظلّت خاضعة للسلطة والطائفة والانتماء اللحظي حتى وان كان خارجيا ... ؛ فشخصية "أبو عدي" التي ترد في هذا السياق ليست إلا تمظهرًا متطرفًا لأزمة شاملة تتجاوز الفرد لتطال البنية النفسية والسياسية والاجتماعية لمجتمع خرج من استبداد طويل، لكنه لم يدخل بعد في وطنٍ حقيقي جامع... ؛ نعم هذه التحولات ليست غريبة عن مجتمع يتوق إلى إحياء الأمة العراقية وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تقوم على أسس فلسفية وعلمية رصينة، وتستند إلى الهوية الوطنية الأصيلة، وتدار بالكفاءة والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
*أبو عدي: نموذج للدونية وانعدام الولاء
أبو عدي، رغم تطور ظروفه الحياتية بعد 2003, وتحسّن أحواله المعيشية وانتقاله من حي فقير إلى منطقة راقية ... ؛ يُمثل نموذجاً سلبياً مغرقاً في عقد الدونية والانحطاط ... ؛ اذ لم يُظهر أبو عدي أدنى ولاء لوطن أو جماعة أو قيم أو مكون او ترحيب بالتجربة الديمقراطية الجديدة ...؛ و لم يتخلَّ عن حنينه المريض للجلاد... ؛ اذ ظل يمجّد بصدام السفاح - وزبانيته وجلاوزته - الذي قاد العراق نحو المقابر الجماعية والانهيار والمجاعة والدمار... ؛ بل تطوّر الأمر لديه إلى حالة من السُّعار الطائفي؛ فهو لا يوفر فرصة إلا ويسب فيها رجال الدين الشيعة، والمثقفين، والسياسيين، ومجتمعه القريب منهم، في مرضٍ يُعبّر عن ذروة الانفصال عن الذات والجماعة والتاريخ... ؛ فقد كان ولا زال حاقدا و معبراً عن كراهية مطلقة لكل ما يتصل بالتشيع، مناصراً أعداء الشيعة ضد أبناء جلدته... ؛ نعم الغريب أن أبو عدي – رغم انتمائه لمكوّن تضرر بشدة من النظام الاجرامي البائد – لا يجد لنفسه معنى إلا في إعادة إنتاج ثقافة المجرم، ربما لأنها تمنحه شعورًا زائفًا بالقوة، يخفف من عقدة النقص العميقة لديه... ؛ فقد كرّس حياته للتشنيع، والتسقيط، والتحريض الطائفي، حتى بات منبوذًا من عائلته، مكروهًا من جيرانه، مفضوحًا في سلوكه... ؛ وكانت الفضيحة الكبرى حين عاد إلى منزله ذات ليلة ثملًا، واعتدى على زوجة ابنه، ما دفع عائلته لطرده... ؛ اذ قام ابنه بطرده وحاول قتله لولا تدخّل الجيران... ؛ بينما قال أحد أبنائه آنذاك: "طفح الكيل، فقد وصل به الانحطاط إلى ممارسات لا أخلاقية، وسُمع عنه الكثير من الشبهات، بل اتُّهم باللواط علنًا" ... ؛ وحين أُقصي من بيته إثر الفضيحة الأخلاقية المخزية، وبعد أن أضحى منبوذًا من عائلته، هرب إلى تركيا واستقر فيها لمدة ثلاث سنوات لكن عنصرية بعض الأتراك ضد العرب وارتفاع وتيرة الاعتداءات العنصرية دفعته إلى الهجرة من تركيا ... ؛ وبعدها انتقل إلى سوريا، وهناك بدأ صفحة جديدة من التورط، فادّعى انتماءه للمذهب السني، واندسّ في الأوساط السورية المتطرفة، متبنيًا خطابًا طائفيًا عدائيًا ضد الشيعة والعلويين والدروز... ؛ وعند انهيار الدولة السورية ودخول فصائل الجولاني الإرهابية، تحوّل أبو عدي إلى دليل ميداني لهم، يرشدهم إلى أماكن تواجد الأقليات من أجل تصفيتهم... ؛ اذ صار دليلًا لعصابات "الجولاني" لبطشهم بالأقليات السورية من علويين وشيعة ودروز... ؛ نعم هناك قد وجد لنفسه ملاذًا طائفيًا في أحضان الجماعات المتطرفة... ؛ و تماهى مع فكرها ... ؛ و بلغ به الانحطاط أن خان حتى الدروز الذين آووه سابقًا، واصطف ضدهم في جرمانا بعد اقتحام السويداء من قبل العصابات الارهابية ، فكان عقابه أن ضُرب ضربًا مبرحًا على يد أحد شبابهم، وكُسرت أنفه وتشوه وجهه... ؛ وعاد إلى العراق ذليلا منهكًا، حاملاً آثار الهزيمة والخيانة والانكسار على ملامحه.
* شهادته: تحذيراتٌ من جحيم سوريا ومخططاتٌ ضد العراق
عاد ليجد بيته خالياً بعد رحيل ابنه، فاستأنف التواصل مع بعض أبنائه محذراً إياهم – بغريب المفارقة – من أماكن التجمعات، مدعياً أن آلاف السوريين العاملين في العراق مرتبطون بجماعات إرهابية موالية "لحكومة الجولاني"، ومكلفون بعمليات حرق مولات ومؤسسات ؛ وتهديد للأمن الوطني والسلم الأهلي، بالإضافة إلى أنشطتهم الإعلامية المشبوهة في الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي ... ؛ وأكد أن الآلاف من السوريين في العراق ليسوا عمّالًا عاديين، بل خلايا نائمة على صلة بجبهة النصرة والجولاني، ويتلقون تعليمات لإشعال الفوضى من الداخل العراقي ... ، وقد نقل أبو عدي لصديقه وجاره ( ابو محمد ) ولغيره ؛ فظائع ما رآه في سوريا ... ؛ رغم سوابقه، ما نقله أبو عدي من مشاهداته في سوريا يحمل دلالات خطيرة لا يمكن تجاهلها... ؛ فقد أبلغ اصدقاءه وبعض معارفه أن الإعلام لا ينقل سوى 10% مما جرى في سوريا من عمليات إبادة جماعية , وجرائم ومجازر , ونهب وسرقات وخطف ، وقتل، واغتصاب، وتهجير قسري بحق الأقليات السورية ... ؛ فقد أكد بان عمليات التطهير الطائفي الممنهجة والابادة الجماعية بحق العلويين والشيعة والدروز، تفوق ما تنقله وسائل الإعلام بعشرات المرات، مؤكداً أن هذه الجرائم تمهّد لـ"معركة كبرى" تهدف لتصفية "الآخر" غير السني المتطرف في سوريا تمهيداً للانقضاض على العراق فيما بعد ... ؛ مؤكدًا أن الفصائل التكفيرية تُعدّ العدّة لمعركة كبرى في العراق، بعد تطهير الداخل السوري من كل مكوّن غير سني متطرّف... ؛ فالفصائل التكفيرية تعبئ الداخل السوري طائفيًا لخوض معركة الوجود ضد العراق والعراقيين الاصلاء ، انطلاقًا من عقيدة تكفيرية ترى في التشيّع، بل في كل ما هو غيرها، "هدفًا مشروعًا للإبادة".
وحذر - يحذر المقربين منه فقط وبسرية تامة - أبو عدي من أن التعبئة الطائفية والعقائدية في سوريا تتجه صوب العراق، مشيراً إلى تواصل شخصيات تكفيرية وسياسية من الأنبار مع الجهات السورية المعادية، ومباركة بعض السنيين العراقيين لجرائم "الجولاني"... ؛ كما حذر من تهريب أسلحة إلى الأنبار تحت جنح الظلام، تمهيداً لهجوم محتمل بالتعاون مع عناصر سنية عراقية ضد الحكومة والأغلبية الشيعية... ؛ اذ تحدّث عن تنسيق فعلي بين شخصيات سياسية وطائفية في الأنبار مع الجانب السوري، في سياق مشروع مشترك يستهدف الأمن الوطني العراقي، ويُعدّ للانقضاض على العملية السياسية من الداخل.
* أزمة الدولة والفراغ الاستراتيجي
تكشف سيرة هذا النموذج ( ابو عدي ) عن غياب استراتيجية حكومية متكاملة لحماية الداخل العراقي من اختراقات أمنية ونفسية وثقافية خطيرة... ؛ فالدوني العائد من الخارج ليس حالة فردية، بل هو حاملٌ لفكر خطير، وله امتدادات وتواصلات استخباراتية، ويمثل جسرًا لانتقال النزاعات والعدوى الطائفية عبر الحدود... ؛ لاسيما وان الاشخاص الذين يدخلون الحدود من سوريا يقدرون بالعشرات بل المئات يوميا .
إن ما ينقله هذا الشخص من معلومات مرعبة عن الفظائع التي ارتكبتها الجماعات التكفيرية في سوريا – من تطهير طائفي وقتل واغتصاب ونهب – لا تمثل فقط شهادات شخصية، بل مؤشرات استراتيجية خطيرة على طبيعة التهديد الذي يمكن أن ينتقل إلى العراق، خاصة إذا علمنا أن جزءًا من هذا المخطط يتغذى على تواطؤ بعض السياسيين السنة في العراق وتنسيقهم مع الأطراف السورية المتطرفة... ؛ كما تؤكد ذلك الدراسات والتحليلات الاستراتيجية الموثقة .
*العدو الخارجي والخصم الداخلي
لا تقتصر التهديدات على الفصائل السورية التكفيرية والعصابات والحركات الارهابية ، بل هناك تنسيق تركي مباشر ومكشوف مع جماعات مسلحة في الشمال والغرب العراقي، وسط صمت رسمي مريب... ؛ تركيا لم تكتف باحتلال الشريط الحدودي وبناء قواعدها العسكرية في مدن شمال العراق وتدخلاتها في كركوك والموصل ... ، بل راحت تمارس دورًا استخباريًا متقدّمًا، وتُشرف على عمليات تغيير ديموغرافي تدريجية، مستغلة ضعف الإرادة السياسية العراقية وتواطؤ بعض الأطراف... ؛ نعم لا تكتمل صورة التهديد الخارجي دون التطرّق للوجود التركي شمال العراق، حيث تنتشر القواعد العسكرية، وتُشرف أنقرة على مليشيات طائفية سنية في كركوك والموصل... ؛ فضلا عن ضغوطها المستمرة على الحكومة العراقية ؛ وابتزازها الدائم للعراق فيما يخص ملف المياه والطاقة وغيرهما ؛ واخر مؤامراتها المشبوهة ايقاف تصدير النفط العراقي عبر جيهان ... ؛ وها هي تلعب بالورقة السورية الارهابية ضد العراق بالتعاون مع امريكا واسرائيل وقطر ودول الخليج الاخرى لاسيما السعودية ... .
كما لا يمكن لعقل استراتيجي أن يفهم استمرار فتح الحدود مع سوريا والسماح بدخول عمالة سورية بلا رقابة، في ظل شهادات متكررة عن تسلل عناصر مرتبطة بجماعات متطرفة... والتي تنتشر في مدن الأغلبية وتحيط بالدوائر الحساسة... ؛ كما أن عملية إعادة مجاميع من مخيم الهول – المعروف بأنه حاضنة للإرهاب – إلى الداخل العراقي ... ؛ اذ تستمر الحكومة في استقدام عوائل من مخيم "الهول" الموبوء، المليء بالإرهابيين بل تسارع في إعادة مجرمي وعوائل إرهابيي مخيم الهول إلى العراق، رغم خطورتهم على الاستقرار الداخلي ... ؛ تثير تساؤلات وجودية عن مدى وعي الدولة بالمخاطر الأمنية والسيادية ... .
ناهيكم عن وادي حوران، فهو الآخر مأوى للإرهاب، يخضع لحماية أمريكية مشبوهة، وتُمنع الأجهزة الامنية والقوات العراقية من دخوله، وكأنه كيان مستقل داخل الدولة... ؛ اذ يتواجد فيه آلاف الإرهابيين ... .
فضلا عن التسقيط الطائفي والمناطقي والحرب النفسية... ؛ اذ تستمر الحملات الاعلامية المسعورة لتشويه سمعة أبناء الأغلبية وتسفيه منجزاتهم, والاساءة الى شخصياتهم ورموزهم , والانتقاص من الحكومة العراقية ، تمهيداً لإسقاط التجربة الديمقراطية الناشئة والعودة بالعراق إلى حظيرة الدكتاتورية والطائفية والانهيار والدمار والتشرذم والاجرام والارهاب .
ويبقي السؤال قائماً : لماذا تُعاد عوائل الهول دون تدقيق أمني كافٍ , وفي هذه الظروف ؟!
لماذا السكوت عن تغلغل العمالة السورية وممارساتها؟!
* الصمت الحكومي: شلل أم تواطؤ؟
إن استمرار السكوت على هذه المؤشرات ينذر بكارثة ... ؛ بل تتعاظم الكارثة حين نعلم أن الحكومة لا تملك حتى اليوم خطة تسليحية دفاعية واضحة في مناطق الجنوب والوسط، التي كانت دومًا الحصن الأخير للدولة... ؛ فحين اجتاح الإرهاب المحافظات الغربية وسقطت المدن والقرى واحدة تلو الاخرى ؛ بقى الجنوب والوسط صامدا شامخا كأسد بابل بوجه قوى الظلام والارهاب .
وسط كل هذه التهديدات، يبرز سؤال خطير: ولماذا لا تُنشأ معسكرات كبرى ومخازن تسليح في مدن الجنوب والوسط , ولماذا لا تُخزّن الأسلحة الحديثة فيها تحسبًا لأي طارئ ؟ أليست هذه المناطق هي التي أنقذت العراق في 2014؟ أليس سقوط الموصل والأنبار بيد داعش درسًا كافيًا؟
وهل يُعقل أن تكون هذه المناطق بلا قوة ردع، في ظل ما يُحاك من مؤامرات داخلية وخارجية ضد الدولة والمجتمع؟
أليس من حق هذه المحافظات أن تتحصّن، وأن تمتلك مقومات الردع ضد أي هجوم خارجي أو داخلي؟ لماذا يُترك الجنوب دون حماية بينما يُسلّح الشمال وتهرب الاسلحة الى المحافظات الغربية ؟ هل نحن أمام سياسة نزع سلاح الأغلبية تمهيدًا لإعادة إنتاج الحكم الطائفي مجددًا وارتكاب المجازر وعمليات التطهير الطائفي والمقابر الجماعية مرة اخرى ؟!
نعم في الجنوب والوسط، حيث الغالبية الشيعية، لا توجد معسكرات حماية كافية ولا مخازن اسلحة حديثة، ولا خطط تسليح استراتيجية، رغم أن هذه المناطق شكّلت العمود الفقري لمقاومة الارهاب وفلول البعث ... ؛ ولماذا تتركز الثكنات العسكرية الكبيرة والأسلحة الثقيلة في مناطق معينة بينما تُهمل مناطق الأغلبية العراقية التي أنقذت البلاد من السقوط؟!
ويبقى السؤال قائما : لماذا يُمنع الجنوب والوسط من التسلّح والاحتياط العسكري بل يصر البعض على نزع سلاح ابناءه بشتى الحجج الواهية ؟
أليس من مصلحة الدولة تقوية جبهتها الداخلية وتحصين مدنها الاستراتيجية؟ أليس تسليح الوسط والجنوب ضمانة لصيانة السيادة الوطنية، ولمنع أي اختراق أمني جديد؟
*استفهامات مُقلقة:
لماذا يُصر البعض على حل الحشد الشعبي وتسليم السلاح ونزع سلاح فصائل المقاومة والحركات المسلحة الوطنية وسط كل هذه التحديات والاخطار المحدقة بالعراق والاغلبية والامة العراقية ؟ و من المستفيد من تفكيك الردع الوطني؟
والأدهى من ذلك أن الإعلام الموجّه، وبعض الأبواق السياسية، يساهمون في تسقيط الحشد الشعبي والتشكيك بشرعيته، وهو المؤسسة الأمنية التي شكلت الحاجز الأخير أمام انهيار الدولة عام 2014... ؛ فهل يُعقل أن يُهاجم الحشد في وقت يجري فيه التحشيد المسلح في الأنبار والموصل وكركوك؟ وهل يُراد للعراق أن يُسلم مصيره مرة أخرى لجماعات تتغذى على الخراب؟
والغريب أن بعض الأطراف تصرّ على تفكيك الحشد الشعبي وتسليم سلاحه وهو المؤسسة الوحيدة القادرة على مواجهة قوى الشر والظلام والتكفير والارهاب ، في الوقت الذي تُعاد فيه عوائل "الهول" إلى العراق، ويُترك وادي حوران مأوى للإرهابيين تحت رعاية أمريكية مباشرة، ويُفتح الباب أمام العمالة السورية التي تنتشر قرب المؤسسات الحساسة وفي بغداد ومدن الوسط والجنوب ...؟!
*استراتيجيات النجاة: تحصين الداخل ومواجهة التهديد:
1- حماية الحدود والهوية: إغلاق الحدود مع سوريا وكل دول الجوار المعادية فوراً وترحيل كافة العمالة الأجنبية غير النظامية والمشبوهة... ؛ هذا الإجراء يحقق أهدافاً استراتيجية:
* فتح الباب أمام العاطلين العراقيين وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
* قطع الطريق على الاختراقات الأمنية وحفظ الاستقرار الداخلي.
* الحفاظ على النسيج الاجتماعي ومواجهة مشاريع التغيير الديمغرافي.
* المحافظة على العملة الصعبة , وتدفق السيولة النقدية داخل البلاد .
2- التسليح الاستراتيجي للقلب الوطني: إنشاء معسكرات ومخازن أسلحة عملاقة في مدن الوسط والجنوب وتزويدها بأحدث التسليح... ؛ فهذه المناطق هي الضامن الحقيقي لأمن العراق، كما أثبتت في صدّ زحف داعش عام 2014... ؛ و إهمال تحصينها بعد ذلك الدرس القاسي لا يُفسّر إلا بالتبعية أو الخضوع للأجندات الخارجية (الأمريكية تحديداً) أو العجز المطلق أو المُتعمّد أو الخيانة .
3- منع إعادة عوائل "الهول"... ؛ ومنع تجنيس اللقطاء من ابناء القتلة الارهابيين الاجانب والذين ولدتهم امهاتهم تحت ظروف الاغتصاب وجهاد النكاح , والذين تقدر اعدادهم بالآلاف .
4- كبح النفوذ والتغلغل الخارجي لاسيما التركي والخليجي والصهيوني الاستخباراتي.
5- منع التمويل السياسي والإعلامي القادم من الخارج... ؛ واغلاق كافة وسائل الاعلام المعادية والبعثية والارهابية والطائفية , وتطهير الإعلام من الأدوات المرتبطة بالمشاريع الخارجية المشبوهة والمنكوسة .
6- إعادة الاعتبار للمؤسسات الأمنية والعسكرية وتحريرها من الضغوط السياسية والاملاءات والتبعية الخارجية .
7- دعم الحشد الشعبي ومنحه شرعية وطنية ودستورية تامة ... ؛ واعادة تشكيله بما يتناسب والتحديات الحالية وظروف المرحلة , وتطهيره من كافة العناصر الفاسدة والفاشلة والمرتبطة بالجهات الخارجية .
8- تحصين الوعي العام بمشروع "الأمة العراقية" كمفهوم جامع يتجاوز الطوائف ويستند إلى الهوية الوطنية الأصيلة... ؛ وتوحيد مكونات الامة العراقية لمواجهة التحديات الخارجية والاعداء .
9- ايجاد صيغة قانونية للفصائل والحركات المسلحة الوطنية و اعادة ضبطها وتشكيلها بما ينسجم والاوضاع الحالية ويتماهى مع القوانين والدستور , ونشرها على الحدود لتأمينها من الخروقات .
10- اعادة العمل بالتجنيد الالزامي ولمدة سنة فقط , مع بلورة فلسفة عسكرية وطنية تنمي الروح الوطنية في نفوس كافة العراقيين .
الخاتمة: بين الخيانة والمسؤولية:
السكوت جريمة، والتردد خيانة، والخذلان في هذه اللحظة التاريخية ليس خيارًا... ؛ فالعراق اليوم على مفترق طرق... ؛ بين مشروع الدولة المدنية ذات السيادة، وبين السقوط في براثن الفوضى الطائفية والمشاريع الإقليمية المعادية ... ؛ إن استمرار الصمت الحكومي، والانبطاح أمام الضغوط الدولية، والتفريط بالسيادة، كلّها مقدمات لانهيار قادم وشيك ... ؛ فإن لم تتحرك الدولة اليوم، فإن الوطن سيدفع الثمن غدًا .
الخطر ليس في الخارج فقط، بل في الداخل الذي لم يتعافَ... ؛ الفوضى في الإقليم تُصدَّر إلى العراق بتواطؤ عناصر داخلية متآمرة، أو أخرى جاهلة بخطورة ما يُحاك... ؛ وإن لم تتحرّك الحكومة لإغلاق الحدود مع سوريا، وتنظيم ملف العمالة الأجنبية، وتحقيق التوازن التسليحي، وتحصين الجبهة الإعلامية والأمنية، فإن سيناريو الانهيار السوري قد يُعاد إنتاجه في العراق، ولكن بثمن أفدح.
سكوت الحكومة عن هذه الثغرات الأمنية الفادحة وتراخيها في مواجهة الاختراقات الداخلية والخارجية، يضع علامات استفهام كبرى حول نوايا القائمين على الأمر... ؛ إن لم تكن جهلاً، فهي خيانة أو عجز... ؛ أمام هذا المشهد، يقع على عاتق النخب والجماهير الوطنية العراقية واجب تحصين أنفسهم وبث روح المقاومة والتصدي لكل المخططات الهادفة إلى تمزيق الوطن وإرجاعه إلى حلقات الجحيم ... ؛ حماية العراق مسؤولية الجميع قبل فوات الأوان... ؛ بل مسؤولية مقدسة لا تحتمل التأجيل .
فصمت الحكومة وتقاعسها عن سدّ هذه الثغرات الأمنية الفتّاكة ومواجهة الاختراقات، يطرح تساؤلاتٍ خطيرةً حول ولاء من يديرون دفة البلاد... ؛ إن لم يكن الأمر خيانةً لأمانة الحكم، فهو عجزٌ يُراد له أن يكون مقدمةً لانهيارٍ جديد كما اسلفنا ...



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطات الحكومية والشخصيات السياسية العراقية بين الاقنعة وال ...
- الساكن في الغرفة السابعة و الاخيرة
- من يطارد الفقراء؟ دولة بلا بدائل و-شفل- بلا رحمة
- عقدة اللااتفاق العراقي: بين شتات الهوية العراقية وبوصلة الوط ...
- عقدة الدونية في الوعي الجمعي الشيعي العراقي: تحليل نفسي- اجت ...
- الإزاحة بدل الإعانة: قراءة نقدية في سياسة الهدم الحكومية دون ...
- مرآة الله المكسورة : ياسر بين الشهوة المتفجرة والتوبة المتكر ...
- الولاء الوطني: بين الانتماء الجوهري والانسلاخ المشبوه
- الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار ال ...
- الاحتلال البريطاني وتأسيس منظومة النفوذ
- سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن
- إزالة التجاوزات... حين تتقن الدولة قهر شعبها !
- فلول الطائفية والدونية والبعث: خيانةٌ متجددة ومواجهةٌ لا بدّ ...
- الضفاف لا تُغوي... لكن السفن لا تُقاوم
- النكبة المستدامة : التغول التكفيري و الطائفية السنيّة كأداة ...
- مقولة وتعليق / 60 / علة الحب و نبض القلب
- أطياف اللقاء في مملكة الظل
- دوافعُ الانسلاخ عن الهوية والذات الجمعية... من الطمع إلى الج ...
- الفلول الارهابية والعصابات الاجنبية على الأبواب: مخاطر الزحف ...
- دونية الاغلبية العراقية: خيانة الذات وتغذية مشاريع الأعداء


المزيد.....




- ما عليك معرفته مع وصول ويتكوف إلى روسيا واقتراب فرض تهديد تر ...
- الجيش الإسرائيلي يكشف هوية عنصر بحزب الله -قضى- عليه وما فعل ...
- هيروشيما تُحيي الذكرى الـ80 لأول قصف نووي في التاريخ: -ساعة ...
- تسريبات جديدة تُبرز علاقات إبستين مع شخصيات عالمية بينها شخص ...
- هيروشيما تحيي الذكرى الـ80 لضربها بالقنبلة الذرية بنداء عالم ...
- ريبورتاج: هجرة الأطباء التونسيين تبلغ مستويات مقلقة بسبب تده ...
- غضب واسع بالسودان بعد ضبط مرتزقة كولومبيين يقاتلون مع الدعم ...
- قتيل ومصابون وإجلاء الآلاف بحرائق غابات واسعة في فرنسا وإسبا ...
- 4 قتلى في تحطم طائرة تابعة للدفاع المدني بالجزائر
- هآرتس: كبش الفداء الأخير لنتنياهو رئيس أركان جيشه


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - الدوني العائد من خرائب الشام : التهديد السوري والخذلان العراقي