أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن














المزيد.....

سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


لم يكن يوماً سائقَ أجرة، ولم يحفظ خريطةً ولا شارعًا ولا التواءات الزوايا في المدن المكتظة ؛ لكنه، وفي نوبة من النشوة أو الهروب ، قرر ذات ليلة أن يصبح "سائق تكسي"... ؛ لا تخطيط، لا تدريب، فقط بضع كؤوس من نبيذٍ قديم، واندفاعٌ غريب إلى شوارع بغداد في منتصف الليل، كأن شيئاً في صدره يريد أن يتنفس من صدور الغرباء...
انطلقت السيارة المرتبكة في الأزقة ، تدور بلا هدف، تتلمس أنفاس المدينة، حتى رفع شابٌ يديه له من بعيد، فأوقف السيارة عنده وسأله : "إلى أين؟"
أجابه الشاب بصوت مبحوح: "إلى الزعفرانية."
لم يسأله عن الأجرة، ولم يساوم كما يفعل سائقو الليل، بل فتح له الباب بصمت، وصعد الشاب ذو الثمانية عشر ربيعًا... ؛ كان حسن المظهر , جميل المحيا ، نقي القسمات , باسم الثغرات ، لكن التعب أكل من وجهه، والسهر سكب حمرةً في عينيه، كأنما هو خارج من حرب مع الأيام...
سار الرجل يقود السيارة ببطء، والتفت إليه متسائلًا:
ــ "تبدو مرهقًا، ما قصتك؟"
أجابه الشاب بنبرة خافتة:
ــ "خرجت منذ الفجر أعمل في مهنة البناء - ( العمالة ) - ، ثم ذهبت بعد الظهر لهدم مرحاض قديم في بيت خالتي بمدينة الصدر... ؛ عملٌ تطوعي، فهم فقراء، وأنا لا أملك إلا ساعدي... ؛ والآن أعود إلى بيتنا المستأجر في الزعفرانية... ؛ كنا في حي العبيدي، لكن صاحب الدار رفع الإيجار، فرحلنا."
صمت السائق قليلًا، ثم قال:
ــ "لكن... لماذا اخترت مهنة العمالة؟ ألا يوجد عملٌ أهون عليك؟"
قال الشاب:
ــ "لم أكمل دراستي، وكنت أعمل حمالًا في الشورجة، لكن الركود قتل السوق، وازداد عدد الحمالين... ؛ ثم عملت في فندق بأجرة محترمة، لكن صاحب الفندق راودني عن نفسي... فهربت."
استدار السائق نحوه بانفعال كظيم، فتابع الشاب:
ــ "ثم عملت في كوفي شوب ببغداد الجديدة، لكن صاحب المكان طلب مني أن أدخن النارجيلة، وعندما رفضت، صار يقنعني بضرورة التدخين ؛ والقصد من الحاحه علي ؛ الادمان لا غير , فهو يضع المخدرات في المعسل وبحجة تدخين النارجيلة ؛ يدس السم الزعاف بالعسل ؛ حتى أدمن على المخدرات , وأصبح عبدًا عنده بلا أجر، كما فعل مع كثيرين... ؛ شباب مثل الورود ذبلوا تحت تأثير المخدرات التي كان يضعها لهم في بداية الامر في النارجيلة ...!!
ثم تنفس الشاب تنهيدة طويلة، كأنها عمرٌ ثقيل، وأضاف:
ــ "وفي إحدى المحلات التجارية طلب مني صاحبها أن أحلق شعرجسمي كلّه، فلما سألته: لماذا؟ قال: أريدك زوجًة لي ... ؛ أتكفل بك واصرف عليك ، و تنام في حضني وتعيش من مالي...!!
فصرخت به: أنا رجل، ولست رخيصًا ... ؛ وتركت كل شيء، وجلست في البيت لعدة اشهر ؛ حتى جاءتني فكرة العمل بمهنة العمالة، مع ما فيها من تعب وارهاق ، لكنها أشرف من السقوط والاستغلال الجنسي ."
وصلت السيارة إلى الزعفرانية. نزل الشاب مطأطئ الرأس، ثم التفت إلى السائق وسأله: ــ "كم الأجرة؟"
فقال السائق بصوت خفيض:ــ "اقترب."
اقترب الشاب، فمدّ له السائق ورقة نقدية من فئة خمسين ألفًا.
تجمد الشاب لحظة، وحدّق فيه، ثم التقت نظراتهما وامتلأت أعينهما بدمعٍ ثقيل...
كلاهما كان يرى في الآخر مرآةً لوجعه، ظلًّا لغربته، وندبةً من ذات الجرح...
أدار الشاب وجهه ومضى في عتمة الحي، بينما عاد "السائق الطارئ" يدور بسيارته في شوارع المدينة... ؛ لا ليبحث عن راكبٍ جديد، بل لعله يعثر على شيءٍ من روحه المفقودة في وجوه الغرباء...



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إزالة التجاوزات... حين تتقن الدولة قهر شعبها !
- فلول الطائفية والدونية والبعث: خيانةٌ متجددة ومواجهةٌ لا بدّ ...
- الضفاف لا تُغوي... لكن السفن لا تُقاوم
- النكبة المستدامة : التغول التكفيري و الطائفية السنيّة كأداة ...
- مقولة وتعليق / 60 / علة الحب و نبض القلب
- أطياف اللقاء في مملكة الظل
- دوافعُ الانسلاخ عن الهوية والذات الجمعية... من الطمع إلى الج ...
- الفلول الارهابية والعصابات الاجنبية على الأبواب: مخاطر الزحف ...
- دونية الاغلبية العراقية: خيانة الذات وتغذية مشاريع الأعداء
- الكتابة الملتزمة: بين ضريبة الكلمة والجهر بالحق وبناء الهوية ...
- الاحتلال الناعم ونهب الثروات بواجهات محلية .. العراق نموذجًا
- صرخة العقل العراقي : بين وجع الهوية والضياع وشرف المكاشفة وا ...
- تموز الحارق والكهرباء الغائبة: العراقي بين لهيب الصيف وغياب ...
- أحمد الجولاني: الوجه المحلّي لمشروع تكفيري اقليمي
- -الدوني... وين وجهك؟!- .. وجهك في قعر الخيانة، وذيلك في كف ا ...
- سياحة الموت.. التعتيم الحكومي وضحايا الارهاب السوري
- الضمير: الملاك الساقط أم الجلاد الخفي ؟ .. قراءة فلسفية ونفس ...
- الزمنُ حين يختبئ في جيب المعنى
- لا تطرق أبواب الماضي.. فإنها لا تفتح
- ندوب القدر وثارات الغدر


المزيد.....




- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...
- حنظلة: قصة كاريكاتير، وسفينة تحاول -كسر الحصار- عن غزة


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن