أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - دونية الاغلبية العراقية: خيانة الذات وتغذية مشاريع الأعداء















المزيد.....

دونية الاغلبية العراقية: خيانة الذات وتغذية مشاريع الأعداء


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 14:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في لحظةٍ عراقيةٍ حرجة، تتقاطع فيها الذاكرة مع الجراح، والتاريخ مع الفجيعة، تبرز واحدة من أخطر الظواهر التي نخرت في جسد الأغلبية والامة العراقية، وهي "الدونية السياسية والاجتماعية" التي دفعت ببعض المحسوبين على الشيعة والكرد وغيرهما إلى خيانة أهلهم وبيئتهم، والتواطؤ مع من استباح دمهم وكرامتهم لعقود طويلة، سواء كان هؤلاء أعداءً داخليين أو قوى خارجية عابرة للحدود والضمير الوطني ... ؛ اذ تشكل ظاهرة "الدونية الطائفية" – أي انخراط أفراد من الأغلبية الشيعية في العراق في خدمة مصالح أعداء طائفتهم أو وطنهم – إحدى الجروح النازفة في الجسد العراقي ولا زالت الظاهرة تتسع وتتمدد بسبب الاخفاقات والانتكاسات واختلاط الاوراق وتعدد الرؤى المنكوسة وتغييب الهوية الوطنية والوعي ... .
لقد وقف التاريخ كثيراً عند تجربة ناظم كزار، كأحد القلائل الذين امتلكوا الجرأة لمراجعة الذات... ؛ فقد رأى كزار بعينه التمييز الصارخ في تعامل النظام البعثي مع أبناء العراق؛ فبينما يُزجّ بالشيعي إلى حبل المشنقة بتهمة الانتماء لحزب أو فكرة ما ... ، يُغض الطرف عن السني المتهم بالتهمة نفسها ( كالانتماء للشيوعية مثلا ) ... ؛ أدرك كزار حينها أن النظام لم يكن وطنياً ولا قومياً كما كان يدّعي، بل طائفياً انتقائياً، يقوم على محاباة "الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة " وإقصاء الأغلبية الشيعية الاصيلة بكل الوسائل.
لكن السؤال المؤلم يبقى: لماذا لم يُراجع باقي البعثيين من أبناء الشيعة مواقفهم؟
لماذا ظلّ كثير منهم أدوات طيّعة بيد النظام، يسومون أبناء جلدتهم سوء العذاب وهم يعلمون يقيناً أنهم مجرد "كلاب صيد" تُستخدم ثم تُرمى؟
لقد استُخدم هؤلاء "الدونية" بوحشية ضد مجتمعاتهم المحلية ، فكان الشيعي البعثي جلاداً للشيعي المعارض، والمثقف المأجور ناقداً لمظلومية أهله، والسياسي المتسلق سيفاً في يد الطاغية... ؛ ولم يكن ذلك من باب الجهل، بل من باب الخنوع والانبطاح المرضي، الذي يرى في الخضوع للأقوى نجاةً، ولو على حساب الكرامة.
وبعد 2003، حين سقط النظام الذي بني على القمع والتمييز، انتظر العراقيون أن تستقيم الأمور، لكنهم وجدوا أنفسهم في دوامة أخرى... ؛ إذ تولّت الأحزاب "الشيعية" الحكم، لكن الغالبية من سياسييها كانوا استمراراً لحالة الدونية المزمنة... ؛ اذ فرّطوا بحقوق مدنهم واهلهم ، وتركوا الجنوب والوسط في أسوأ حال ... ؛ تعصف به البطالة والمخدرات وانهيار البنى التحتية، بينما شهد الإقليم الكردي تطوراً ملحوظاً في العمران والخدمات، وحظيت مناطق السنة بالدعم والاستثمار والتعويض ؛ حتى لأهالي المتورطين بالإرهاب...!!
وهنا : يُطرح السؤال : كيف ساهم "دونية" السلطة (المحسوبون على الأحزاب الإسلامية الشيعية وغيرها) في إدامة تدهور مناطقهم بينما ازدهرت مناطق أخرى؟
يُلقى باللوم على خضوعهم لأجندات خارجية أو مصالح فاسدة أو عجز مقصود، جعلهم أداة لإفقار وتدمير مجتمعاتهم الأصلية.
هؤلاء "الدونية الجدد"، الذين انخرطوا في العملية السياسية، لم يكونوا أمناء على المشروع الوطني أو المذهبي قط ، بل كانوا أدوات لمشاريع خارجية، مرة بيد إيران، ومرة بيد تركيا، ومرات بيد أجهزة مخابرات غربية وعربية، فاستمر تدمير مدن الأغلبية كما كان قبل السقوط، بل وبأيدٍ "شيعية" هذه المرة.
التاريخ لم يرحم أمثالهم... ؛ ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حين اشتعلت جذوة المعارضة في الداخل العراقي ، كان أبناء الأغلبية يقتصّون من البعثيين والصداميين والخونة في الشوارع والقرى والاهوار والجبال والمدن ...؛ من المحسوبين على الاغلبية ؛ بينما كان النظام الصدامي يغض الطرف، ويهمس في أروقة حزبه ومقرات قيادته : "هدّ أجلابهم عليهم"، في إشارة إلى دفع الشيعة لقتل الشيعة... ؛ إنها الخطة ذاتها: تسليط "الدوني" على الأصيل، والتابع على الوطني، والمرتزق على الحر... ؛ اذ استُخدموا تاريخياً كرأس حربة النظام البعثي لقمع أبناء جلدتهم من الشيعة الأحرار، تحت شعارات قومية أو أمنية أو وطنية زائفة .
وحين سقط النظام الهجين ، هرب هؤلاء كالفئران والجرذان ... ؛ فبعضهم ذهب إلى اليمن والبحرين ليهاجم أبناء مذهبه هناك ، والبعض انضم لحزب البعث السوري، وآخرون راحوا يهتفون بالشعارات القومية العروبية الفارغة، كمن يتقمص ثوباً لا يليق به ؛ تملقا منهم للأنظمة والفضائيات العربية , بل إن بعضهم تحوّل مذهبياً بحثاً عن قبول لا يُمنح، واحترام لا يُكتسب بالتنازل... ؛ فيُلقبون بـ"المتحولين" تهكماً... ؛ نعم حتى أولئك الذين يغيرون مذهبهم طمعاً في القبول او خوفا من السلطة (مثل حيدر الملا وغيره ) ؛ يواجهون الاحتقار من الطرفين...؛ فهم "متحولون" في نظر أبناء مذهبهم الجديد، وخونة في نظر أبناء مذهبهم الأصلي... ؛ ولعل وصف السياسي عادل فرج الحلبوسي للمدعو حيدر الملا : (( مجهول الأصل والنسب، سياسي الصدفة، متحول المذهب، يناطح الجبل الأشم بقرون طين ارتداها متطفلاً بين الكتل كفتاة ليل تهتك سترها لمن يدفع )) يؤكد لنا ما اشرنا اليه انفا ؛ اذ تعكس هذه المقولة عمق الرفض والازدراء الذي يلاقونه، ويجسد المهانة المصيرية للخائن والمتملق والمتحول الهجين في النهاية... ؛ فطالما انتهى المطاف بالخائن والدوني الى مزبلة التاريخ ؛ إن تملقهم للأعداء وخدمتهم لهم لا يرفع من قيمتهم، بل يبقيهم في عيون أسيادهم مجرد "إمعات "، "كلاب حراسة" أو "أدوات رخيصة" تُستنزف ثم تُرمى.
هكذا يُنظر إلى الخائن من الجميع: لا هو مقبول بين أهله، ولا هو محترم في أعين من خان من أجلهم... ؛ اذ ينتهي به المطاف مهاناً منبوذاً، بلا أصل ولا مبدأ ولا مستقبل... ؛ و يموت سياسياً بصورة سريعة وخاطفة كما وُلد صدفة.
إن هذه الدونية، أخطر من الاحتلال الخارجي ، لأنها تنخر من الداخل وتفتك بالمجتمع بصمت... ؛ ومتى ما بقيت دون محاسبة، فإنها تُعيد إنتاج المأساة بأسماء جديدة ووجوه مألوفة... ؛ ولهذا، فإن الخطوة الأولى نحو الإصلاح ليست فقط في مقاومة الأعداء، بل في فضح وتعرية أدواتهم في الداخل، أياً كانت هويتهم.

فلا يُعقل أن يبقى "الدوني" يتسلّق باسم المذهب أو الطائفة أو القومية أو الوطنية ، وهو في الواقع خنجرٌ مسموم في خاصرة أهله ووطنه ... ؛ ولا يجوز الصمت عنه تحت شعارات الوحدة والمسامحة، لأن في التساهل معه خيانة لدماء الشهداء ولآمال المظلومين... .
إن التاريخ علمنا أن من يبيع أهله مرة، سيبيع كل شيء لاحقاً : الأرض والعقيدة والكرامة... ؛ فاحذروا "الدوني"، فهو أخطر من العدو، لأنه يشبهنا في الشكل، ويطعننا في الظهر.
الخاتمة:
ظاهرة "الدونية" الطائفية في العراق هي نتاج مرير لسنوات وعقود طويلة من الاحتلال الخارجي , والقمع الطائفي والاستبداد السياسي ؛ فضلا عن تعامل الانظمة الاقليمية والعربية والقائم على اسس عنصرية وطائفية تجاه ابناء الاغلبية بل والامة العراقية جمعاء ... ؛ غذّت انتهازية وضعفاً أخلاقياً لدى البعض ... ؛ و تحول هؤلاء إلى ركيزة أساسية للاستعمار الخارجي والطغمة الحاكمة الطائفية قديماً، وإلى أداة لتدمير مجتمعاتهم وتكريس التخلف والتشرذم والتمزق فيها حديثاً... ؛ و مصيرهم المحتوم هو الرفض والاحتقار من جميع الأطراف، بينما يبقى درس التاريخ قائماً: الخيانة لا تبني مجداً، والخائن أبداً لا يفلت من العقاب الرمزي أو المادي، ويبقى وصمة عار في جبين طائفته وأمته وعائلته ... ؛ إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب فضح آلياتها ورفض شرعيتها ثقافياً وسياسياً، واجتماعيا , والسعي لبناء ولاء وطني يتجاوز الولاءات الطائفية والقومية والمناطقية والفئوية الضيقة والتبعيات الخارجية المدمرة.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة الملتزمة: بين ضريبة الكلمة والجهر بالحق وبناء الهوية ...
- الاحتلال الناعم ونهب الثروات بواجهات محلية .. العراق نموذجًا
- صرخة العقل العراقي : بين وجع الهوية والضياع وشرف المكاشفة وا ...
- تموز الحارق والكهرباء الغائبة: العراقي بين لهيب الصيف وغياب ...
- أحمد الجولاني: الوجه المحلّي لمشروع تكفيري اقليمي
- -الدوني... وين وجهك؟!- .. وجهك في قعر الخيانة، وذيلك في كف ا ...
- سياحة الموت.. التعتيم الحكومي وضحايا الارهاب السوري
- الضمير: الملاك الساقط أم الجلاد الخفي ؟ .. قراءة فلسفية ونفس ...
- الزمنُ حين يختبئ في جيب المعنى
- لا تطرق أبواب الماضي.. فإنها لا تفتح
- ندوب القدر وثارات الغدر
- فلسفة البساطة في زمن الازدحام النفسي
- سطوة المال في عالم السياسة والانتخابات
- أعداء الداخل وتفكيك الخديعة: قراءة فكرية في الطائفية السياسي ...
- لا تُضيء في الظلام... ما لم تكن مستعدًا للنجاة من الحريق
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (5)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (3)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (2)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (1)


المزيد.....




- تحوّل مغاير كليًا.. شاهد كيف ردت روسيا على عزم ترامب تزويد أ ...
- -أخيراً، ترامب يتوصل إلى الطريق لإيقاف آلة الحرب الروسية- - ...
- اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء.. وإسرائيل تأمر بمهاجمة ق ...
- إسبانيا تطلب تعليق اتفاق الشراكة الأوروبي مع إسرائيل مادامت ...
- للمرة الأولى.. فرنسا تمنح حق اللجوء لجميع الغزيين غير المشمو ...
- 3 حالات خلال 10 أيام.. انتحار الجنود يكشف عمق الأزمة النفسية ...
- احتفال في مدينة يوتوبوري السويدية بمناسبة الذكرى 67 لثورة 14 ...
- ثورة الخصوبة في الشرق الأوسط .. أطفال أقل مشاكل أكثر؟
- الولايات المتحدة: إجلاء 500 شخص على الأقل من منطقة غراند كان ...
- نيس: --صدمة كبيرة-- بعد منح محكمة فرنسية كنيسة أرثوذكسية ومق ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - دونية الاغلبية العراقية: خيانة الذات وتغذية مشاريع الأعداء