أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (3)














المزيد.....

الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (3)


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


أكتب لأن الصمت خيانة وتواطئ وجبن ... ؛ أكتب لأن في داخلي نداء لا يهدأ، وجمرة لا تنطفئ، وألماً يرفض المساومة... ؛ أكتب لأنني حين أسكت، أشعر أن الزيف يتكلم باسمي....
إن الكلمة موقف، ومن لا موقف له لا يستحق أن يُمسك القلم... ؛ فالكتابة، كما أفهمها، ليست وصفاً لما هو كائن، بل مقاومةٌ لما لا ينبغي أن يكون... ؛ فهي ليست انحيازًا للواقع، بل تمرّدًا عليه، حين يكون الواقع ظلماً وقبحاً واستعباداً.
الكتابة الحقيقية ليست اصطفافًا مع السلطة او اصحاب النفوذ ، ولا تنفّسًا في الهامش وصراخا في الظل ؛ بل هي اقتحام للمركز، وزلزلةٌ للبنيان المهترئ، ومساءلة جذرية لما اعتدنا تسميته وطنًا، وهو في الحقيقة مسلخٌ بدمٍ بارد.
في العراق، مثلاً، لم يعد الحاكم وحده هو المشكلة، بل بنية التفكير، وتركيبة المجتمع، وتآكل الضمير الجمعي.
حين يتآمر الجاهل على المثقف، ويتحوّل التافه إلى نجم، ويُقصى الشريف لأنه قال : "لا"، تصبح الكتابة فعل نجاة جماعي، لا مجرد نجاة فردية.
هل أكتب لأُرضي أحدًا؟
لا.
أنا أكتب لأنني رأيت أبناء جلدتي يُبادون، وأرواحهم تُستهان، وكرامتهم تُباع في سوق المصالح الدولية والولاءات المحلية واسواق النخاسة الاقليمية والعالمية .
رأيت الكذب يتربّع على عرش الفضيلة، والفجور يُدرّس باسم الدين، والخيانة تُمنح أوسمة وطنية، واللصوص يُعاد انتخابهم من قبل ضحاياهم.
في مثل هذه البلاد، تكون الكتابة فعلاً يشبه الانتحار... لكنها أيضًا فعل حياة.
أكتب لأن ثمة أجيالًا لم تُولد بعد، سيقرؤون يومًا ما: هل تكلمنا؟ أم صمتنا؟
هل كنا شهود زور؟ أم شهود حق؟
هل كنّا بين القاعدين؟ أم حملنا جراحنا ومضينا؟
الكاتب ليس نبيًا، لكنه شاهد على عصره، ناقدٌ لزيف قومه، لا تابعٌ لهم.
هو مرآة مكسورة، تعكس الألم كما هو، لا كما يشتهيه الجمهور واصحاب الامتيازات والقصور.
هو عاشقٌ، لكن عشقه للوطن ليس طمسًا لحقيقته، بل إصرارٌ على إصلاحه، حتى ولو تأذى من ذلك العشق الممنوع .
الكتابة الحرة تعني أن تضع إصبعك على الجرح، ولو صرخوا في وجهك: "أبعد يدك!".
تعني أن تُخرج الحق من بين أنياب الباطل، وتعيده إلى مكانه الطبيعي في وعي الناس.
أن تحبّ شعبك وقومك وقريبك وجارك وزميلك وصديقك ... ؛ لا بأن تجامله، بل بأن تصارحه حتى يُشفى من جهله وخوفه وقبليّته وطائفيته وعنصريته وفئويته الضيقة .
نعم، لا قيمة لكاتبٍ يُخادع قارئه، ويُضلّل جمهوره، ويمسح على رؤوس العار كي يُكافَأ.
ولا شرف لمن باع قلمه في سوق الارتزاق، ولا عذر لمن سكت خوفًا أو طمعًا أو خضوعًا.
ومن لا يملك الجرأة على قول ما يراه، لا يملك الحق بأن يصف نفسه بالكاتب الحر.
في زمن الطائفية والتخندق القومي والمناطقي ، تكون الكلمة شجاعة.
وفي زمن القمع والفساد والتآمر ، تصبح الكلمة طلقة، وواجبًا، وأحيانًا... وصية قبل الموت.
أكتب وأنا أعلم أن كلماتي قد تُغضب، وقد تُحاصر، وقد تُشوَّه.
لكنني أكتب، لأني أؤمن أن الكلمة الصادقة لا تموت.
قد تُدفن، لكنها كالحجر الكريم: حين تُستخرج من تحت الركام، تلمع أكثر، وتفضح كل ما حاول إخفاءها.
الكلمة الصادقة لا تُشترى، ولا تُكرى، ولا تساوم.
إنها تنتمي إلى الضمير، ومن لا ضمير له لا يعرف شرفها.
الكتابة الحقيقية لا تكون بأجر، بل بألم.
لا تُولد من الوفرة، بل من القحط.
ولا تزدهر في الراحة، بل تنمو وسط الرماد.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (2)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (1)
- العراق أولاً: الوطنية كميزان للعلاقات الخارجية والانتماء الح ...
- الهوية العراقية بين التعدد والتماسك
- الجولاني: عميل بصيغة -ثائر-.. من سجون الاحتلال إلى حضن الاست ...
- أنت لستَ فاهمًا، ولا أنا جاهلٌ
- معاداة الشيعة.. عقدة مستعصية و عداء بلا منطق و-إيران- مجرد ذ ...
- الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدين ...
- دور الأموال في تغيير القناعات وشراء الذمم : الانتخابات بين ا ...
- في زمن العبث والانكسار... حين يغدو الزيف قانوناً
- عصابات الجولاني في خدمة الاستكبار : من تواطؤ معلن إلى عدوان ...
- تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على ايران
- بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية
- الحرب الاقتصادية : سلاح صامت دمّر العراق بصمت أشد من دوي الم ...
- عينٌ في كفّ الشرطي... والعراق أعمى ؟!
- حين تُصبح الجماعة عبئًا... عُزلة الإنسان كخلاص
- إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي
- لأنك عراقي .. انتخب
- هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب ا ...
- كارثة التجنيس في العراق: حين تُهدَر الهوية وتُمنح الأرض للغر ...


المزيد.....




- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة
- كيف حال قرار بريطاني دون أن تصبح دبي جزءاً من الهند؟


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (3)