أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - رياض سعد - إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي














المزيد.....

إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 09:16
المحور: الصحافة والاعلام
    


ينحدر فقيدنا الراحل، السيد إبراهيم الناجي الكوفي، من الجنوب العراقي الأصيل، من محافظة ميسان، تلك الأرض التي تمتزج في سهولها وجبالها وأهوارها رائحة التاريخ وعراقة المجد، وتحمل في طينها مآثر مملكة ميسان العربية، وذاكرة الجماجم الطاهرة لأشراف بني هاشم وأحرار العرب... ؛ فقد كانت ميسان، وحتى الأمس القريب، معقل الأسود، ومنبع الثائرين، ومرتع الفرسان، ومنبع الكرماء والأصفياء، ومنها انطلق الفقيد في مسيرته المباركة.
وُلد السيّد إبراهيم الناجي في أسرةٍ علوية عريقة، معروفةٍ بفضلها وتقواها واحتشامها، ومنذ نعومة أظفاره انخرط في صفوف الحركة الإسلامية، وتحديدًا حزب الدعوة الإسلامية، مدفوعًا بحماسة المراهقين واندفاع الشباب المؤمن... ؛ وتصدّى، بشجاعةٍ نادرة، لمخططات حزب البعث الإجرامي، وكان في صفوف المجاهدين، ينافح عن هموم شعبه، ويتفاعل مع قضايا الأمة وتحديات المرحلة.
لم تلبث عيون البعث أن رصدته، فانقضّت عليه أجهزة القمع، وزُجّ في غياهب السجون، وتعرّض لأبشع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي... ؛ لكنه بقي صامدًا، شامخًا، غير واهن، بل زادته المحنة إصرارًا وعزيمةً على مواصلة الطريق، متقدًا بالإيمان، متحديًا الباطل، مشعلًا جذوة الوعي في العقول الغافلة والضمائر الميتة .
اذ قاد المظاهرات الشبابية المناهضة للطغيان، وعقد حلقات الوعي الديني والسياسي، وسار خلف راية الشهيد محمد باقر الصدر، ناشرًا أفكاره، ومحاورًا البعثيين والشيوعيين والقوميين بحكمةٍ وموعظة حسنة، ملتزمًا في سلوكه بأخلاق الصالحين .
وبعد استشهاد الصدر، واشتداد حملات القمع البعثية ضد المؤمنين، خاصة من أتباع أهل البيت، غادر السيّد إبراهيم الكوفة مكرهًا، التي جاءها مع أبيه، وقطنا فيها ليكونا إلى جوار العلماء والعتبات المقدسة، ويواصل نهله من منابع الدين... ؛ نحو المنافي .
في الغربة، عانى مرارة التهجير وقسوة المنفى، لكنه لم يتراجع، ولم يتلكأ... ؛ فقد بقي كما هو: مجاهدًا مخلصًا، ثابتًا على المبادئ، لم تَفلّ عزيمته المخاطر الدكتاتورية ولا التهديدات البعثية... ؛ ومضى في طريقه، مشغولًا بقضاء حوائج الناس، مغيثًا للمكروبين، ساعيًا في حاجات العراقيين في المهاجر والمنافي.
وبعد سقوط النظام البعثي عام 2003، عاد السيّد إلى وطنه، ومارس دوره التبليغي والديني والسياسي، موظفًا خبرته في خدمة الناس، دون أن تسجَّل عليه أي شبهة مادية أو مصلحة دنيوية... ؛ فقد كان زهده شبيهًا بزهد أبي ذر الغفاري، لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، لم يمتلك عقارًا ولا أموالًا، وعاد إلى وظيفته التي طرد منها بقرار صدامي جائر ... .
وقد قال فيه الكاتب سعيد العذاري:"عملة نادرة... ذكرنا بالدعاة الأوائل الذين كانوا ملائكة يمشون على الأرض؛ حمل الإسلام فكرًا وعاطفة وسلوكًا؛ كرس كل وقته لخدمة الناس، لم يسعَ إلى منصب، وإن ترشح للبرلمان فكان ذلك تلبيةً لطلب الناس، لا حبًا في الدنيا."
لقد كان بسيطًا، كأنه من دراويش الصوفية، نقي السريرة، طاهر القلب، لا يُغريه منصب ولا يُرهبه كرسي... ؛ كان يحب الفقراء، ويؤثر مجالستهم على علية القوم، ويخدم الناس بصمت، حتى أن مكتبه المتواضع كان مزدحمًا بالملفات التي يعالجها دون مقابل.
نعم بعد الحاح الناس عليه , وبعد ما لمسوه من اخلاقه العالية ونزاهته الفريدة وطيبته النادرة فقد كان بريئا كالأطفال , وطيبا الى حد السذاجة احيانا , قرر الترشيح للبرلمان في احدى الدورات الا انه لم يستخدم اموال الدولة او وسائل اعلامها , كما انه لم يتوسل احدا او يستجدي دعما .
ومن شواهد كرم خلقه وطيبته ونقاء سريرته ، أنه خلال ذروة الاحتقان الطائفي والعمليات الارهابية ، التقى في "كراج العلاوي" ثلاثة رجال من الفلوجة، كانوا يقصدون بغداد لقضاء معاملة في احدى الدوائر الحكومة ... ؛ عرض عليهم المساعدة، واصطحبهم إلى بيته المستأجر في منطقة البلديات ، وقدم لهم الطعام، وباتوا عنده، ثم ودّعهم صباحًا مطمئنًا عليهم... ؛ و لقد انبهروا من سماحته وطيبته، وقالوا: هذا رجل من زمنٍ آخر، لا يشبه رجال القرن الحادي والعشرين - ( وزلم هل الوكت ) - .
وكان الفقيد يُفرغ ما في جيبه للفقراء، بل كان يقترض من البنوك لقضاء حوائج الناس، حتى أصبح راتبه لا يغطي ديونه، وكان أولاده يدفعون من مالهم الخاص لعلاجه احيانا ... ؛ ومع هذا، لم يُبدِ ضعفًا، ولم يبدِ شكوى.
إبراهيم الناجي الكوفي : عابر الدنيا بخفّ الصالحين
أما الكاتب رياض الفرطوسي فقال فيه: "لم يكن سيد إبراهيم الناجي، أبا محمد، رجلًا عابرًا في الحياة، بل كان ممن يعبُر الدنيا بأثرٍ لا يُمحى. كان صوفيّ الهوى، لا يرى في الدنيا سوى معبر إلى رضا الله. عاش كما يعيش الدراويش: برّاني المظهر، داخليّ البصيرة، نزيهًا، طاهر اليد، شريفًا، لا يُجيد التراجع، ولا يعرف أنصاف المواقف."
ومع أنه كان من أوائل المنتمين إلى حزب الدعوة، إلا أنه لم يتلوّن بلون السلطة، ولم يغترّ بزينة المناصب، ولم يحتمِ بأسوار الخضراء، بل بقي على حاله، خادمًا للناس من بيته المستأجر.
أما الكاتب قصي الموسوي، فقد رثاه قائلًا :"بعض الناس يمرّون بيننا كأنهم عطر أصيل، لا تعبث به الريح، ولا يغيب عن الذاكرة... كان هادئًا، نقيًّا، لا يشبه ضجيج هذا العالم... خفيفًا على الأرض، ثقيلًا في ميزان الخير... خدم الناس بصمت، وكان جوهره إخلاصًا لا يعرف النفاق..."
لقد كان السيد الناجي، رحمه الله، رجلًا نادر المثال، لا تُدنّس يداه بمعصية، ولا تساوم روحه على مبدأ، كأن ملك الموت تردّد كثيرًا قبل أن يقترب من حِماه، وكأنما حمله برفق إلى خزائن السماء، تحفةً ثمينةً لا تُقدّر بثمن.
فيا من حياؤك يخجل منه الحياء، ويا من سهرك أطعم اليتيم، وبياض سريرتك أنار القلوب، نم قرير العين... ؛ لقد كنتَ بين الأحياء شهيدًا، وبين الموتى حًّيا.
نمْ هانئًا، فكم من الأرواح كانت تستظلّ بحنانك ؟
وكم من القلوب قد أضاءها نورك ؟
وكم من الحكايا ستُروى عنك طويلا ؟



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لأنك عراقي .. انتخب
- هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب ا ...
- كارثة التجنيس في العراق: حين تُهدَر الهوية وتُمنح الأرض للغر ...
- إشكالية رواتب المكونات العراقية بين الاستحقاقات الفعلية والم ...
- الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- عقد في جَوْفِ الجحيم البيروقراطي والدهاليز الورقية المتعفنة
- الحريات المنفلتة والتدخلات الخارجية : تحديات المرحلة الانتقا ...
- حَفْريَّاتُ الوَهْمِ في صَحْراءِ الوَعْي المُعَلَّب: سُريالي ...
- اعداد ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية بين المبالغة والتضليل
- طفولة تحت الأنقاض.. جراح الطفولة تُلقي بظلالها على مراحل الع ...
- تحليل ظاهرة -الزَّعْل- في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، ...
- لقاء العيون في زمن متشظٍّ : سردية سريالية للالتقاء العابر وا ...
- التنكر للطائفية : إشكالية الإنكار وتضليل الممارسات الطائفية
- الأصدقاء: عائلة الروح ومرآة الذات


المزيد.....




- ردود فعل على مقتل قائد -المجاهدين- أسعد أبو شريعة من عائلات ...
- -الدوما-: رفض نظام كييف استلام جثث جنوده يدحض الصورة التي رس ...
- بريانسك: إسقاط 10 مسيرات أوكرانية استهدفت المقاطعة
- مسيّرات روسية تدمّر منظومة حرب إلكترونية غربية هامة لقوات كي ...
- قط -كاشخ- بأناقة البشت والثوب يسرق الأضواء في السوشيال ميديا ...
- -يديعوت أحرونوت-: حريق في كنيس الخاخام الأكبر السابق إسحاق ...
- قافلة مغاربية من تونس إلى رفح للمطالبة بوقف العدوان على غزة ...
- -يديعوت أحرونوت-: جيشنا في غزة كالبط في ساحة الرماية وحرب ال ...
- برلماني إيراني يتوعد إسرائيل بردود أقوى بعد عملية -الملفات ا ...
- واشنطن بوست: الخلاف بين ماسك ومساعدي ترامب كان يتصاعد منذ أش ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - رياض سعد - إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي