أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - تحليل ظاهرة -الزَّعْل- في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، وآليات التعاطي معها














المزيد.....

تحليل ظاهرة -الزَّعْل- في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، وآليات التعاطي معها


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 10:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يُمكن فهم ظاهرة "الزَّعْل" في المجتمع العراقي بمعزلٍ عن السياقات الاجتماعيَّة والنفسيَّة المُعقَّدة التي تُحيط بالفرد العراقي ، فالأزمات المُتراكمة التي يعيشها – بدءًا من الضغوط الاقتصاديَّة والسياسيَّة، مرورًا بالعلاقات الأسريَّة الهشَّة، ووصولًا إلى انهيار الثقة في المُحيط العام – تُحوِّل حياته إلى سلسلة من التحديات والضغوطات اليوميَّة التي تستنزف طاقته النفسيَّة، وتدفعه إلى كَبْت مشاعره كآلية دفاعيَّة لـ"البقاء".
وهنا تبرز إشكاليَّة الاختناق العاطفي؛ إذ يضطر الفرد إلى ارتداء أقنعة مزيفة تُناقض طبيعته، فيُظهر القوة حيث يُخفي الضعف، ويُمارس اللامبالاة رغم شدة تأثُّره، كي يُوائم بين واقع مُتقلِّب وذاتٍ مُنهَكة... ؛ وهذا التراكمُ من الكبت يولِّدُ حالةً من التوتُّر المزمن، تُحوِّل الفرد إلى قنبلةٍ عاطفيَّةٍ قابلة للانفجار لأتفه الأسباب، أو إلى كائنٍ شديد الحساسيَّة يرى في العابرِ جُرحًا، وفي اللفتة البسيطةِ إهانةً ...!!
تشعُّب الظاهرة: بين الصمت والعنف
لا يقتصر "الزَّعْل" على نمطٍ واحد، بل يتشعَّبُ بحسب الشخصيَّة العراقيَّة المُمزَّقة بين الرومانسيَّة المُفرطة والقسوة المُفاجئة... ؛ فثمَّة مَنْ يَزْعَلُ "زَعْلَ الحِكْمَة"، فينسحبُ بهدوءٍ لاذعٍ كالشمس التي تختفي خلف السحاب دون إنذار، مُتجنبًا الصدام، لكنه يُخفي تحت صمتهِ بحرًا من الأسئلة الجارحة: "لَمْ لمْ تَشْعُرُ بي؟ لَمْ لمْ تُنقذني من ضياعي ؟ ولماذا لم تساعدني ؟"... ؛ و هذا النوعُ من الزعلِ يبدأُ صغيرًا، ثمَّ يَتَضخَّمُ ككرة الثلج مع تكرار الهفوات والاخطاء والحماقات والتجاوزات ، حتى يصير الصمتُ لغةً أخيرةً لا رجعةَ فيها... ؛ وفي المقابل، هناك "زَعْلُ العاصفة" الذي يَندلعُ بالصياح والشتائم، ويُختتمُ بالقطيعة أو العراك، كأنَّ المشاعرَ المُختنقةَ تبحثُ عن منفذٍ دراماتيكي لتُعلنَ عن وجودها.
الأسباب: جروحٌ تبحثُ عن كلمة
لا تنحصر أسباب "الزَّعْل" في السطحيات، بل هي تعكس جراحًا عميقةً في الذات الجمعيَّة... ؛ فبعضها ينبعُ من الإحساس المُتكرر بالخذلان ، خاصةً إذا جاءَ من أقرب الناس، كصديقٍ يهربُ عند الشدائد، أو قريبٍ يستغلُّ الطيبةَ لتحقيق مصلحة... ؛ وبعضها الآخر يرتبطُ بهشاشةِ الكبرياء في مجتمعٍ يربطُ القيمةَ الذاتيَّة بمدى "الاحترام" الظاهر، مما يجعل أيَّ لفظةٍ أو إيماءةٍ – حتى لو غير مقصودة – قادرةً على تحويلِ الإنسان إلى حطام... ؛ ولا ننسى دور "الحساسية المفرطة" التي تُضخِّمُ المواقفَ العاديَّة، فتُحوِّلُ نكتةً بسيطةً إلى إهانةٍ، وتأخيرًا بسيطًا إلى إهمالٍ مُتعمَّد.
النتائج: حين يصيرُ الزعلُ جدارًا
إذا كان "الزَّعْلُ" في بدايتهِ نداءً صامتًا للانتباه، فإن استمرارهُ يُصبحُ جدارًا عازلًا بين البشر... ؛ فالبعضُ يتحوَّلُ إلى "أسيرِ كبريائه"، يرفضُ الحوارَ حتى مع رغبتهِ الدفينة في المصالحة، مُعتقدًا أن الاعتذارَ اعترافٌ بالهزيمة... ؛ وآخرون يقررون "الهجرةَ العاطفيَّة"، فيُغادرون العلاقةَ دون إعلان، كأنهم يُعيدون تمثيلَ مشهد الخذلان الوطني على المسرح الشخصي... ؛ وهنا تكمنُ المفارقة: فكلما زادت حدَّةُ الزعل، زادت الحاجةُ إلى الحب، لكنَّ الكبرياءَ يُحوِّلُ هذه الحاجةَ إلى عداء.
الحلول: هل يكفي أن نحب؟
الحبُّ وحدهُ لا يشفي إذا لم يُرافقهِ وعيٌ بجذور الألم... ؛ فالمجتمعُ العراقي يحتاجُ إلى ثقافةٍ جديدةٍ تُعيدُ تعريف "الرجولة" بعيدًا عن القمعِ العاطفي، وتُشجِّعُ على الحوارِ بدلَ الصمت، والاعترافِ بالضعفِ بدلَ التماسكِ المزيَّف... ؛ كما أنَّ التجاوزَ عن الزعلِ يتطلَّبُ شجاعةً من الطرفين: شجاعةَ المُخطئ في الاعتذارِ دون تبريرات، وشجاعةَ ( الشخص الذي يزعل من هذا او ذاك ) في منحِ فرصةٍ ثانيةٍ دون شماتة... ؛ فالحلُّ يبدأُ عندما نتعلمُ أنَّ "الزَّعْلَ" ليس عارًا، بل جرسُ إنذارٍ يُخبرنا أنَّ شيئًا في علاقاتنا يحتاجُ إلى إصلاح.
الخاتمة: الزَّعْلُ... لغـةٌ بلا حروف
ربما يكون "الزَّعْلُ" تعبيرًا مُشوَّهًا عن حاجةٍ ماسَّةٍ إلى الحنانِ والفهم ... ؛ فهو لغةً بلا كلماتٍ يختلطُ فيها الألمُ بالأمل... ؛ وهو في النهايةِ ليس حكرًا على المجتمع العراقي، لكنَّ خصوصيتهُ تكمنُ في كونهِ مرآةً تعكسُ تراكمَ الأزماتِ في بلدٍ يُصارعُ من أجل البقاء... ؛ فكما يحتاجُ الفردُ إلى أن يُقال له: "أنا أسمعُك"، يحتاجُ المجتمعُ إلى مَنْ يسمعُ أنينَهُ الخفيَّ قبل أن يتحوَّلَ إلى زعْلٍ لا يُشفى .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء العيون في زمن متشظٍّ : سردية سريالية للالتقاء العابر وا ...
- التنكر للطائفية : إشكالية الإنكار وتضليل الممارسات الطائفية
- الأصدقاء: عائلة الروح ومرآة الذات
- الابتسامة المزيَّفة: قناعٌ من ذهب وحقدٌ من نار
- التشويه الديموغرافي وصراع الهوية: جرائم الاحتلال العثماني وا ...
- النزاعات العائلية والعشائرية في العراق: جذور التمزق الاجتماع ...
- العراق العلوي يدفع الجزية للحكومة الاموية في سوريا ؟!
- العراق وتنازلات السياسة الخارجية... بين الواقع والمأمول
- التعاون مع الإرهاب لمُكافحة الإرهاب : مُناقضة عَقَليّة أم خِ ...
- السياسة بين فن الممكن وواجب الدفاع عن الأرض: خور عبد الله ال ...
- التيه القيادي: أزمة الهوية والتبعية في الواقع الشيعي العراقي
- مليشيا حرس نينوى والتآمر التركي القديم المتجدد
- ظاهرة الجُعْصُ : حين تتحوَّلُ السجونُ من مراكزَ إصلاحٍ إلى و ...
- سوريا : من الربيع المزيف إلى مملكة الإرهاب
- متى تتعلم ( دونية ) الاغلبية العراقية من تجربة الدرزي قاسم ا ...
- احذروا من السوريين المتطرفين في كل مكان
- بين شَفرتَيْ المَصلحةِ والشيطانِ: السِّيَاسَةُ حِينَ تَرْقُص ...
- الماضي الدموي والحاضر المُنتج : قراءة نقدية في خطاب الكراهية ...
- النبط: أسلافنا المؤسسون
- السيارات الهجينة الكهربائية في العراق: ميزاتها، تحدياتها، وآ ...


المزيد.....




- ترامب يصف الحرب على غزة بالوحشية
- حماس: سنفرج عن الأسير مزدوج الجنسية الإسرائيلي الأميركي بعد ...
- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اغتيال شاب فلسطيني على يد المستعربين ...
- مصدر: تركيا لعبت دور الوسيط بين واشنطن وحماس لتحرير عيدان أل ...
- عضو بالكنيست الإسرائيلي: عودة عيدان ألكسندر تتم بفضل دولة أج ...
- موسكو لكييف.. التفاوض أولا ثم الهدنة
- سوريا.. حرائق الغابات تلتهم جبل التركمان بريف اللاذقية
- 1500 فلسطيني فقدوا أبصارهم جراء حرب الإبادة الإسرائيلية على ...
- تفاؤل بعد جولة رابعة من محادثات نووية بين واشنطن وطهران
- -كوكايين- على طاولة ماكرون وستارمر ومستشار ألمانيا.. هذه حقي ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - تحليل ظاهرة -الزَّعْل- في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، وآليات التعاطي معها