أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الابتسامة المزيَّفة: قناعٌ من ذهب وحقدٌ من نار














المزيد.....

الابتسامة المزيَّفة: قناعٌ من ذهب وحقدٌ من نار


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 14:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


النفسُ الإنسانيةُ بحرٌ من المشاعر المتلاطمة والمتناقضة ؛ تارةً تفيضُ دفئًا كأشعةِ شمسٍ ربيعيةٍ تُذيبُ جليدَ الوحدة وتضيء ظلام العزلة ، وتارةً أخرى تختزنُ في أعماقها عواصفَ صامتةً لا تُفصحُ إلَّا بلغةِ النظرات.
فالابتسامةُ الحقيقيةُ وديعةٌ كندى الفجر، تنبثقُ من شغافِ القلبِ لتَعْبُرَ ببراءتها حُجبَ الأقنعة، فتَخْطفُ الألبابَ بلمسةِ نورٍ تُحيي الأرواحَ العطشى إلى الصدق... ؛ إنها رسالةٌ روحيةٌ صادقةٌ، تُحوِّلُ القلوبَ القاسيةَ إلى كِيانٍ نابضٍ بالحياة، وكأنما تُنْبتُ زهرةً في صحراءِ المشاعرِ اليابسة.
والابتسامةُ الحقيقيةُ شُرفةُ الروحِ إلى العالم، تُطلُّ منها المشاعرُ الصادقةُ كأزهارِ الربيعِ تُنثرُ عطرَ الألفةِ بين القلوب... ؛ إنها لغةٌ لا تحتاجُ إلى ترجمة، تُذيبُ جليدَ الغربةِ بنورِها الدافئ، وتَحملُ في طياتِها رسائلَ وَدٍّ تُحوِّلُ اللقاءَ العابرَ إلى ذكرى تَعبقُ بالإنسانية... ؛ فهي كالنهرِ الصافي، يَجري بِلا تكلُّفٍ لِيُروي ظمأَ التواصُلِ بين البشر.
لكنْ في المقابل، ثَمَّةَ قلوبٌ ملوثةٌ بِسُمومِ النفاق والكراهية والحسد ، تختزلُ إبداعاتِها في فنونِ التمثيلِ البشع والرياء السمج ... ؛ و تُخفي خلفَ قناعِ البشاشةِ ضغائنَ تُشبهُ جمرًا تحتَ الرماد، وتُلبسُ وجوهَها أقنعةً ذهبيةً لِتُغطِّيَ عفونةَ ما في الصدور... ؛ هؤلاء لا تَخْفى عنهم حِيَلُ المسرح؛ فحينَ تَلْتقيهم صدفةً، وتُبادلهم تحيةً صادقةً، تَرَاهم يَجمحونَ بِمشاعرَهم المريضةِ كفرسٍ جامحٍ، فيُعيدونَ "برمجة" تعابيرِ وجوهِهم بِسرعةِ ساحرٍ مبتدئ!
تُلاحظُ كيفَ تَتشوَّهُ ملامحُهم لِحظةً، ثم تَطفو على أساريرِهم ابتسامةٌ مُصطنعةٌ كـ"سمٍّ يُرَشُّ على قِطعةِ حلوى"، أو كـ"وردةٍ مِن بلاستيكٍ تُخفي إبرةً مسمومة"... ؛ إنها ابتسامةٌ تَشْعُرُ معها أنَّ الهواءَ حولَكَ يَثْقُل، وكأنما تُجَاهِدُ لِتَنْفسَ في غرفةٍ مُغلقة!
هنا تَسقطُ الأقنعةُ، وتَظهرُ حقيقةُ النفوسِ القبيحة... ؛ فالبَشَاشةُ المُزيَّفةُ ليست إلَّا جريمةً أخلاقيةً تُمارسُها ذواتٌ فاقدةٌ للذوقِ والإنسانية والجمال ... ؛ إنَّها خيانةٌ للجمالِ الذي مِنَحَهُ اللهُ للوجوهِ لِتُعَبِّرَ عن نقاءِ الضمائر، لا لِتُخفيَ خلفَها وحوشًا تَتَربَّصُ بِأرواحِ الآخرين... ؛ فَيا لَهُ مِن مَشهدٍ مُهينٍ أن تَرى الإنسانَ يَخْتفِي وراءَ قِناعٍ مِن ذهبٍ، بينما يَحملُ في قلبهِ نارًا لا تَشتعلُ إلَّا بِحَرقِ مَن حولَه!
نعم فهنالك و في زاويةٍ مظلمةٍ من مسرحِ الحياة، تَختفي وجوهٌ تَتقنُ لعبةَ الأقنعة... ؛ تُلْبسُ كلَّ يومٍ رداءً جديدًا من التصنُّع، وتَنسجُ خيوطَ ابتساماتٍ مَشوهةٍ كـ"ورقٍ ذهبيٍّ يُغَلِّفُ سُمًّا ناقعًا"... ؛ هؤلاء يَتقنونَ رقصةَ التناقضِ ببراعةٍ مَرَضية : قلوبُهم تَئِنُّ بالحقدِ والحسد ، وألسنتُهم تَقطرُ عسلاً وشهدا ، ووجوهُهم تَتَقلبُ كالسحابِ قبل المطر!
حين تَلتقيهم، تَلمحُ فجأةً كيفَ تَتشنجُ عضلاتُ وجوهِهم، وكيفَ تَتَدافعُ أنفاسُهم لِتُخفيَ شرودَ النظراتِ المليئةِ بالريبة... ؛ ثمَّ تَطفو على السطحِ ابتسامةٌ مُثقلةٌ بالتَكلُّف، كأنها "غيمةٌ سوداءُ تَحملُ بَرْقًا بلا مطر"، تُخبركَ أنَّ ما تراهُ ليس إلَّا وَهْمًا يُخفي خلفَه غابةً من الأشواك.
هذه الابتسامةُ المَسمومةُ ليست مجردَ تعبيرٍ زائف، بل هي جُرحٌ في جسدِ الإنسانية... ؛ إنها خنجرٌ مَكسوٌّ بالحرير، يَطعنُ في ظهرِ الثقةِ ويَسرقُ براءةَ التواصُل... ؛ فَيا لَلَمأساةِ أن تَرى الإنسانَ يُحوِّلُ وجهَه — ذلك المُعجزةَ الإلهيةَ — إلى دميةٍ مُتحركةٍ تَعبثُ بها أيدي النفاق! وكأنما يقولُ لكَ بلسانِ حالِه: "هذا وجهي المُزيَّف، فخُذْه قناعًا لِألاعيبي، وانسَ أنَّ تحتَه قلبًا يَنبضُ بالضغينة!".
الابتسامة الصفراء هي قناع النفاق، وهي ابتسامة باهتة لا تعبر عن المشاعر الحقيقية... ؛ عندما نرى هذه الابتسامة ... ؛ أحذر واهرب من صاحبها هروبك من الاسد , واياك والثقة بكل من يبتسم لك ؛ فتلك الابتساماتِ الصفراء تَتشكلُ كالغيومِ المظلمة قُبيلَ العاصفة : رُبما تَحملُ في ثناياها صاعقةً تَقتلُ برودةُ قلبِها كلَّ ما هو جميل فينا ... ؛ ولا سبيل للخلاص منها سوى الاعتصام بِصدقِ المشاعر وصفاء النية والسريرة ؛ فهي وحدَها البوصلةُ التي تَهدينا إلى شواطئِ الإنسانيةِ الآمنة.
فَهل نَستغربُ بعدَ هذا أن تَتحولَ الابتسامةُ — رمزُ البراءةِ — إلى كابوسٍ يَزرعُ الشكَّ في النفوس؟!
الحقيقةُ أنَّ الجمالَ الحقيقيَّ لا يَحتاجُ إلى ألغازٍ أو أقنعة؛ فهو كالشمسِ تُشرقُ من غيرِ استئذان. أما الوجهُ المُزيَّف، فهو كـ"مرآةٍ مُشوَّهة"، تَكسوها طبقةٌ من الذهبِ لِتخفيَ تحتَها صدأَ الأخلاق.
وَهلْ نَلومُ الابتسامةَ أم نَلومُ أخلاقَ مَن يُسيئونَ استخدامَها؟! ا
الجوابُ يَكمنُ في أنَّ الجمالَ الحقيقيَّ لا يَحتاجُ إلى أقنعة؛ فهو يَصْدُرُ عن نقاءٍ داخليٍّ يُشبهُ الضياءَ الذي يَخرُجُ مِن بينَ شَفَتَيْ وردةٍ تَتَفتحُ للوجودِ بِلا خُططٍ مبيتة... ؛ أما الابتسامةُ الصفراءُ، فستَظلُّ دليلًا على أنَّ بعضَ النفوسِ تُشبهُ "ساعاتٍ تالفة"، تَظهرُ فيها العقاربُ مُشرقةً، لكنَّها لا تَتحرَّكُ إلَّا إلى الخلف!



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التشويه الديموغرافي وصراع الهوية: جرائم الاحتلال العثماني وا ...
- النزاعات العائلية والعشائرية في العراق: جذور التمزق الاجتماع ...
- العراق العلوي يدفع الجزية للحكومة الاموية في سوريا ؟!
- العراق وتنازلات السياسة الخارجية... بين الواقع والمأمول
- التعاون مع الإرهاب لمُكافحة الإرهاب : مُناقضة عَقَليّة أم خِ ...
- السياسة بين فن الممكن وواجب الدفاع عن الأرض: خور عبد الله ال ...
- التيه القيادي: أزمة الهوية والتبعية في الواقع الشيعي العراقي
- مليشيا حرس نينوى والتآمر التركي القديم المتجدد
- ظاهرة الجُعْصُ : حين تتحوَّلُ السجونُ من مراكزَ إصلاحٍ إلى و ...
- سوريا : من الربيع المزيف إلى مملكة الإرهاب
- متى تتعلم ( دونية ) الاغلبية العراقية من تجربة الدرزي قاسم ا ...
- احذروا من السوريين المتطرفين في كل مكان
- بين شَفرتَيْ المَصلحةِ والشيطانِ: السِّيَاسَةُ حِينَ تَرْقُص ...
- الماضي الدموي والحاضر المُنتج : قراءة نقدية في خطاب الكراهية ...
- النبط: أسلافنا المؤسسون
- السيارات الهجينة الكهربائية في العراق: ميزاتها، تحدياتها، وآ ...
- حادثة المهندس بشير خالد: قراءة في الأبعاد المؤسسية والتداعيا ...
- الازدواجية الرقمية: بين المجاملة الاجتماعية والحقيقة الخفية ...
- الافسد يطالب بمحاسبة الفاسد ؟!
- الحبر تحت الحصار: حين تصير الكتابة جريمة ونقمة !!


المزيد.....




- صناعة السيارات الكهربائية الصينية تستعد لغزو العالم.. هل أمر ...
- صناعة الساعات.. هل لها مكان في القرن الـ21 أم هي من الماضي؟ ...
- مرحباً بكم في أول سباق من نوعه.. -سباق الحيوانات المنوية-
- -بشروط-.. الإمارات تلغي حظر السفر على مواطنيها إلى لبنان بدا ...
- -الطريق إلى اتفاق أو حرب مع إيران يمر عبر السعودية- - هآرتس ...
- الحوثيون يستهدفون مطار بن غوريون بصاروخ باليستي، وإسرائيل تت ...
- مقتل شخصين في الفلبين إثر اصطدام سيارة بممر رئيسي في مطار ما ...
- استهداف مطار بن غوريون.. إسرائيل تهدد الحوثي بالرد -بسبعة أض ...
- موقع -واللا- العبري يكشف حقيقة دور تركيا بإلغاء زيارة نتنياه ...
- أردوغان: إسرائيل تتغذى على الدم والفوضى وخطواتها في سوريا ته ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الابتسامة المزيَّفة: قناعٌ من ذهب وحقدٌ من نار