رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمهيد تاريخي:
منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وحتى سقوط النظام الأسوأ في تاريخ العراق المعاصر عام 2003، كانت حصة الأسد من الوظائف والتعيينات والامتيازات المادية والمعنوية للمكون السني ثم الأكراد فبقية الأقليات... ؛ بينما ظلت الأغلبية العراقية بلا حصصٍ تُذكر، فلم تحصل إلا على فُتات الموائد ؛ اذ عانت الأغلبية الشيعية من تهميش اقتصادي ممنهج ومقصود .
وحتى بعد عام 2003، حافظَ السنةُ والأكرادُ وبقيةُ الأقليات على مستوى معيشيٍ جيدٍ مقارنةً بأبناء الأغلبية، لأسباب عديدة منها:
- امتلاكهم العقارات الكبيرة.
- استحواذهم على الأراضي الزراعية الخصبة.
- سيطرتهم على التجارة والأسواق.
- ارتباطاتهم الخارجية وحصولهم على منح مالية من أنظمةٍ طائفية وجهات خارجية.
- ادّخارهم أموالاً طائلةً حصلوا عليها عبر عقودٍ من الامتيازات غير العادلة والعطايا الحكومية .
لذا يُعدُّ من النادر رؤية كردي أو سني يتسوّل أو يبيع الماء في الشوارع، بخلاف حال أبناء الأغلبية.
وبعد التحسن المعيشي وارتفاع الرواتب وإطلاق حملة التعيينات (الأكبر عالميًا)، حصل الأكراد على:
- مليون درجة وظيفية.
- 450,000 راتب تقاعدي.
- 550,000 مستفيد من الرعاية الاجتماعية.
يعني مجمل المستفيدين من رواتب الدولة العراقية يقارب مليونيْن. فضلًا عن:
- استحواذهم على آبار النفط والغاز والمنافذ الحدودية
- استيلائهم على تجارة الخمور والسجائر وغيرها
- عدم التزامهم بقوانين الحكومة المركزية
- متاجرتهم بشتى أنواع الممنوعات بل حتى الجريمة المنظمة
- ناهيك عن عوائد السياحة من السياح العراقيين وغيرها من الموارد المادية.
ومع وفرة كل هذه المياه، كاكا مسعود البرزاني يشكو الظمأ...!!
علماً أن حكومة أربيل تدّعي أن عدد سُكّانها (أربيل ودهوك والسليمانية) يتراوح بين 4 إلى 6 ملايين كردي (بغض النظر عن المبالغة وتجنيس أكراد إيران وتركيا وسوريا)... ؛ ومع ذلك يحصل الأكراد على مليونيْ راتب من الحكومة المركزية!
ومع الموارد الاقتصادية المذكورة، سيكون الأكرادُ الأغنى في العراق، أو على الأقل لا يشكون جوعًا وعوزًا وبطالةً كحال مناطق الأغلبية العراقية ومحافظات البترول الجنوبية... ؛ ناهيك عن توفر كافة الخدمات وتطور البنى التحتية وكثرة المشاريع العمرانية والصناعية والتجارية والسياحية ووفرة الاستثمارات المحلية والأجنبية... ؛ وعلى الرغم من ذلك، لا تدفع أربيل فلسًا واحدًا للحكومة المركزية ... !
هذا حال الأكراد، فما بالك بالطائفة السنية المدلَّلة؟ إذ تشير بعض التقارير إلى:
- نسبة موظفيها: 35% إلى 45% (1,500,000 إلى 2,000,000 موظف)
- نسبة متقاعديها عالية جدا ؛ تخيل ان (550,000 عنصر من "جلادي ومجرمي الأجهزة القمعية وأعضاء حزب البعث المجرم وعناصر الحرس الجمهوري وزبانية صدام وفدائييه وأصدقائه ومرتزقته" يحصلون على رواتب مجزية) فما بالك بغيرهم ؟!
حتى وصل الأمر إلى:
- منح رواتب تقاعدية لعوائل "القتلة الإرهابيين والذبّاحة الطائفيين"
- تعويض الإرهابيين عن الأضرار التي لحقت ببيوتهم وأوكارهم الإرهابية
- توفير كافة الخدمات وإعادة إعمار المناطق التي شهدت نشاطات إرهابية ومعادية للحكومة والاغلبية والامة العراقية .
كذلك الأمر بالنسبة لرواتب ومنح وقروض الرعاية الاجتماعية؛ إذ حصل أبناء الطائفة السنية على أعلى النسب، حتى إن بعض النواب السنة يصرّحون في المجالس عن استعدادهم لتسجيل العوائل السنية في قوائم الرعاية الاجتماعية و بغض النظر عن مستواهم المعيشي...!!
أما أبناء بقية المكونات والأقليات (التركمان، الكلدان، الآشوريون، الشبك، إلخ):
- يُوظَّفون بنظام "الحصص - المحاصصة - " (المادة 125 من الدستور)
- التقديرات: 5% إلى 8% من الموظفين الاتحاديين (225,000 - 315,000 موظف)
- وقيل: أكثر من 500,000 موظف
- متقاعدوهم: 4% إلى 6% من مجمل التقاعدات العراقية (54,000 - 81,000 متقاعد)
- وقيل: أكثر من 200,000 متقاعد
مع الإشارة إلى أن مناطق الأقليات أفضل من مناطق الأغلبية العراقية في الخدمات والبيئة والمعيشة.
### إحصاءات توضيحية (بناءً على مصادر رسمية ودولية):
| المكون | نسبة التوظيف | عدد المتقاعدين | مستفيدو الرعاية الاجتماعية |
|--------------|--------------|----------------|----------------------------|
| الأكراد | ~22% | ~450,000 | ~550,000 |
| السنة | 35-45% | ~1.5-2 مليون | أعلى النسب |
| الاقليات | 5-8% | 54,000-81,000 | 4-6% |
ومن خلال هذا الجدول يتضح ان نسبة التوظيف للأغلبية العراقية لا يتجاوز 25 % على الرغم من الانفجار السكاني في مناطقها وكثرة الولادات ...!!
ووفقًا لأحدث البيانات الرسمية (نهاية 2023):
- إجمالي الموظفين في العراق : 4,495,000 موظف
- الموظفون المدنيون: 60%
- العسكريون والأمنيون: 40%
وملاحظة أن محافظات الوسط والجنوب هي الأكثر تضررًا وخرابًا وفقرًا وبؤسًا ونقصًا في الخدمات والبنى التحتية والمشاريع منذ 1921... ؛ وهذه إحصائية البطالة في المحافظات الجنوبية:
- ذي قار: 17%
- ميسان: 16%
- البصرة: 14%
(مع أن الواقع يشير إلى نسب أعلى ).
فضلا عن الفجوة الكبيرة في مجالات التنمية والخدمات والبنى التحتية والنشاط الصناعي والزراعي والتجاري وغيره ؛ بين محافظات الوسط والجنوب واقليم كردستان والمحافظات السنية ومناطق الاقليات كما مر عليكم انفا .
هذه التفاوتات تفسِّر احتدام الاحتجاجات في المناطق الشيعية، مقابل سكون المناطق الكردية والسنية... ؛ واستمرارُ تهميش الأغلبية وتفويتُ حقوقها لصالح المكونات الأخرى سيُفضي إلى انفجارٍ اجتماعي... ؛ عندها لن تُجدي الحلول الترقيعية أو الشعارات، او الخطب الدينية او اشغال الشعب بالمسرحيات السياسية المفتعلة نفعا ؛ بل يجب إعادة توزيع الموارد حسب الكثافة السكانية وحاجة المناطق المتضررة في ظل الحكومات البائدة والحالية .
وتبقى هذه الارقام والاحصاءات تقديرية ولا تمثل البيانات الرسمية او الاحصاءات الدقيقة ؛ اذ لا تُنشر في العراق إحصاءات رسمية دقيقة تُصنِّف الموظفين او المتقاعدين او البطالة او التعيينات والدرجات الوظيفية وغيرها على أساس طائفي او عرقي (شيعي/سني/ عربي / تركماني إلخ) بسبب حساسية الموضوع ؛ وذلك لاعتبارات سياسية ودستورية (المادة 14 من الدستور تحظر التمييز على أساس الطائفة) ... ؛ لكن يمكن تقدير الأرقام بناءً على:
1- بحسب نظام "المحاصصة" يوزع المناصب وكذلك الدرجات الوظيفية وغيرها على "الكوتات" (الشيعية، السنية، الكردية، المسيحية... الخ ) .
2- بحسب المناطق الجغرافية ؛ اذ يمكن تحليل نسب البطالة او التعيين وغيرهما في المناطق ذات الأغلبية الشيعية وغيرها (المحافظات الجنوبية والوسطى) بناءً على بيانات جغرافية واقتصادية ؛ وكذلك بالنسبة الى توزيع الوظائف بحسب المحافظات ذات الأغلبية السنية... الخ .
ومع ذلك اغلب هذه التقديرات مأخوذة من مصادر دولية رصينة وحكومية ودراسات ميدانية و تحليلات خبراء - (تقرير البنك الدولي 2023 عن التوظيف العام . / دراسات مركز كارنيغي] حول المحاصصة. / ديوان التقاعد الوطني ؛ بيانات عامة دون تفصيل طائفي ... . / وزارة التخطيط العراقية - المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة 2023 . / مشروع "مسح سوق العمل" بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ... الخ ) - .
ولا أدري ما وجه الحكمة في مشاركة الاكراد في الحكومة المركزية , وتدخلهم وتأثيرهم في القرار السياسي الوطني ؛ وفي الوقت ذاته لا يسمحون للعراقيين بالتدخل في شؤون الاقليم بتاتا ؛ بل وتتقاطع سياساتهم الداخلية والخارجية مع سياسة بغداد احيانا , والادهى والامر ان اربيل اصبحت وكرا للإرهابيين والخارجين عن القانون واعداء التجربة الديمقراطية والعملية السياسية والاغلبية والامة العراقية , فضلا عن انتشار الدوائر المشبوهة والجهات الدولية المعادية فيها , ناهيك عن نشر ثقافة الدعوة الى كراهية العراق والعراقيين والمطالبة بالاستقلال عن العراق والوقوف بصف اعداءه , وصيرورة الاكراد خنجرا مسموما في خاصرة العراق كما فعل حكام الكويت من قبل ولا زالوا .
وهل يعقل ان تتبرع الحكومة المركزية بكل هذه الرواتب والامتيازات لحكومة الاكراد الانفصالية , والتي تتصرف وكأنها حكومة دولة مستقلة وليست ادارة محلية لمحافظة اربيل او دهوك , والعجيب ان وزارة المالية تصرح مرارا وتكرارا بان الاقليم قد اخذ كل مستحقاته المالية ومع ذلك تتدعي ادارة اربيل الانفصالية بانها لم تحصل على شيء وتستمر بقطع الرواتب عن مواطني شمال العراق بهذه الذرائع والحجج ؛ ولا احد يستطيع محاسبتها عن مصير اموال كل هذه الموارد الاقتصادية واين تذهب ؟!
وهنالك امر من الاهمية بمكان ؛ اذ ان ناقوس الخطر يدق على ابواب محافظات العراق ؛ فقد حذر الخبراء وصندوق النقد الدولي وغيره من عدم استدامة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية (تشكل ~8% من موازنة 2024)... ؛ فضلا عن قلة السيولة النقدية , وصعوبة توفير الرواتب في الاشهر المقبلة بسبب التحديات الاقتصادية ؛ فلو اجتاحت العراق ازمة مالية واقتصادية خانقة , فمما لا شك فيه ان الضحية الاولى لهذه الانهيارات الاغلبية العراقية بالدرجة الاولى , وعندها هل تغامر الحكومة العراقية بقاعدتها الشعبية وبأبناء المحافظات النفطية لأجل عيون الادارة الانفصالية في اربيل , ام انها تعمل بواجبها الوطني تجاه اصحاب الحق الشرعي وهم ابناء الاغلبية وتقدمهم على دعاة الانفصال وتنفق خيراتهم عليهم ؟؛ فهم اولى بخيراتهم من غيرهم , وان كنا نذهب الى انه لا فرق بين عراقي وعراقي , الا ان الوضع هنا مختلف اذ يحتم علينا الضمير الوطني الجمعي تقديم الفئات الاكثر تضررا وبؤسا على غيرها من الفئات والجماعات ذات المستوى المعيشي والخدمي الجيد ... ؛ وعليه وبما ان الازمة الاقتصادية على الابواب , فلتبدأ الحكومة العراقية من الان بإيقاف حصة الاقليم من الموازنة وتحويلها الى الأغلبية العراقية وذلك من خلال النهوض بالواقع الخدمي والصحي والتعليمي والصناعي والزراعي والسياحي المتدهور والمزري , والذي لا يسر عدو ولا صديق .
الإشكاليات الرئيسية:
1. عدم التناسب السكاني:
- الأكراد (15-18% من السكان) يحصلون على 22% من الوظائف وموارد نفطية واقتصادية إضافية.
- المحافظات الجنوبية (ذات الكثافة الشيعية) تعاني بطالةً تصل إلى اكثر من 17% رغم ثرواتها النفطية.
2. انعدام الشفافية المالية:
- إقليم كردستان يتلقى 12.6% من الموازنة العامة مع احتفاظه بإيرادات النفط والمنافذ الحدودية وغيرها .
- عدم محاسبة حكومة الإقليم عن توزيع الرواتب رغم تصريحات وزارة المالية بتوفير المستحقات.
3. اختلال العدالة الاجتماعية:
- منح رواتب تقاعدية لقيادات النظام السابق وأسر الإرهابيين.
- تخصيص منح الرعاية الاجتماعية دون معايير دقيقة.
المخاطر المستقبلية:
- انهيار النظام المالي: الإنفاق على الرواتب والرعاية الاجتماعية (8% من موازنة 2024) غير مستدام (تحذير صندوق النقد الدولي).
- تفجّر الاحتجاجات: استمرار التهميش الاقتصادي للأغلبية الشيعية يهدد الاستقرار السياسي.
الحلول المقترحة:
1. إصلاح نظام المحاصصة: ربط توزيع الموارد بالنسب السكانية الفعلية والكفاءة.
2. توحيد السياسة المالية: مراجعة اتفاقية تقسيم إيرادات النفط مع إقليم كردستان.
3. إعادة هيكلة الدعم: توجيه الموارد للمناطق الأكثر فقراً (ذي قار، ميسان، البصرة).
4. تعزيز الشفافية: نشر إحصاءات رسمية عن التوظيف والرواتب وفق المعايير الدولية.
خاتمة :
التوازن الاقتصادي بين مكونات العراق ليس منّة سياسية، بل حق دستوري... ؛ و إصلاح هذا الملف يتطلب تجاوز الخطاب الطائفي والقومي نحو رؤية تنموية شاملة، قبل أن تتحول الاختلالات الحالية إلى أزمة وطنية تعيد العراق إلى مربّع الاضطرابات والثورات والاحتجاجات ... الخ .
#رياض_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟