أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الهوية العراقية بين التعدد والتماسك















المزيد.....


الهوية العراقية بين التعدد والتماسك


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 09:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


# المقدمة: إشكالية الوهم الثنائي
في هذه المقالة الموجزة نحاول اثبات فرضية أن الهوية الشيعية نسيجٌ عضويٌّ في البنية الاجتماعية العراقية بل علاقة الاغلبية العراقية بالهوية الوطنية اشبه بالهوهوية ، وأن محاولات فصلها عن الهوية الوطنية تتعارض مع قوانين الأنثروبولوجيا والاجتماع والتاريخ .
فالهوية العراقية ليست طبقيةً واحدةً، بل فسيفساءُ ألوانٍ تُكمل بعضها... ؛ والزعمُ بوجود تناقضٍ وتعارض بين هوية الأغلبية الشيعية والهوية الوطنية العراقية يُعدّ إشكاليةً مستوردةً تخالف البنيةَ الاجتماعيةَ العراقية التي تشكلت عبر قرون من التمازج ... .
# هل يُعقل أن تُلامَ النارُ لكونها حارّة؟!
لذا قيل ان الفلاسفة والعقلاء لا يسألون لماذا صارت التفاحة تفاحة بل يسألون عن ماهيتها ... ؛ كذلك الامر ينطبق على ما نحن بصدد التكلم عنه والبحث فيه ؛ فليس من المنطقي ان تقول لماذا صار العراقي عراقيا والشيعي شيعيا والعربي عربيا والفارسي فارسيا والتركي تركيا والزنجي زنجيا والصيني صينيا ... الخ ؛ فمن منا يجهل ان الله خلق البشر قبائل وشعوب واقوام ليتعارفوا ... .
وعليه قد تقدم - ولو من باب التعريف - قومية الانسان وديانته على انتماءه الجغرافي والتاريخي للوطن ؛ اذ يقال ان هذا الشخص عربي مسلم قبل ان يقال عنه انه سعودي او عراقي او مصري ... .
لعل البعض منكم يقول ان هذه الامور من الواضحات ؛ ومع ذلك الوضوح قد يتعامى البعض عن هذه الحقائق ؛ ويصر على خلق تعارضٍ وهميّ بين الهوية الشيعية العراقية والهوية الوطنية العراقية ... ؛ كمن يحاول فصل النور عن شمسه او التفريق بين الثلج والبياض... .

# التشريح الاجتماعي: النهر كنسيجٍ هيدرولوجيٍّ
فالعراقُ نظامٌ نهريٌّ متكامل: روافدُه (المكونات) ليست غريبةً عن جسده، بل هي شرايينُ تغذّي قلبه (الأغلبية) والمفروض منه تستمدّ الحياةَ ؛ وليس العكس , اذ لا يتقدم الفرع على الاصل باي حال من الاحوال , ولا الطارئ او العارض على الجوهر .
فالهوية الوطنية ليست حصاةً في جيب ، بل نهرٌ يتشكّل من روافدَ عدة ... ؛ فاذا قال المواطن : "أنا شيعيٌّ عربيٌّ عراقيٌّ" فهذا يعني : اعترافٌ بتعدّدية الكينونات والعناوين الاجتماعية ، ولا يعني انكفاءٌ عن الوطن او تعدد الولاءات والهويات ... ؛ فهذه الهويات طولية اي في طول سفر الهويات الوطنية وليست عرضية اي لا تتقاطع مع الهوية الام او الهوية الوطنية الكبرى الجامعة ان جاز التعبير ... ؛ فـ"الهوية الوطنية سِفرٌ مفتوح على هويات المكونات العراقية ، والعراقُ سِفرٌ تتقاطع فيه الأنهارُ والكلمات وتجتمع فيه الاقوام والجماعات .
نعم العراقُ يشبه نهرٌ كبير، لكنه ليس ماءً قراحا خالصًا بل هو ممزوج بعسلُ الجبال الكردية، والتلال الشمالية , وملحُ السهول العربية، وطينُ الأهوار، ودموعُ الأقليات المتجمّدة في أعماقه ... .
كما ان روافد دجلة ليست زوائد طارئة ؛ بل هي شرايينُ تُغذّي النهرَ الأصلي ؛ كذلك هي المكونات العراقية الاصيلة ؛ فعندما نتحدث عن الزابّ أو العظيم ؛ فهذا لا يعني إهمالًا لدجلة ؛ بل تأكيدٌ على أن "الجزءَ يحملُ سرَّ الكلّ" ؛ فكما ان الماء يتكون من جزيء الماء - H2O. - ؛ كذلك لا يُفهم الماء إلا في سياق النهر، والنهر لا يكون نهرًا إلا بتشظّياته.
والمجتمعُ العراقي اشبه بالساعةٌ الكونية: كلّ ترسٍ صغيرٍ (المكوّن) هو نجمةٌ تدور في فلك المصير المشترك... ؛و إهمالُ أيٍّ منها يُحوّل الوقتَ إلى فوضى، والفوضى إلى ثقوبٍ سوداء تبتلع الزمنَ العراقيّ ... .
فالكلّ أكبر من مجموع أجزائه ... ؛ الا ان تأثير الشيعيّ في السنيّ، والعربيّ في الكرديّ، ليس قانونًا اجتماعيًّا فحسب، بل هو "تشابكٌ وجوديّ ... ؛ فحين حين يُجرَح جنديٌّ في البصرة، تهتزّ جبالُ السليمانية، لأن الجسدَ الاجتماعيَّ كائنٌ حيٌّ واحد ... .
#الأغلبية الشيعية والفسيفساء العراقية: تحديات وصور التعايش وبناء الهوية الوطنية الجامعة
وهوية كل بلد تعتمد بالدرجة الاولى على سكانه الاوائل ومواطنيه القدامى ؛ وبما ان الاغلبية العراقية الاسلامية الشيعية العربية تمثل البوتقة الوطنية التي انصهرت فيها اقوام بلاد الرافدين الغابرة واديان وطوائف وثقافات العراق القديمة … ؛ اضحت الاغلبية العراقية تساوق مفهوم الامة العراقية ؛ وهذا لا يعني خروج الاخرين من دائرة مفهوم الامة العراقية ؛ فأثبات الشيء لا ينفي ما عداه ؛ فنحن هنا نتكلم عن النسب الوطنية في التركيبة السكانية العراقية وتأثيرها على التاريخ الوطني والثقافة العراقية والهوية الشعبية ؛ اذ مما لا شك فيه ان نسبة الاغلبية عالية جدا , ولا تقارن بها اية فئة او مكون او مجموعة اخرى , مما جعلها تتصدر المشهد العراقي طوال التاريخ ؛ ولعل هذه المقولة المنسوبة لصدام تكشف لنا حقيقة الامر ؛ فقد نقل احدهم في احدى البرامج المتلفزة ؛ انه قال لصدام : لماذا تحاربون شعائر الدين الشيعية كالتطبير ولا تحاربون طقوس الدروشة والدراويش ؛ فأجابه صدام : ان الاولى واسعة الانتشار وتمثل ثقافة العراق و لسان حال الوطن ؛ بينما الظاهرة الثانية محدودة ومحصورة ولا تعكس ثقافة الشعب العراقي …!! ؛ فوجود الهوية العراقية يعتمد اعتمادا كليا على وجود هوية الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ فكلاهما وجهان لحقيقة واحدة ؛ و من ذلك نتعرف على ان الوحدة الشيعية العراقية سبيل للوحدة الوطنية العراقية ؛ فهي تفضي اليها فيما بعد , و وحدة الشيعة ليست صمام امان للأغلبية الوطنية الاصيلة فحسب ؛ بل هي صمام امان وقارب نجاة للامة العراقية جمعاء …
وعليه لا يمكن ان نحقق الاهداف الوطنية والسيادة العراقية الا من خلال التأكيد على هوية الاغلبية العراقية الاصيلة و العمل على وحدتها الوطنية ورص صفوفها الجماهيرية … ؛ فنحن اليوم معنيون بفتح ابواب الحوارات الشيعية المختلفة والتي تفضي الى وحدة الاغلبية العراقية لاسيما فيما يتعلق بثوابت الهوية العراقية والسيادة الوطنية والثوابت السياسية … , وعلينا مقاطعة ومكافحة الذين يغردون خارج السرب الشيعي العراقي الوطني ؛ فلابد من العمل الدؤوب من اجل ان يكون جميع ابناء الطائفة الشيعية العربية العراقية تحت مظلة وحدة الاغلبية العراقية والتي تمثل وجه العراق الحقيقي والبهي … ؛ ومن هنا تعرف ان دونية الشيعة وحمقى وجهلة و مرتزقة الاغلبية العراقية الاصيلة ضررهم لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال الهوية الوطنية والامة العراقية برمتها … ؛ فمن العار ان تتدعي انك مواطن عراقي اصيل وعربي شيعي نبيل اولا ؛ وصاحب انتماءات اخرى ثانيا ؛ ولا شغل لك سوى الانسياق خلف الدعايات والافتراءات المنكوسة , والسيناريوهات المفبركة التي يبثها اعداءك واعداء بني جلدتك … ؛ ونقد التجربة السياسية الديمقراطية بشتى الطرق القانونية وغيرها , بل والعمل على اسقاطها جملة وتفصيلا , والدعوة الى العودة الى زمن التسلط التكريتي والاجرام البعثي والرعب الصدامي … , بالإضافة الى حصر ظاهرة النقد الهدام وحملات التسقيط والتخوين والقدح والاستهزاء والسخرية داخل دائرة الاغلبية العراقية فحسب … ؛ فإلى متى يستمر هذا القيء السمج , وجلد الذات , والقيح المليء بالدونية وفقدان الهوية والغيرة الوطنية الشيعية الاصيلة ؟!
وهذا لا يعني ترك النقد البناء وعدم بذل الجهود الوطنية المخلصة لتصحيح الامور وبالطرق الذكية والوسائل السلمية والادوات العلمية والواقعية ؛ وذلك من خلال تمكين شرفاء واحرار وغيارى وكفاءات وشخصيات الاغلبية والامة العراقية سياسيا , وتشجيعهم على تبوء المناصب الحساسة والمهمة , ودفعهم للسيطرة على كافة مرافق الدولة الاقتصادية والثقافية والعامة , و مراكز القرار الديني والاجتماعي والاعلامي … الخ .
ولعل خطورة المواقف الدولية وتربص الاعداء بنا , وشدة بأس خصومنا واجرامهم ؛ يجعلنا نغض الطرف عما جرى بين بعض فصائل وجماعات وفئات وشخصيات واحزاب الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ ونغفر لهم اخطاءهم وهفواتهم احيانا ؛ بل ونصبر على حماقات البعض منهم وتصرفات وقرارات البعض الاخر السلبية … ؛ وندعو الى حلحلة المشاكل والملفات الشائكة من خلال الحوار الودي فيما بيننا ؛ وذلك تجنبا للصدام الدموي او الانزلاق نحو مستنقع الحروب الاهلية والصراعات الداخلية المدمرة ؛ فلا سبيل للنهوض بالعراق والاغلبية والامة العراقية الا من خلال تفعيل ادوات الحوار الحضاري بين ابناء الاغلبية العراقية ومن ثم بين ابناء باقي مكونات الامة العراقية الاخرى … .
ومن اعظم الاخطاء التاريخية الفادحة التي اعترضت طريق احرار وغيارى الامة العراقية ؛ الخلط المقصود والفكر المنكوس الذي طالما ربط بين وجود الشيعة كوجود بشري قديم ومكون اجتماعي اصيل وبين المدارس والعقائد الدينية التي تتدعي تمثيل الشيعة والتشيع , وتختزل سكان العراق الاصلاء ؛ بفكرة دينية واحدة ومدرسة مذهبية فاردة .
و ظلت بعض الحركات الإسلامية الشيعية العراقية على مدى عقود من الزمن ؛ تحشد التعاطف الجماهيري وتوسع القاعدة الشعبية المساندة لمشروعها الهلامي ؛ وبوسائل بدائية وادوات بسيطة ؛ وتستجدي الدعم المادي من هذا وذاك ؛ والذي لا يوظف بصورة صحيحة لخدمة الاغلبية العراقية بل يذهب بجيوب بعض العوائل الدينية والشخصيات الاسلامية ذات الاصول غير العراقية ؛ ومع كل هذه السلبيات والخطوات المتعثرة ؛ حققت بعض التأييد الشيعي العراقي والدعم الجماهيري ؛ لا لكونها اهلا لذلك , او جاء هذا التأييد نتيجة للجهود المنظمة الحثيثة ؛ بل لفراغ الساحة العراقية الشيعية من غيرهم , ولاندفاع الاغلبية العراقية وراء كل صوت معارض حتى وان كان تافها وسطحيا واجنبيا وغريبا ومنكوسا , وتصديقهم بالأدعياء من اشباه القادة والرجال وانصاف المتدينين , والخطباء المأجورين و (الروزخونية ) النفعيين … ؛ والمصيبة ان هؤلاء يدعون ادعاءات اكبر من حجمهم وفكرهم الضحل ؛ ويبشرون بمشاريع وبرامج سياسية واجتماعية وثقافية واخلاقية واقتصادية … ؛ تكون بديلة عن المشاريع والرؤى الحضارية والمدنية والسياسية التي تبشر بها الاحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية … ؛ وعندما يعرضون بضاعتهم الكاسدة والفاسدة على الجماهير البسيطة ؛ يربطون بينها وبين الاسلام ؛ ويتشدقون بأن الحل يكمن في الاسلام والاسلام فحسب , وهم يقصدون بذلك اسلامهم المشوه والمقلوب ؛ فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشهيد المطهري : ( انا احب الاسلام بشرط ان اكون انا حجة الاسلام ..!! ) … فهم يعتقدون انهم باب الله , وفكرهم يمثل شرع الله , ومن خالفهم ؛ حلت عليه لعنة الله …!! .
وعلى الرغم من تسنم البعض منهم المسؤولية العامة واحتكارهم للأموال السياسية والدينية الطائلة ؛ واعتمادهم على المخزون الروحي العراقي والذي يشكل اساسه الاسلام العلوي – ان جاز التعبير – … ؛ وتسلم بعضهم زمام السلطة بعد العام 2003 ؛ الا انهم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق امال الشيعة وتطلعات الاغلبية العراقية الاصيلة في الحياة الكريمة والعيش الرغيد … ؛ ولا زالوا والى هذه اللحظة يخلطون بين تعاليم الاسلام النبيلة وبين سلوكيات احزابهم وتنظيماتهم السياسية الفاسدة والمشبوهة والمنكوسة ؛ ولأنهم يدعون التدين , ويتكلمون نيابة عن المتدينين ؛ صارت هذه الحركات والاحزاب والتنظيمات جزءا من الدين وتعبيرا عنه ؛ فلا يؤخذ الدين من سواهم ؛ وان الحقوا به افدح الاضرار المعنوية وشوهوا سمعته التاريخية .
فقد كرست بعض الحركات الإسلامية الشيعية لدى عموم العراقيين الاصلاء فكرة احتكارها للدين وأن المخرج من حالة الاستبداد والفقر والجهل والظلم … ؛ هو تطبيق الشرع والذي قد يبيح لهم سرقة اموال الشعب والوطن بذرائع وحجج مختلفة … ؛ ومن المعلوم ان هذه العوائل الدينية والحركات الاسلامية القشرية فقدت بريقها وشعبيتها ابان حراك الشيوعيين واليساريين والقوميين والبعثيين والعلمانيين والمثقفين في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم … حتى ان اغلب ابناء العوائل الدينية وقتذاك ؛ ارتموا في احضان تلك الاحزاب المعارضة للدين جملة وتفصيلا ؛ الا ان اجرام النظام البعثي التكريتي ودموية السلطة آنذاك , واضطهادها لمختلف المعارضين وانقلابها على الشيوعيين … ؛ دفع الاغلبية العراقية للتعاطف مع تلك الحركات والاحزاب ولو بصورة محدودة ؛ واستثمرت تلك الاحزاب والحركات هذا الامر ؛ ومارست دور الضحية , والاغلبية تتعاطف مع ضحايا الحكومات الطائفية بصورة عفوية ولا ارادية … ؛ وبهذه الثنائية السياسية السلبية , حصدت تلك الاحزاب والحركات ثمارا لم تزرعها قط , وانما جادت بها يد القدر .
وعليه لابد لنا من وضع دستور وطني وعرف عراقي متفق عليها بين كافة الفصائل والحركات والاحزاب والشخصيات والتوجهات الشيعية وبغض النظر عن عقائدها الدينية واراءها الاسلامية ؛ اذ اننا في هذا المقام نتحدث عن اغلبية سكانية ومكون اجتماعي لا عن طائفة دينية او مجاميع من الملتزمين دينيا بهذه المدرسة الدينية او تلك … ؛ ويمثل كافة مصالح وتطلعات وتوجهات ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ بما يضمن حرية الرأي وسيادة الهوية الوطنية العراقية الاصيلة ؛ وهذا الامر يتطلب من الجميع التنازل عن بعض مطالبهم الشمولية ونظرتهم الدوغمائية وآرائهم الجزمية , و وضع قواعد سياسية وطنية واقعية وعلمية وركائز ثقافية تسود المشهد العراقي ؛ ولا يحق لأي شخص او جهة او فئة الخروج عليها … ؛ كي نسدل الستار على صفحات الاتهام بالعمالة والتخوين , والتراشق بالسباب والشتم , ورفع الشعارات الطنانة والتشدق بالخطب والعبارات الرنانة ؛ ونعمل بروح الفريق الواحد … .
# الشواهد التاريخية لتغييب هوية الاغلبية العراقية واقصاءها سياسيا
في زحمة الاحتلالات التاريخية الاجنبية الغاشمة , والثورات والصراعات الشعبية المستمرة والمريرة ؛ وصولا الى قسوة الانظمة السياسية الطائفية المستبدة العميلة المنكوسة المعاصرة ؛ تم استبعاد واستعباد العراقي الاصيل بشتى الطرق والحيل الملتوية ؛ مما افقده توازنه واستقراره وغيب وعيه , و صادر حريته الكاملة وحقه الطبيعي في الحياة والكرامة والمساواة والتطور والتفكير الايجابي والانطلاق والابداع ... الخ ؛ فراحت الاغلبية العراقية ومعها مكونات الامة العراقية الاصيلة الاخرى تتخبط خبط عشواء وتبحث في متاهات الضياع ؛ علها تعثر على طوق نجاة او قارب خلاص .. او تكتشف الطريق القويم الذي يقرب المسافات ويوصلهم الى الهدف المنشود .. , واضحى العراقي المضطهد والمحروم والمحتار والتائه يعبر عن مشاعره المتناقضة وعقله المضلل وهويته المغيبة بنظريات وشعارات واطروحات طوباوية خيالية او هلامية مطاطية او لا تمت لتاريخه الوطني و واقعه السياسي بصلة ؛ اذ انها اشبه بالسراب الذي قرب منه البعيد وابعد عنه القريب , وبالتالي امست النتائج عكسية وصار كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ فلا النظام الملكي ولا خلفه الجمهوري ولا الشيوعية الاممية ولا شعارات القومية العربية ولا الحركات والدعوات الاسلامية ولا البعث بشقيه اليميني واليساري ... الخ استطاع ان يحقق ولو جزءا يسيرا من احلام وامال وطموح وتطلعات ابناء الامة العراقية .
فعندما حاول العراقي نقل هذه النظريات الغريبة والشعارات المنكوسة والمبادئ والتصورات الاجنبية الى حيز التطبيق والواقع الخارجي لم تكن بأفضل من نظريات وشعارات عهود الانظمة السياسية المنكوسة السابقة الفاشلة , ولم تكن كما تصورها العراقي الاصيل المضطهد المظلوم .. ؛ بل اثبت له التطبيق خيبة الامل وفرض عليه معاناة جديدة ... وهكذا دواليك .
و اصبح حالنا كحال الشخص الذي يسكن قر ب مستنقع موبوء مليء بالجراثيم والبعوض , فهو معرض بين الفينة والاخرى ل : لسعات البعوض التي تؤدي فيما بعد لإصابته بالأمراض , فيهرع اهله لأخذه الى المستشفى لتلقي العلاج وبعد شفائه يعود مرة اخرى الى سكنه القريب من المستنقع وتتكرر الحالة وتستمر المعاناة ... ؛ ولو كان فيهم شخصا حكيما او فردا واعيا لعمل على طمر المستنقع والتخلص منه بصورة نهائية كي لا يضطروا الى الذهاب للأطباء والمستشفيات لتقلي العلاج من الاصابات المتكررة والى صرف الاموال وانهاك الاجساد ..وهذا المثال ينطبق علينا تماما فطالما بذلنا الجهود والاموال وصرفنا الطاقات وهدرنا الوقت والثروات لتبني الاطروحات المنكوسة الباطلة والفاشلة ورفع الشعارات الهلامية التافهة ؛ مما دفعنا فيما بعد لاتهام بعضنا بعضا وقتال بعضنا للبعض الاخر؛ ونحن نعرف حق اليقين ان سبب بلاءنا كله هو الاستعمار والاحتلال بدءا من الاحتلال المغولي ثم التركي وصولا للأمريكي , بالإضافة الى عبث المخابرات الدولية والمنظمات المشبوهة العالمية ودول الجوار بأمننا و وطننا .
و لكن للأسف طالما تلاعب بنا الاستعمار والاستكبار وصيرنا ادوات من حيث نشعر او لا نشعر لتنفيذ اجنداته ومؤامراته ومخططاته الخبيثة ؛ ونحن في واقع الحال مجرد بيادق شطرنج تحركها ايدي الاحتلال والاستعمار والمخابرات الخفية – لاحول ولا قوة , ولا سيادة ولا هم يحزنون - ؛ وكل حزب بارتباطاتهم الاجنبية فرحون ..!! .
# معادلة الاستقرار: من "زنبرك الساعة" إلى "قانون الدومينو"
الخللُ في المكوّن الأكبر - الاغلبية العراقية - ككسرِ الترسِ الرئيس في الساعة: يتوقف النظامُ كله عن الدوران ... ؛ لذا قلناه مرارا وتكرارا : ان اي خلل يصيب عضو من اعضاء الاغلبية سوف يصيب جسد الامة العراقية برمتها فيما بعد ... ؛ فالعراقُ يشبه ساعةٌ عظمى : كلُّ ترسٍ (مكون) يدور في مكانه، لكنّ عقاربَ المصير تشير إلى اتجاهٍ واحدٍ هو الوطن ... .
# قوانين التداخل الاجتماعي (حسب نظرية "الشبكات" لمانكور أولسون):
| الحدث التاريخي | التأثير على النظام الاجتماعي |

| تهميش الشيعة (1921-2003) | تفجيرُ 12 ثورةً وتمرداً (حنا بطاطو) |
| إقصاء السنة (2003-2007) | ارتفاعُ معدلات العنف إلى 80% (معهد بروكينغز) |
| إهمال المطالب الكردية | اندلاع 4 حروب أهليه (1974-1998) |

# الأصالة والمواطنة: تصحيح المفاهيم :
الجنسية العراقية : ليست سِفنجةً تمتصّ الأصول
ان الارض تذكرُ أقدامَ الأوائل وسواعد ابناءها القدامى ، لكنّ الترابَ لا يرفضُ الغرباء والدخلاء والاجانب ؛ فالعراق يعرف تمام المعرفة من هم ابناءه ومن هم المهاجرون اليه من مختلف الاصقاع , والتاريخ حفظ كل شيء , ولعل هذا الامر لا يختص بالعراق فقط , اذ ان اغلب دول العالم تعرضت لهجرات مختلفة في تاريخها الطويل , فالهوية الوطنية ليست متحفَ أحافير ؛ اذ قد تتوسع لتضم اليها مصاديق جديدة من المهاجرين الجدد , حتى بريطانيا المحافظة هي اليوم تحمل هوية هجينة (أنغلوسكسونية + نورمانية + كاريبية) كذلك المانيا الارية تضمّ ٢٥٪ من أصولٍ غير جرمانية.
الا ان هذا لا يعني التنكر للهوية الوطنية وتاريخ سكان الارض القدامى ؛ لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بأبناء الوطن الاصلاء ؛ الا ان الاعترافُ بامتياز الأقدمية لا يعني تهميشَ الوافدين والمهاجرين الجدد ... ؛ فبعد اكتساب الجنسية العراقية اصبح العراق سقفا يحمي الجميع ... ؛ فالهوية الوطنية اشبه بالشجرةٌ الباسقة: جذورُها ضاربةٌ في التربةِ التاريخية، لكنّ ظلَّها وارفٌ للجميع ... .
الخاتمة: نحو بلّورة الهوية الشيعية كحارسٍ للكلّ
حين تعمل النخبُ على صقل الهوية الشيعية (كفرعٍ أصيلٍ في النهر العراقي)، فهي لا تحفر خنادقَ الطائفية، بل تُشيِّد سدودًا ضدّ التشظّي الذي يُهدّد النهرَ بأكمله... ؛ فحمايةُ الهوية الفرعية فضلا عن هوية الاغلبية المعاصرة والتاريخية ليست انعزالًا او تقهقرا ، بل هي "تعبيدٌ للطريق نحو الانصهار في بوتقةٍ أكبر" الا وهي الهوية الوطنية الجامعة الكبرى... ؛ فالعراقُ ساعةٌ كونيةٌ لا تعمل إلا إذا أدرك كلّ ترسٍ أنّه نجمةٌ في مجرةٍ اسمها الوطن... ؛ لاسيما وان التاريخ يذكرنا بحقيقة لا تقبل الدحض الا وهي محافظة الشيعة على الهوية العراقية , وذلك من خلال :

- مقاومة المغول والتتار (المرجعية في الحلة و النجف الاشرف ) .
- مقاومة الاحتلال العثماني (ثورات المنتفق والجنوب والوسط ) ورفض سياسة التتريك .
- مقاومة الاحتلال البريطاني ( الجهاد ضد الانكليز وقيام الثورات ضدهم واشهرها ثورة العشرين ) ورفض سياسة تهنيد العراق .
- مقاومة الحكومات الهجينة ذات الجذور الاجنبية والغريبة , ومعارضتها .
فتعزيزُ الهوية الشيعية ضرورةٌ وطنيةٌ لأنها تؤدي الى :
1. حفظ التوازن: استقرارُ 65% او 70 % من السكان (الشيعة) يُجنّب العراقَ أعاصيرَ التفكك.
2. إنتاج التماسك: صياغةُ هويةٍ شيعيةٍ جامعةٍ (كالهوية المالكية في المغرب) تمنع الاختراقات الطائفية , وتقوي اللحمة الوطنية بين ابناء المكون الشيعي .
3. نموذج الاندماج: تبني "نظام الكانتونات الثقافية" السويسري (حكم ذاتي ثقافي + انتماء وطني) بالنسبة للأقليات ومكونات الامة العراقية , اما الاغلبية العراقية فهي التي تمثل الهوية الوطنية بصورة رسمية ورئيسية بمعية الهويات الفرعية الاخرى ؛ كما تمثل الاباضية سلطنة عمان , والهندوسية الهند , والوهابية السعودية ... ؛ مع مراعاة وملاحظة التمثيل الاجتماعي العام للمكون وليس المقصود بذلك العقائد الدينية والطقوس والشعائر المذهبية فحسب .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجولاني: عميل بصيغة -ثائر-.. من سجون الاحتلال إلى حضن الاست ...
- أنت لستَ فاهمًا، ولا أنا جاهلٌ
- معاداة الشيعة.. عقدة مستعصية و عداء بلا منطق و-إيران- مجرد ذ ...
- الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدين ...
- دور الأموال في تغيير القناعات وشراء الذمم : الانتخابات بين ا ...
- في زمن العبث والانكسار... حين يغدو الزيف قانوناً
- عصابات الجولاني في خدمة الاستكبار : من تواطؤ معلن إلى عدوان ...
- تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على ايران
- بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية
- الحرب الاقتصادية : سلاح صامت دمّر العراق بصمت أشد من دوي الم ...
- عينٌ في كفّ الشرطي... والعراق أعمى ؟!
- حين تُصبح الجماعة عبئًا... عُزلة الإنسان كخلاص
- إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي
- لأنك عراقي .. انتخب
- هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب ا ...
- كارثة التجنيس في العراق: حين تُهدَر الهوية وتُمنح الأرض للغر ...
- إشكالية رواتب المكونات العراقية بين الاستحقاقات الفعلية والم ...
- الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...


المزيد.....




- عملية -مطرقة منتصف الليل-.. كيف اتخذ ترامب -القرار التاريخي- ...
- تحليل لـCNN: هجوم ترامب على إيران يعد انتصارا لنتنياهو لكن ا ...
- واشنطن تصدر -تحذيرا عالميا- على خلفية الصراع بالشرق الأوسط و ...
- أولمرت: الضربة الأميركية لإيران منحت نتنياهو فرصة لن يفلح با ...
- مصادر: إسرائيل تقبل إنهاء الحرب إذا أوقف خامنئي إطلاق النار ...
- علماء يكتشفون فئة دم فريدة من نوعها في العالم
- كم عدد الطائرات التي شاركت في قصف منشآت إيران النووية؟
- غروسي يعلّق على وضع مواقع إيران النووية بعد القصف الأميركي
- إسرائيل تنفذ ضربات على أهداف في إيران
- -أكسيوس-: ترامب لا يريد مواصلة ضرب إيران إلا في هذه الحالة


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الهوية العراقية بين التعدد والتماسك