أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض سعد - الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية والدولة المفقودة















المزيد.....

الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية والدولة المفقودة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 09:28
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في زوايا التاريخ المنسي، وفي صفحات المعاناة التي لم تُروَ كاملة بعد، تقف الجماعة الشيعية العربية في العراق شاهداً على واحدة من أكثر التجارب تعقيداً وتشظّياً وتشرذما في الذاكرة التاريخية والحديثة... ؛ هذه الجماعة، التي تشكّل الغالبية السكانية في العراق فضلا عن جنوبه و وسطه ، لم تُنصف لا من الأعداء ولا من الأبناء - ولا من الاصدقاء ان وجدوا -، وظلت تتأرجح بين استغلال الطغاة وابتزاز الساسة ورجال الدين وشيوخ العشائر , واحتواء الطقوس الشكلية والعادات والتقاليد البالية , ومع كل جولة سياسية أو دينية أو عسكرية، يُستحضر وجعها العتيق ويتكرر استغلالها القديم الجديد .
الخط المنكوس ومعاداة الأصلاء
أن الخط المنكوس واتباعه ؛ خط غامض ومعقد اذ يتقاطع فيه الداخل مع الخارج، والعميل مع الجاهل، والمندس مع الساذج , والتاريخ بالحاضر ... ؛ و هذا الخط لا يضمر سوى العداء للعراقي الأصيل، وبالأخص من أبناء الأغلبية الشيعية العربية... ؛ الا انه لا يُظهر عداوته بشكل مباشر، بل يتقمص هيئة النصيحة والتدين والحرص تارة ، ويدعي الوطنية والقومية العربية تارة اخرى... ؛ بينما ينفذ خططاً غايتها تحطيم وعي الفرد العراقي الاصيل , وتفكيك البنية النفسية والاجتماعية للأغلبية العراقية الاصيلة .
تحت هذا الغطاء، تروّج منظومات كاملة لبرامج تسطيح وتجهيل، تدفع باتجاه صناعة مجتمع منفصل عن واقعه، مستغرق في مظاهر حزنه، منعزل عن أدوات النهضة، مهجوس بالتكرار لا بالتجديد، وبالشكليات لا بالمضامين.
طقوس محبطة ونهضة مؤجلة
من المفارقات المؤلمة أن يتحول الحزن إلى منظومة يومية، تلتهم أيام السنة بأكملها دون فسحة فرح أو تجدد او استراحة ... ؛ ففي كل شهر مناسبة حزينة، وفي كل حيّ مأتم، وفي كل زاوية مجلس لطم وتطبير ... فضلا عن المناسبات الاجتماعية والعادات والتقاليد التي أكل الدهر عليها وشرب ... ؛ هذه الطقوس الدينية والتي يُفترض بها أن تكون محطات روحية وتأملية وتنموية ، تحوّلت إلى وسيلة خفيّة لتعطيل الإنتاج والعلم والعمل ولتبذير الاموال والموارد الاقتصادية ؛ حتى أصبحت المدن خاوية، والجامعات فارغة، والمصانع متوقفة، والشباب غارقاً في القبور قبل أن يدفن فيها... ؛ حتى وصل الامر بالبعض ان يستجدي المال من هذا او ذاك لأجل اقامة المناسبة الدينية والاجتماعية ...!!
وبدلاً من النهوض بالتعليم والصناعة والزراعة والسياحة والتجارة والتقنية والتكنولوجيا ، بات قسم كبير من أبناء الأغلبية أسرى للكافيهات والمقاهي والأراجيل والمخدرات واللطميات والاغاني والاناشيد والهوسات ، أو عالقين في دوامة اللاجدوى، يلاحقون أخبار المناسبات والبطولات الرياضية والموضات الغريبة، ويمنحون أموالهم للغرباء والاجانب تارة باسم "الكرم الديني" واخرى بذريعة الكرم القبلي وثالثة بحجة البذخ العراقي ... ؛ بينما لا يجد فقراؤهم قوت يومهم ولا مرضاهم ثمن علاجهم ؛ ناهيك عن ان مدنهم وقراهم ومناطقهم تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة وتنعدم فيها الخدمات الضرورية ...!!
تشويه الاقتصاد وتبديد الموارد
بخلاف ما تدعو إليه النصوص الدينية والسيرة العقلانية من عقلانية وتوازن في الإنفاق وترشيد الاستهلاك ، تم توجيه الأغلبية الشيعية نحو تبديد أموالها وطاقاتها وجهودها في مناسبات متكررة ومبالغ فيها، بحجج دينية قد يغلفها الغلو والادعاء المشبوه والمشكوك فيه , وعادات اجتماعية مزيفة، في حين أن الجهات والشخصيات التي تسوّق لها هذه الطقوس تكنز الذهب والفضة وتحسب للدينار ألف حساب وتوصي ذويها بالبخل والتقشف والاقتصاد والاستثمار ...!!
هذه الازدواجية ليست عبثية، بل مقصودة وممنهجة؛ غايتها جعل العراقي الأصيل معوزاً وفقيرا وتابعا وذليلا ومتأخرا ومريضا وعاطلا ...؛ و غير قادر على المبادرة أو الاستقلال الاقتصادي، ولا يملك إلا اللطم والتظاهر والصياح كوسيلة للاحتجاج، وليس لديه مشروعاً للبناء والتقدم والاعمار والازدهار والاكتفاء ... .
التحكم بالذات الجمعية عبر الدين والتقاليد والاعلام المنكوس
عمل الخط المنكوس، عبر الإعلام والقيادات المزيّفة، على صناعة نوع من التدين الشعائري الفارغ، مرتبط بالحزن والمبالغة في العزاء، ومفصول تماماً عن قيم العمل والنهوض والكرامة... ؛ وتم تعزيز هذا الخط بتقاليد عشائرية جامدة، وعادات اجتماعية متخلفة وظواهر سلبية هابطة ، تتناقض أحياناً حتى مع القيم الدينية الأصيلة بل والقوانين الوضعية والحياة المدنية ، فصار الناظم الاجتماعي والديني هو الجهل والخوف والتفكك لا الفهم والعدل والتضامن .
ومع كل هذا، ظل أبناء الأغلبية، بحسن نية أو بسذاجة، يسلّمون رقابهم لزعامات لا تحسن إلا المتاجرة بمآسيهم، ولا تجيد إلا بيعهم باسم الدين، أو باسم المقاومة أو باسم السياسة ، أو باسم "المظلومية الأبدية".
تشتيت النهضة وبناء الدولة المعكوسة
أراد أبناء الأغلبية أن يبنوا دولة بعد سقوط الاستبداد ونظام الدكتاتورية والطائفية المقيتة عام 2003، لكن سرعان ما أحاطت بهم الذئاب الخارجية والضباع الداخلية من كل حدب وصوب : عملاء الخارج، بقايا النظام البائد والبعث ، فلول الارهاب , شراذم الجريمة المنظمة , فصائل منفلتة، ومرجعيات هلامية لا تملك رؤية وطنية ؛ فضلا عن قوى الاحتلال والاستكبار والانظمة الإقليمية الحاقدة ... ؛ فبدلاً من تشكيل حكومة قوية، جاءت حكومات رخوة ضعيفة ، وبدلاً من ظهور قادة عظام، صعد الأميّون واللصوص والانتهازيون والفاسدون والفاشلون والمنكوسون .
وقد جُعلت الأغلبية الشيعية، وهي صاحبة الأرض والثروات والعدد، بلا مشروع واضح، ولا مؤسسة متماسكة، ولا نخب فكرية مؤثرة , ولا هوية جمعية جامعة , ولا مكاسب ومناصب وارباح تتوافق و ثقلها وحجمها وتضحياتها الوطنية واستحقاقاتها التاريخية ... ؛ و كل من يحاول النهوض يُتهم بالخروج عن الطائفة والمروق عن الدين والملة ، وكل من يحاول التنظير لبناء دولة عصرية قوية وحكومة مواطنة سليمة ويطالب بحقوق الاغلبية يُخوّن، ويُقصى، ويُحاصر , ويتهم بالطائفية والرجعية والظلامية .
نهاية مفتوحة أم بداية جديدة؟
يبقى السؤال: هل كُتب على شيعة العراق العرب أن يبقوا أسرى لطقوس وعادات لا ينتجون منها إلا الدموع والعويل ؟
وهل قدَرهم أن يُداروا من الخارج، وتُصادر أصواتهم من الداخل؟
أم أن الفرصة ما زالت قائمة لإعادة الاعتبار للعقل الجمعي، واسترداد الهوية الوطنية والإنسانية والدينية الصحيحة للأغلبية العراقية ؟
لن تنهض الأغلبية إلا إذا تخلت عن الخوف والسذاجة والتردد والكسل والضعف ، وكفّت عن العبث بالزمن وعن الاتكالية ، وأمسكت بزمام عقلها الجمعي لتعيد بناء ذاتها من الداخل، على أسس من الوعي، والعلم، والكرامة، والحرية.
ملاحظة ختامية:
هذه المقالة لا تُدين الطائفة الشيعية او رموزها الدينية او شعائرها المذهبية بقدر ما تركز على بعض السلبيات التي احاطت بالأغلبية العراقية والتي تُحاول أن تُفرغ هذه الاغلبية العراقية الشيعية من طاقتها ومشروعها النهضوي... ؛ فهي دعوة للتفكير، لا للتكفير، وإشارة إنذار لمن لا يزال يعتقد أن الخلاص يمكن أن يكون بالخطب الطوباوية والشعارات المثالية والادعاءات الخيالية والبرامج المزيفة... ؛ من دون وعي سياسي أو دولة مدنية أو حكومة قوية أو حقوق إنسانية أو معرفة علمية أو قواعد جماهيرية متعلمة و وطنية .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الأموال في تغيير القناعات وشراء الذمم : الانتخابات بين ا ...
- في زمن العبث والانكسار... حين يغدو الزيف قانوناً
- عصابات الجولاني في خدمة الاستكبار : من تواطؤ معلن إلى عدوان ...
- تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على ايران
- بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية
- الحرب الاقتصادية : سلاح صامت دمّر العراق بصمت أشد من دوي الم ...
- عينٌ في كفّ الشرطي... والعراق أعمى ؟!
- حين تُصبح الجماعة عبئًا... عُزلة الإنسان كخلاص
- إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي
- لأنك عراقي .. انتخب
- هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب ا ...
- كارثة التجنيس في العراق: حين تُهدَر الهوية وتُمنح الأرض للغر ...
- إشكالية رواتب المكونات العراقية بين الاستحقاقات الفعلية والم ...
- الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...


المزيد.....




- التحدي الأثري الأصعب بالعالم.. تجميع حجارة لوحة جدارية لفيلا ...
- فيديو يكشف أثار ضربة إيرانية في حيفا.. ووزير خارجية إسرائيل: ...
- شاهد ما حدث بين مندوبي إسرائيل وإيران خلال اجتماع مجلس الأمن ...
- بي بي سي لتقصي الحقائق: لماذا حذفت وزارة الصحة في غزة مئات ا ...
- القضاء الأمريكي يأمر بالإفراج عن الناشط محمود خليل قائد احتج ...
- حبيب الله سياري الضابط الذي أشرف على بناء أول مدمرة إيرانية ...
- حاملة الطائرات الأميركية -نيميتز- مدينة نووية عائمة
- أبرز الاتفاقيات بين باكستان والهند
- المحكمة العليا الأميركية تسمح بمقاضاة السلطة الفلسطينية
- -إنها مخطئة-.. ترامب يلوم مديرة مخابراته بشأن نووي إيران


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض سعد - الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية والدولة المفقودة