أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية














المزيد.....

بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 09:16
المحور: الادب والفن
    


الإنسانُ، بوصفه كائنًا هلاميًّا يسبح في فضاء الوجود، يحمل في جيناته ذاك التناقضَ الأزليّ: اشتياقًا إلى القطيعِ وخوفًا من أنيابه... ؛ فكما تنسجُ العناكبُ خيوطَها الذهبيةَ لتبني عوالمَها الهشّة، ينسجُ الإنسانُ شبكةً من العلاقاتِ الاجتماعية ، ظنًا منه أنها سترفعُه إلى السماء، لكنها قد تخنقُه في لحظةٍ عمياء , وتنزله الى اسفل سافلين و على يد اقرب المقربين ... , حتى كتاب القران الكريم اشار الى هذه الحقيقة المرة وحذر الانسان من العداء الخفي ؛ اذ قال (( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )) فان كان هذا حال الاقربين فكيف بالأبعدين ؟! ؛ هنا، في هذا المسرح السرياليّ، يصبح الاجتماعُ البشريُّ كرقصةِ "الفلامنكو"؛ نارٌ تلمعُ في الظلامِ، لكنها تحرقُ من يقتربُ أكثرَ من اللازم.
نعم في لجة الجماعةِ ومعمعة القطيع ، تذوبُ الفردانيةُ كالملحِ في الماء - كما قال البعض - ، وكأنه يلمحُ إلى أن الغايةَ من الاجتماعِ ليست سوى مرآةٍ تُضخّم أوهامَنا الجماعيةَ... ؛ فالطيورُ تهاجرُ في أسرابٍ كي لا تُفترس، والبشرُ يتجمعونَ كي لا يواجهوا وحشةَ الفراغِ الوجوديّ.
لكن ماذا لو تحوّل السربُ إلى سجنٍ؟
والجماعة الى سرداب مظلم مليء بالأوهام والامراض والطاقات الظلامية والسلبية ؟
هنا تبرزُ مفارقةٌ كافكاويةٌ : ففي رواية "المسخ" لفرانز كافكا، يتحوّل غريغور سامسا إلى حشرةٍ، لا لأنهُ كرهَ البشرَ، بل لأن البشرَ رفضوا بشريتَهُ وفردانيته ... ؛ مما دفع البعض منهم الى تمني موته بعد ان انتهت فائدته بالنسبة لهم ؛ و هكذا يصيرُ الاجتماعُ مرآةً للاغترابِ والتوحش والانانية ، حيثُ تتحولُ القوانينُ المشتركةُ إلى أغلالٍ تذكّرُ الفردَ بأن وجودَه مشروطٌ بتنازلاتٍ لا نهائيةٍ.

فالنارُ تدفئُ مَن يحترقُ فيها، لكنها تلتهمُه أيضًا... ؛ كما جاء في احد النصوص الادبية ؛ في نصِّ كامو "الغريب"، يرفضُ مورسو الاندماجَ مع طقوسِ الحدادِ الجماعيةِ، ليس لقسوةٍ في قلبهِ، بل لأنه أدركَ أن الالتزامَ بالجماعةِ هو لعبةٌ عبثيةٌ تُفرغُ الحياةَ من معناها... ؛ و هكذا، يصيرُ الهروبُ إلى العزلةِ كالهروبِ من مرآةٍ تشوهُ الوجهَ؛ ففي العزلةِ يرى المرءُ ذاتهُ دون أقنعةٍ، لكنه يواجهُ شبحَ الوجودِ العاري.
ويبقى الانسان يركض لاهثا نحو الجماعة كالمسافر العطشان الذي يظن السراب ماء ... ؛ الا انه عندما يقترب منه كثيرا ؛ يتحول الى صحراء موحشة ؛ فالشخص الذي يسعى الى الاجتماع البشري والعلاقات الاجتماعية , بحثا عن الالفة والسعادة والطاقة الايجابية ؛ سرعان ما يصدم بالحقيقة المرة , اذ يكتشفُ أن الجماعةَ تحملُ في أحشائِها "ثقوبًا سوداءَ" تمتصُّ طاقتَه، كحالِ شخصيةِ "دراكولا" في أدبِ برام ستوكر، الذي لا يعكسُ شرًّا خارقًا بقدرِ ما يعكسُ شرًّا يوميًّا: استنزافَ الذاتِ في مواجهةِ جشعِ الآخرين.
ومع كل ما سبق : يظلُّ الإنسانُ حائرًا بين قطبينِ: قطبُ الجماعةِ الذي يعدُه بالدفءِ والأمانِ، وقطبُ العزلةِ والفردانية الذي يمنحُه حريةً مؤلمةً... ؛ وصدق من قال : "كلّما ابتعدتُ عن البشرِ، اقتربتُ من كائنٍ أشبهُ بالبشرِ"*... ؛ فهذه هي المفارقةُ الأعظمُ: أن نبحثَ عن أنفسِنا في عيونِ الآخرينَ، ثم نكتشفُ أننا فقدنا وجوهَنا بينَ انعكاساتِهم المشوّهةِ.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الاقتصادية : سلاح صامت دمّر العراق بصمت أشد من دوي الم ...
- عينٌ في كفّ الشرطي... والعراق أعمى ؟!
- حين تُصبح الجماعة عبئًا... عُزلة الإنسان كخلاص
- إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي
- لأنك عراقي .. انتخب
- هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب ا ...
- كارثة التجنيس في العراق: حين تُهدَر الهوية وتُمنح الأرض للغر ...
- إشكالية رواتب المكونات العراقية بين الاستحقاقات الفعلية والم ...
- الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- عقد في جَوْفِ الجحيم البيروقراطي والدهاليز الورقية المتعفنة
- الحريات المنفلتة والتدخلات الخارجية : تحديات المرحلة الانتقا ...
- حَفْريَّاتُ الوَهْمِ في صَحْراءِ الوَعْي المُعَلَّب: سُريالي ...
- اعداد ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية بين المبالغة والتضليل
- طفولة تحت الأنقاض.. جراح الطفولة تُلقي بظلالها على مراحل الع ...


المزيد.....




- باراماونت تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة شركات سينمائية إسرائيلية ...
- إنقاذ كنز أثري من نيران القصف الإسرائيلي على مدينة غزة
- يُرجح أنه هجوم إيراني.. عشرات الممثلين الإسرائيليين يقعون ضح ...
- غزة... حين تعلو نغمات الموسيقى على دوي الانفجارات والرصاص
- غزة: الموسيقى ملاذ الشباب الفلسطيني وسط أجواء الحرب والدمار ...
- سياسي من ديمقراطيي السويد يريد إيقاف مسرحية في مالمو – ”تساه ...
- وزير الثقافة الإيراني: سيتم إعداد فهرس المخطوطات الفارسية في ...
- رشيد حموني يساءل السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل حول أدو ...
- -الحياد ليس خيارا-: لماذا يتحدث عدد كبير من الفنانين الآن عن ...
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يطالب بعقد اجتماع للجنة ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية