أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار العسكري إلى إدارة الفساد السياسي














المزيد.....

الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار العسكري إلى إدارة الفساد السياسي


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 20:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقدمة
منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، خضعت الشعوب العربية، وفي مقدمتها العراق، لمراحل متتالية من السيطرة الأجنبية، تارةً عبر الاحتلال العسكري المباشر، وتارةً عبر الانتداب والوصاية ؛ وثالثة عبر أدوات خفية تمثلت في وكلاء سياسيين واقتصاديين واجتماعيين... ؛ وقد بات واضحًا أن ما يُطلق عليه "الاحتلال الناعم" ليس مجرد نظرية سياسية، بل هو نظام عمل شامل، تقوده قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف بسط النفوذ ونهب الموارد والتحكم بمصير الدول دون الاضطرار لدخول حرب تقليدية.
في هذه المقالة ، نحاول تفكيك آليات هذا الاحتلال الناعم في العراق، وبيان كيف تحوّلت أدوات السيطرة من الدبابة إلى البنك، ومن الضابط العسكري إلى السياسي العميل، ومن الاستعمار الكلاسيكي إلى الاستتباع الإداري-المالي الذي تلبّس ثوب الديمقراطية والاستثمار والرأسمالية .
أولًا: من الاستعمار الكلاسيكي إلى الاستعمار المعولم
منذ أن غزت بريطانيا العراق في الحرب العالمية الأولى، وحتى تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، شكّل العراق ساحة اختبار للسياسات الاستعمارية البريطانية... ؛ تم تتويج الملك فيصل بن الحسين كحلّ انتقالي تحت وصاية البريطانيين، ولكن دون تمكين فعلي للشعب العراقي... ؛ وعلى الرغم من أن العراق نال "استقلاله الرسمي" في عام 1932، إلا أن القرار السياسي ظل مرتهنًا للقوى الأجنبية، بشكل مباشر أو غير مباشر. (1)
وبعد الحرب العالمية الثانية، ومع تراجع الاستعمار التقليدي، لجأت القوى الغربية إلى إعادة إنتاج سيطرتها من خلال أنظمة حليفة، واتفاقيات اقتصادية طويلة الأمد، وتدخلات استخباراتية، ما بات يُعرف لاحقًا بـ"الاستعمار الجديد" أو النيوليبرالية الاستعمارية.(2)
ثانيًا: الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 كنموذج للهيمنة الناعمة
حين غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، تحت ذريعة "أسلحة الدمار الشامل"، كانت الحقيقة أن الغزو كان يهدف إلى فرض نظام إقليمي جديد يضمن السيطرة الأميركية على مفاصل الدولة العراقية: أمنًا، واقتصادًا، وإعلامًا، وتشريعًا.
وقد كان بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي، هو الممثل العملي لهذا المشروع، إذ أصدر عشرات القرارات التي أسست لبنية سياسية واقتصادية تتوافق تمامًا مع مصالح واشنطن، من أبرزها: حلّ الجيش العراقي... ؛ خصخصة الاقتصاد... ؛ إنشاء مجلس الحكم الطائفي... ؛ وضع أسس الدستور بطريقة تُكرّس المحاصصة والانقسام ... الخ . (3)
وقد اعترف بريمر نفسه في مذكراته بأن تشكيل الطبقة السياسية العراقية الجديدة تم بتوصيات استخبارية وضغوط أميركية وبريطانية. (4)
ثالثًا: الفساد كأداة استعمارية ممنهجة
الفساد لم يكن "نتيجة عرضية" لفشل الدولة العراقية، بل هو أداة استعمارية معتمدة، تُستخدم لخلق طبقة سياسية تابعة، ضعيفة، وسهلة الابتزاز.
تُقدّر الأموال المنهوبة من العراق بعد 2003 بما يزيد عن 400 مليار دولار، ذهبت أغلبها إلى حسابات خارجية في مصارف غربية، بموافقة ضمنية من القوى الدولية التي تراقب كل حركة مالية في العراق. (5)
بل إن الإدارات الأميركية نفسها تمتلك معلومات دقيقة عن الفاسدين، وتتحكم بها كورقة ضغط. والدليل أن أي تحقيق دولي في الفساد غالبًا ما يتوقف عندما يقترب من رجال السياسة المحسوبين على واشنطن. (6)
رابعًا: الوجود الاستخباراتي والتحكم بالقرار السيادي
المخابرات الأميركية تمتلك قدرة لا تُضاهى في تتبع الحوالات المالية، ورصد الاجتماعات السرية، والتجسس على الأجهزة الحكومية... ؛ ومع ذلك، لم يُسجَّل أي تدخل جاد من قبلها لوقف عمليات تهريب الأموال أو تصفية الفاسدين، ما يُشير إلى أنها تغضّ الطرف عنهم لأسباب استراتيجية.(7)
فمن الواضح أن الولايات المتحدة لا تسعى لإصلاح النظام، بل لضمان بقائه فاسدًا وخاضعًا لها، لأنها تعلم أن الإصلاح الحقيقي سيُنتج طبقة سياسية وطنية لا يمكن التحكّم بها.
خامسًا: الاحتلال الناعم وهيكلة المشهد السياسي
من خلال صناديق الاقتراع و"الديمقراطية الموجهة"، تم إنتاج مشهد سياسي هشّ، قائم على:المحاصصة الطائفية... ؛ التبعية الاقتصادية... ؛ التدخل الخارجي في تعيين رؤساء الوزراء والوزراء... ؛ تبنّي أجندات لا تمثّل الشعب العراقي ... . (8)
هذه "الدمى السياسية - واقصد الفاسدين والعملاء والفاشلين والمنكوسين منهم- " التي تحكم العراق اليوم، ليست أكثر من أدوات تُحرّكها قوى خارجية، وتُسند لها مهمة إفراغ الدولة من معناها، وتثبيت الاحتلال الناعم.
الخاتمة: طريق التحرر يبدأ بالفهم
ما لم يُدرَك الشعب العراقي أن ما يعانيه من فشل سياسي وفساد مالي وتخبط اقتصادي، ليس مجرد إخفاق محلي، بل هو نتيجة احتلال ناعم مُحكم التخطيط، ستبقى أي حلول جزئية عاجزة عن التغيير.
والخلاص يبدأ من الاعتراف بأن الديمقراطية المستوردة ليست وطنية، وأن السيادة لا تُشترى من واشنطن، وأن الفاسد ليس سوى واجهة لمشروع أعمق وأكثر خطورة: مشروع الهيمنة الغربية الممتدة عبر أدوات محلية.
........................................................................
[1] حنا بطاطو، "الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية"، الجزء الأول، ص. 112.
[2] Kwame Nkrumah, “Neo-Colonialism: The Last Stage of Imperialism”, 1965.
[3] Coalition Provisional Authority Orders, No. 1 to No. 100, 2003–2004.
[4] L. Paul Bremer, “My Year in Iraq: The Struggle to Build a Future of Hope”, 20.
[5] Transparency International Reports on Iraq, 2004– 2023.
[6] مقابلة مع الخبير القانوني طارق حرب، قناة العراقية الإخبارية، 2020.
[7] تقرير "ذي انترسبت" The Intercept، حول نشاط وكالة NSA في العراق، 2015.
[8] مركز كارنيغي – تقرير: "عشر سنوات على ديمقراطية العراق"، 2013.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتلال البريطاني وتأسيس منظومة النفوذ
- سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن
- إزالة التجاوزات... حين تتقن الدولة قهر شعبها !
- فلول الطائفية والدونية والبعث: خيانةٌ متجددة ومواجهةٌ لا بدّ ...
- الضفاف لا تُغوي... لكن السفن لا تُقاوم
- النكبة المستدامة : التغول التكفيري و الطائفية السنيّة كأداة ...
- مقولة وتعليق / 60 / علة الحب و نبض القلب
- أطياف اللقاء في مملكة الظل
- دوافعُ الانسلاخ عن الهوية والذات الجمعية... من الطمع إلى الج ...
- الفلول الارهابية والعصابات الاجنبية على الأبواب: مخاطر الزحف ...
- دونية الاغلبية العراقية: خيانة الذات وتغذية مشاريع الأعداء
- الكتابة الملتزمة: بين ضريبة الكلمة والجهر بالحق وبناء الهوية ...
- الاحتلال الناعم ونهب الثروات بواجهات محلية .. العراق نموذجًا
- صرخة العقل العراقي : بين وجع الهوية والضياع وشرف المكاشفة وا ...
- تموز الحارق والكهرباء الغائبة: العراقي بين لهيب الصيف وغياب ...
- أحمد الجولاني: الوجه المحلّي لمشروع تكفيري اقليمي
- -الدوني... وين وجهك؟!- .. وجهك في قعر الخيانة، وذيلك في كف ا ...
- سياحة الموت.. التعتيم الحكومي وضحايا الارهاب السوري
- الضمير: الملاك الساقط أم الجلاد الخفي ؟ .. قراءة فلسفية ونفس ...
- الزمنُ حين يختبئ في جيب المعنى


المزيد.....




- -بلا ولاشي-.. كارمن لبّس تودع زياد الرحباني برسالة مؤثرة
- بيونسيه تستضيف فرقة -Destiny’s Child- في ختام جولتها الموسيق ...
- بعد غارات إسرائيل على سوريا.. كاتب يعلق على تصريح -نتنياهو ي ...
- -تبرع غير مشروط-.. نص اتفاق تحويل الطائرة القطرية إلى -رئاسي ...
- ترامب: لا أعتقد أن هناك مجاعة في غزة ولا أعلم ما الذي قد يحد ...
- اختيار مجلس الشعب السوري الجديد في سبتمبر - فمن يحدد أعضاءه؟ ...
- استقالة نائب رئيس الوزراء الروماني بعد عودة قضية رشوة إلى ال ...
- شاهد.. فرار جماعي من طائرة أميركية اشتعلت بالنار قبل الإقلاع ...
- ماليزيا تستضيف محادثات بين تايلند وكمبوديا لفض نزاع حدودي بي ...
- بالخرائط.. شاهد كيف قطعت -حنظلة- المتوسط نحو غزة قبل أن يعتر ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار العسكري إلى إدارة الفساد السياسي