أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - لتحريض المذهبي وآليات الاستجابة: مسؤولية مزدوجة في تفكيك المجتمعات














المزيد.....

لتحريض المذهبي وآليات الاستجابة: مسؤولية مزدوجة في تفكيك المجتمعات


خورشيد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 17:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في تناول مسألة التحريض المذهبي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لا يصح اختزال المسؤولية في الطرف الخارجي الذي يعمل، عبر أدوات الإعلام والمنصات الرقمية، على إذكاء نار الفتنة الطائفية والشقاق الهوياتي، رغم خطورة هذا الدور وتأثيره المتصاعد. فالمعادلة أكثر تعقيدًا من مجرد "مؤامرة" خارجية؛ إذ ثمة مسؤولية داخلية بنيوية لا تقل خطرًا، تتمثل في قابلية قطاعات من المجتمع للانخراط التلقائي في الاستقطاب المذهبي، وفي ضعف المناعة الفكرية، وغياب الوعي التاريخي النقدي.

إن الخطاب التحريضي لا يُنتج مفاعيله من فراغ. بل يتغذى على بيئة مشروخة، تعجّ بأحكام مسبقة، وذاكرة مثقلة بالأحقاد، واستعداد غرائزي للرد على الطائفية بأخرى مضادة. هنا لا يكون الخطاب التحريضي "فاعلاً مباشرًا"، بل محفّزًا خارجيًا يفعّل ما هو كامن في البنية الاجتماعية والنفسية. ومن هذه الزاوية، يصبح الحديث عن التحريض الطائفي مدخلاً للكشف عن اختلالات أعمق في تكوين الوعي الجمعي وتصور الهوية والانتماء.

وقد دلّت تجارب العقود الأخيرة على أن هشاشة النسيج الاجتماعي العربي لا تعود فقط إلى مؤامرات الخارج، بل إلى فشل النخب والمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية في بناء خطاب بديل جامع، قادر على إدارة التعدد، وصياغة مفهوم مشترك للمواطنة يتجاوز حدود الطائفة والمذهب. في معظم الأحيان، كانت الردود على التحريض آنية وانفعالية، خاضعة لمنطق الحشد لا التفكيك، وللغرائز لا للعقل.

⬅︎ الخلفية النظرية:

يمكن هنا استحضار عدد من النماذج النظرية لتفسير هذا التفاعل المعقّد:

مالك بن نبي في تحليله لمفهوم "القابلية للاستعمار" يقدّم إطارًا ملهمًا لفهم القابلية للفتنة، حيث لا يكون الاستعمار – أو التحريض – مؤثرًا إلا حين توجد بيئة داخلية منهارة، تفتقر للمناعة الحضارية.

بيير بورديو يشير إلى أن الخطاب لا يملك قوة بذاته، بل يستمد فاعليته من "الحقل الاجتماعي" الذي يستقبله، أي من البنية الرمزية والاجتماعية القابلة لتصديقه وإعادة إنتاجه.

حميد دباشي، في نقده للطائفية كأداة هيمنة، يعتبر أن الانقسام المذهبي ليس تعبيرًا عن هوية أصيلة، بل هندسة سياسية موجّهة لتفتيت المجتمعات ضمن مشاريع السيطرة ما بعد الاستعمارية.

أما أرنستو لاكلو وشانتال موف فيدعوان إلى إدارة التعدد ضمن فضاء ديمقراطي يسمح بالتنازع المشروع لا بالصراع الوجودي، عبر ما يسمّونه "الاختلاف المؤسّس" الذي لا يُفكك الوحدة، بل يُغنيها.


⬅︎ استنتاج ومقترح عملي:

انطلاقًا من هذا الفهم، تبرز الحاجة إلى تحول نوعي في الوعي الجمعي، يعيد تعريف الانتماء الوطني على أسس معرفية جامعة، لا على روابط مذهبية هشّة. وهذا يتطلب:

إعادة النظر في المناهج التعليمية التي تعزز التمايز المذهبي دون وعي نقدي؛

دعم خطاب ديني عقلاني، يتجاوز الحرفية والانعزال إلى فقه الواقع ووحدة المقصد؛

تمكين النخب الثقافية من قيادة مراجعة داخلية للهويات الضيقة، وتفكيك رموز الانغلاق؛

بناء مؤسسات إعلامية ومجتمعية مضادة للخطاب الطائفي، لا تشبهه في أسلوبه.




ختاما ،إن التحريض المذهبي لا يُواجه بالشجب وحده، ولا تُعالج آثاره عبر مزيد من الخطابات المضادة التي تُعيد إنتاج الكراهية بلغة مختلفة.
بل إن السبيل الحقيقي لمواجهته يبدأ من تفكيك بنيتنا النفسية والاجتماعية التي تستقبل خطاب الفتنة وتشرعن له.
فليس الخطر في وجود العدو فحسب، بل في قابليتنا الدائمة لتصديق روايته، والانخراط في معاركه بالوكالة، على حساب وحدتنا ومستقبلنا المشترك.



#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واشنطن تضغط... وتل أبيب تحصد: لبنان بين كماشة الموانئ واسترا ...
- بين الاحتلال والداعم: واشنطن شريك المشروع الصهيوني منذ النشأ ...
- تقارب الضرورة: سوريا الجديدة وإسرائيل بين تفاهمات أمنية وحسا ...
- الفيدرالية والطائفية في المشرق العربي: مدخل للتفتيت لا لإدار ...
- الشرعية الدولية والقضية الفلسطينية: من تزوير التاريخ إلى تبر ...
- من الاحتلال إلى الضم: پ الكنيست وتصفية الضفة الغربية
- القضية الفلسطينية بين الأبعاد المتعددة والتحولات الدولية: مق ...
- الهجمات الإسرائيلية على دمشق والسويداء: خطاب أحمد الشرع وإعا ...
- مشروع إمارة الخليل:تفكيك فلسطين من الداخل
- التكويع: فلسفة لبنانية ساخرة
- مسيحيون عرب...حماة العروبة وحملة روح الاسلام الحضارية
- وثيقة باراك ورد لبنان: منعطف حاسم في المعادلة السياسية والأم ...
- لذلك...اعتذر من الحمير مع تقبيل الحافر والأذنين
- من طوفان الأقصى إلى ضرب طهران: هل الشرق الأوسط على شفا إعادة ...
- إبادة المدنيين: جوهر العقيدة الصهيونية ومنطلقها التوراتي
- الحرب الإيرانية الإسرائيلية بوابة (اسرائيل الكبرى)
- اسرائيل بين نيران غزة وحرائق واشنطن: تبدلات الدعم وصراع المص ...
- حدود الموقف العربي من العدوان الإسرائيلي وآفاق تجاوزه
- العدالة في مهب المحروقات: رفع الأسعار يكشف
- لبنان بين خيارين: مقاومة الردع أو انفجار الدولة


المزيد.....




- حبيبة شون -ديدي- كومز السابقة تطالب بإطلاق سراحه بعد انسحابه ...
- -لا عمل ولا حماية-.. نساء عائدات من إيران يواجهن المجهول في ...
- خمس سنوات على انفجار بيروت.. قصة تحقيق غرق في متاهات السياسة ...
- نساء بلا سند.. أرامل غزة يصارعن شبح التجويع وحدهن
- بالفيديو.. الناطق باسم الدفاع المدني في غزة يُضرب عن الطعام ...
- روسيا تترقب زيارة ويتكوف وزيلينسكي يتحدث عن مرتزقة يقاتلون ل ...
- الدويري: قرار احتلال غزة ليس جديدا لكنه يتم بالتدريج
- ما دلالات زيارة ويتكوف إلى روسيا وأثرها المحتمل على حرب أوكر ...
- أسئلة المجوعين في غزة للعالم والعرب
- عامل مزرعة في جنوب أفريقيا يقول إنه أُجبر على إطعام جثتي امر ...


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خورشيد الحسين - لتحريض المذهبي وآليات الاستجابة: مسؤولية مزدوجة في تفكيك المجتمعات