أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مصير أسرة في فيلم سوري















المزيد.....

مصير أسرة في فيلم سوري


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


1
نادرة هي الأفلام السورية، التي تتناول قصصها مدينة دمشق، بحيث يمكن وصفها أنها تقدم صورة فنية عن البيئة الشامية. فلو راجعنا إنتاج المؤسسة العامة للسينما طوال عقديّ الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، لوجدنا فيلماً واحداً، " السيّد التقدمي "، تدور حوادثه في دمشق. إلا أن ذلك الفيلم، لم يعكس الحياة الإجتماعية وإنما إقتصر على حبكة أقرب للبوليسية. في مقال سابق، أحلنا الأمرَ لسياسة ترييف المدينة، المنبثقة عن تفكير الطغمة العسكرية، المهيمنة على السلطة منذ إنقلاب البعث عام 1963. قلة الروائيين، المتحدرين من دمشق، ربما لعب أيضاً دوراً في ندرة تلك الأفلام المَوْصوفة.
مسلسلات الدراما، المعروفة تحت عنوان البيئة الشامية، لعل نجاحها المبهر جماهيرياً، قد شجّع المخرجين في إنجاز أعمال سينمائية عن نفس البيئة. ففي عام واحد، 2008، تم إنتاج فيلمين روائيين طويلين عن البيئة الشامية، هما " دمشق يا بسمة الحزن " و" حسّيبة ". هذا الأخير ( وقد سبقَ لنا دراسته )، هوَ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب خيري الذهبي، نشرها عام 1987. تتمحور حبكة الفيلم، حول فتاة دمشقية إنتصرت على تقاليد مجتمعها الذكوريّ، بما تحلت به من ذكاء وشخصية قوية. أما الفيلم الآخر، الذي سيكون مادة هذا المقال، فإنه عن رواية " دمشق يا بسمة الحزن "، للأديبة إلفة الإدلبي، صدرت عام 1980. الفيلم، المنتح عن الرواية، تناول أيضاً مجتمع دمشق في حقبة الإنتداب الفرنسيّ، وذلك من خلال يوميات فتاة تحاول تحدي التقاليد المحافظة.
إلفة الإدلبي ( 1912 ـ 2007 )، تعد من رعيل الروائيين السوريين الأوائل، وهي من عائلة أعيان في حي الصالحية الدمشقيّ، العريق. ومثل بطلة روايتها، أملت في إكمال دراستها في دار المعلمات إلا أن الأهل وقفوا في وجه طموحها. حينما كانت في سن العشرين، مرضت بالحمى التيفية، ما جعلها أسيرة الفراش عاماً كاملاً، صرفته في الإقبال النهم على قراءة الروايات باللغتين العربية والفرنسية. إنتاجها الأدبيّ قليل، بالمقارنة مع حياتها المديدة، فلم تترك سوى ثلاث روايات وثلاث مجموعات قصصية وبعض الدراسات النقدية.
مخرج فيلم " دمشق يا بسمة الحزن "، هوَ ماهر كدو، من مواليد دير الزور عام 1949. بالرغم من أنه تخرّج من معهد السينما في بوخارست عام 1976، إلا أنه لم ينجز حتى الآن سوى ثلاثة أفلام روائية طويلة. " دمشق يا بسمة الحزن "، كتب له السيناريو محمود عبد الواحد، الذي درس فن السينما في الإتحاد السوفييتي، وعقب تخرجه قدم عدة أعمال سينمائية وتلفزيونية. وهوَ أيضاً أديبٌ، أصدرَ مجموعات قصصية وشعرية.

2
الزمن المُعاش، آنَ له أن يُستعاد بالنزر اليسير، الذي بقيَ من حياتها. صبرية، في ليلة عاصفة من الأمطار، تتنقل بين محابس الحمام والكناري كي تطلقها إلى سماء الحرية. بعدئذٍ ترتقي كرسياً، قائماً عند البحرة الدائرية، لتضع الأنشوطة في عنقها، والمشدود حبلها بشجرة النارنج: إختيار هذه الطريقة للإنتحار، غير المألوفة بالنسبة لفتاة، لعله ترميز إلى حقيقة أن المجتمع أدان المرأة بالإعدام، معنوياً، بحرمانها من حقوقها.
تنتقل الكاميرا إلى صباح صيفٍ بعيد، تضج فيه دروبُ دمشق بالحركة والموسيقى، لتدخل من ثم إلى منزلٍ تقليديّ ذي فسحة سماوية كبيرة، تتوسطها بحرة جميلة، وتهل عليها ظلالُ الأشجار المثمرة. أبو راغب، وهوَ تاجر مرموق في السوق، يُظهر عندئذٍ سخطه على ابنه البكر بسبب رسوبه في العام الدراسيّ. وفي الآن نفسه، يهنئ إبنته الوحيدة بنجاحها. إلا أنه ما لبث أن وقف بصف الإبن، حينما تعلق الأمرُ بإجبار البنت على إرتداء الملاءة، التي ستخفي شخصيتها من أعلى الرأس حتى أسفل القدمين. ثمة في الدار الكبيرة، ابنان آخران؛ أحدهما ويُدعى محمود، يلوحُ من مسلكه وكلامه أنه شاب أنانيّ يعبد مصلحته. أما سامي، فإنه على عكس شقيقيه لناحية أخلاقه الرفيعة وإيثاره للواجب. على ذلك، سيكون أكثر عطفاً على شقيقته، التي تصغر الجميع سناً. أم راغب، إمرأة لا تختلف عن أمثالها من نساء المدينة المحافظة، همها الأساس هوَ الاعتناء بزوجها وأولادها. يظهر تأثيرها على زوجها، حينما حملته على القبول بفتح متجر للابن البكر، الفاشل دراسياً.
راغب، المدافع عن الفضيلة، نراه في المشهد التالي في زيارة لخالته الوحيدة، التي يقع منزلها في أحد بساتين الصالحية. هناك، يلمح ابنة خالته الصبية، فيما كانت كاشفة ساقيها، وهيَ تدوس على ثمار المشمش بغرض عصرها ومن ثم تعرض على الشمس كي تتحول إلى لفافة تقدّم قطعها في شهر رمضان. المشهد، يبيّن الحرية النسبية لبنات الريف، بالمقارنة مع التزمت إزاء بنات المدينة. فإن صبرية، تعشق سراً ابن خبّاز الحارة، واسمه عادل، الذي يكتفي بالنظر إليها وهوَ يقدّم لها الأرغفة عند باب دارها. وفي حين أن صبرية تجتمع بحبيبها في أحلام اليقظة، فإن شقيقها سامي يتعرّف في المكتبة العامة على فتاة اسمها نرمين، يتسم مظهرها بالحرية والثقة بالنفس. يتبادلان الكتب كل مرة، وأحياناً يضعان فيها رسائل غرامية. أم الفتاة، ستستقبله أيضاً في منزلها الأنيق. من اسم الفتاة، وما تتمتع به من حرية، يجوز الإعتقاد أنها من الحي الكرديّ، الذي كان في ذلك الزمن يغلب على ساكنيه الأفكار اليسارية.
من ناحية أخرى، يقدّم الفيلم مشاهدَ للكفاح الوطنيّ ضد المستعمرين الفرنسيين. ففي إحدى الليالي، يلتجئ رشيد، ابن خالة صبرية، إلى منزل أسرتها هرباً من ملاحقة الجنود الفرنسيين. في مقابل إنتقاد الجميع لما يفعله بوصفه تهوراً خطراً، فإن سامي وصبرية يعتبران ذلك واجباً وطنياً مقدساً. إلا أن مشهداً آخر من الفيلم، إتسم بالمبالغة، وذلك عندما كانت مجموعة من الجنود الفرنسيين يحضرون في المقهى عرضاً لمسرح الظل ( كراكوز وعيواظ ). فإنهم حالما عرفوا أن العرضَ يسخر من حكومة الإنتداب، ينهالون بالضرب على صاحبه. وفي مشهدٍ تالٍ، يحاول أفراد حاجز من الجنود الفرنسيين، الإعتداء الجنسيّ على صبرية حينما كانت مع خالتها في عربة تجرها الخيل وهما تحملان الذخيرة إلى ثوار الغوطة: بينما كل روايات المؤرخين، وشهادات الثوار من خلال سيرهم الذاتية، لا تذكر أن الفرنسيين قاموا ذات مرة بهكذا تصرفٍ مشين؟
وإذاً، طغى الواجبُ الوطنيّ على مشاعر صبرية، بالأخص حينما علمت أن حبيبها يعمل مع الثوار. ذات صباح، يُعلن الإضراب العام في البلد إحتجاجاً على قصف بعض الأحياء بالطائرات والمدفعية. إذاك، تخرج المظاهرات من المدارس. وهيَ ذي صبرية، مرفوعة على الأكتاف من لدُن زميلاتها، تهتف ضد المستعمر. يتم إعتقالها لبضع ساعات، ثم يفرج عنها مع بقية الفتيات. ولكن في البيت، تتعرض للتعنيف من قبل والديها، ومن ثم يتم إستدعاء إمرأة قابلة كي تكشف عليها فيما لو تم إغتصابها ـ كذا ـ من جانب الفرنسيين.
المرأة القابلة، تتعهد لاحقاً إيصال رسائل الغرام بين صبرية وعادل. وبما أن راغب قد عرف بعلاقة شقيقته مع الشاب، فإنه يغري ذات يوم القابلة بالمال كي تسلمه الرسالة. قرأ فيها أن عادل يحدد موعداً في ساعة متأخرة من الليل، لكي يهرب مع صبرية كي يتزوجان بعدما تم رفضه من قبل أهلها بسبب الفارق الإجتماعيّ. صبرية، لم تتمكن من الذهاب بعدما أصيبت والدتها بنوبة سكّري. إلا أنه راغب، من كمن للعاشق كي يرديه بطلقتين من مسدسه. مرة أخرى، يثبت تناقض شخصيته، هذا الدعيّ المدافع عن الشرف: يأتي ذات يوم إلى البيت بإحدى فتيات الليل، بحجة أنها ستساعد صبرية عقبَ وفاة الوالدة. لكن الأب، يقوم بطردهما. بعد وفاة الأب، يعلن زواجه من تلك الفتاة. أما محمود، فإنه كانَ من أسباب تدهور صحة والدته حينما إقترن بإمرأة تماثلها في العمر طمعاً في مالها.
النكبات تتوالى على صبرية، بموت الأم أولاً ومن ثم الأب. شقيقها سامي، كان قد سبقَ وقتل على أيدي الفرنسيين في إحدى معارك الغوطة. إلى أن كانَ يوماً، قدمَ فيه الشقيقان إلى المنزل بصحبة زوجتيهما كي يخبران صبرية عزمهما على بيع البيت. لا يباليان برفضها القاطع، وينذرانها بالقبول بنصيبها من البيع.
" دمشق يا بسمة الحزن "، كانَ عملاً سينمائياً رومانسياً أقرب إلى الأفلام الكلاسيكية. جماليات اللقطات، المُظهرة ما يُفترض أنها دمشق عقد العشرينيات من القرن الفائت، كانت بفضل كاميرا مدير التصوير، جورج لطفي الخوري. كذلك علينا الإشادة بالأداء المؤثر لبطلة الفيلم، الفنانة كندة حنا، وأيضاً للممثلين الرئيسيين؛ طلحت حمدي وصباح الجزائري ومي سكاف وميسون أبو أسعد.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراب الغرباء والتلاعب بالتاريخ
- الترحال؛ منحوتة للطفولة والمدينة
- الطحين الأسود ولعنة المكان
- اللجاة؛ البيئة الدرزية سينمائياً
- حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة
- شيء ما يحترق؛ عن الدرزي النازح
- الطحالب؛ حكاية جرح سوري
- باب المقام، المفتوح على الشغف
- سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة
- الليل؛ الفنتاسيا والواقع
- أحلام المدينة أم كوابيسها
- وقائع العام المقبل واختلال الوعي
- ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
- نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
- المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
- الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
- كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
- وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
- اليازرلي والواقعية الجديدة
- بقايا صُوَر: الأدب والسينما


المزيد.....




- سواد القدور الخاوية يوثق في لوحات ظلام مجاعة غزة
- هل نجح الباحثون الأردنيون في توثيق هوية القدس وحمايتها معرفي ...
- كيف أثّر فن وفكر زياد الرحباني في أجيال متعاقبة؟
- الكتابة من تحت الأنقاض.. يوسف القدرة: في الشعر لغة -فرط صوتي ...
- تشييع الفنان اللبناني زياد الرحباني... وفيروز في وداعه
- (فيديو) في وداع الرحباني.. ماجدة الرومي تبكي عند أقدام فيروز ...
- أطروحة دكتوراة عن الديستوبيا في روايات سناء الشّعلان في جامع ...
- -ركعت أمامها وقبلت يديها-.. تفاعل مع أسلوب عزاء ماجدة الرومي ...
- الممثلة المصرية وفاء عامر ترد على اتهامات الاتجار بالأعضاء
- لبنان: الحزن يخيم على مراسم جنازة زياد الرحباني بحضور والدته ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مصير أسرة في فيلم سوري