أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً















المزيد.....

كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 02:52
المحور: الادب والفن
    


1
فلسطين والدين، هما تجارتا الأنظمة المستبدة الفاسدة في المشرق. كانَ ذلك ديدنُ الأنظمة العسكرية العربية، ومن ثم النظام الإيراني عقبَ ثورة الخميني والنظام التركي مع مجيء أردوغان للسلطة. يهمنا هنا القضية الفلسطينية، التي كانت المبرر لسلسلة من الإنقلابات العسكرية منذ عام 1949؛ أي العام التالي للنكبة. أول تلك الإنقلابات جرى في سورية، ومنذئذٍ لم تكد البلد تعرف الحكم المدني الدستوري سوى أعواماً قليلة، ولحين سقوط نظام البعث مؤخراً.
سينمائياً، وبعدما أنتج أول فيلم سوري روائي طويل عام 1950، نجدُ القضية الفلسطينية تدخل هذا المجال من خلال عمل تسجيلي؛ بعنوان " عملية الساعة السادسة ". مع إنشاء المؤسسة العامة للسينما عام 1963، على أثر إنقلاب البعث، سيتم إنتاج أربعة أفلام عن القضية الفلسطينية من بين أعمالها العشرة الأولى. وإذاً فإن المتاجرة بفلسطين، المعتمدة من لدُن النظام البعثي الجديد، وجدت صداها بقوة في الفن السابع. وكنا قد قمنا بدراسة أحد تلك الأفلام الأربعة، وهوَ " المخدوعون " عن رواية لغسان كنفاني. الملاحظ أيضاً، أن أربعة من مخرجي الأفلام العشرة الأولى للمؤسسة العامة للسينما، لم يكونوا سوريين: اليوغسلافي بوشكو فوتشينيتش والمصري توفيق صالح والعراقي قيس الزبيدي واللبناني برهان علوية.
فيلم " كفر قاسم "، صدرَ عام 1974 وبالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما المصرية. الفيلم، سيناريو وإخراج برهان علوية عن قصة لعاصم الجندي. مدة الفيلم ساعتان وبالألوان الطبيعية. بالرغم من تعاون مصر في إنتاج هذا الفيلم، إلا أنه لم يشترك أي من ممثليها فيه؛ وأقتصرت المساهمة بالتصوير ( بيير أونجيه ) والمونتاج ( اليان دوبوا ). برهان علوية ( 1941 ـ 2021 )، هوَ مخرج من مواليد إحدى قرى جنوب لبنان، درسَ الإخراج في بلجيكا وأنجز في خلال مسيرته السينمائية عدداً من الأفلام يغلب عليها النوع التسجيلي. وسنرى أسلوبه هذا في فيلم " كفر قاسم "، الذي نحن بصدد دراسته. مؤلف قصة الفيلم، عاصم الجندي ( 1933 ـ 2001 )، من مواليد السلمية وكانَ صحفياً معارضاً للنظام، كذلك له مساهمات في القصة القصيرة والسيرة الذاتية. ولمعرفة الصلة الحميمة بين المخرج والمؤلف، فإن هذا الأخير أوصى بأن يدفن في نفس القرية اللبنانية الجنوبية، التي ولد فيها برهان علوية. وعاصم الجندي كانَ من الموالين للبعث العراقي ( تعرض في بيروت لمحاولة اغتيال من قبل المخابرات السورية )، ونفترض أن ذلك له علاقة باسقاطات سياسية يُمكن ملاحظتها في الفيلم.

2
الطابع التسجيلي لفيلم " كفر قاسم "، يُطالعنا منذ البداية، وذلك بالتنويه إلى أن مكان تصويره قد جرى في قرية الشيخ سعد، بريف طرطوس. وكانَ إختيارها عملاً صائباً، كونها تشبه جغرافياً قرية كفر قاسم الفلسطينية، إن كانَ لناحية طبيعتها الجبلية الجميلة أو قربها من البحر. قبل ذلك، ثمة كتابة تؤكد أن جميع أحداث القصة حقيقية. وهذا مبالغة بالطبع، كون الخيال هوَ ما يميز الأفلام الروائية ولو كانت مبنية على أحداث من الواقع: فلا المؤلف، ولا المخرج كاتب السيناريو، هما من كفر قاسم أو حتى من فلسطين؛ فكيفَ توصّلا إلى تلك التفاصيل الخصوصية في حياة شخصيات الفيلم؟
أيضاً قبل عرض شارة الفيلم، تأخذ الكاميرا المُشاهدَ إلى قاعة المحكمة الإسرائيلية، المفترضة، التي قدّم إليها الضباط والعناصر من المتورطين في مجزرة كفر قاسم. لكن الغريب، أن الحوار كانَ باللغة العبرية وبدون ترجمة إلى العربية. هذا سيتكررُ كل مرةٍ، يجري فيها حوارٌ بين الإسرائيليين، المفترضين: وجه الغرابة، هوَ كيفية فهم المُشاهد العربي لما جرى من التعتيم على القضية أو الأحكام الشكلية الصادرة على الجناة؛ كذلك ما كان يدور بين الضباط من أحاديث قبل المجزرة، والتي تبين تواطؤهم في التحضير لها؟
شارة الفيلم، ترافقها أغنية من التراث الشعبي، علاوة على كتابة تفيد بأن الزمن الإفتتاحي للأحداث هو يوم 26 تموز/ يوليو 1956. الشارة، المتداخلة مع أنغام من تأليف الموسيقار اللبناني وليد غلمية، تتنقل بين عدة لقطات للحياة اليومية للقرية: بائع جوال، يعرض الحلوى أمام مدرسة إبتدائية؛ حلاق، يمارس مهنته في الشارع؛ جمع من الرجال، يجلسون بمدخل المقهى؛ سيارة شاحنة، تأتي بعمال زراعيين من الحقول إلى قريتهم. في السياق، سنعلم أن تلك الحقول كانت سابقاً لمواطنين فلسطينيين، نزحوا من بلدهم عقبَ النكبة، ثم استولى عليها مستوطنون يهود. لقد أختار مؤلفُ القصة ذلك التاريخ، كونه أضحى معروفاً جماهيرياً: إنه يومٌ، أعلن فيه الزعيم عبد الناصر تاميم قناة السويس؛ يومٌ، سينعكس على مصير أهالي قرية كفر قاسم، لاحقاً، عند بدء التحضير للعدوان الثلاثي على مصر.
الفيلم، يبين أكثر من صراع في هذه القرية. فمن جهة، يحتدم النزاع بين العمال الزراعين ومواطنهم المتعهد، رجاء ( الفنان سليم صبري )، الذي يخدّمهم بأمر من المستوطنين اليهود. ومن جهة أخرى، يتنافسُ أعضاء التنظيمين، الشيوعي والقومي العروبي، لكسب تأييد أهالي القرية. إلا أن الفيلم، يُخالف الحقيقة الموضوعية حينما يلمّح إلى غلبة ذوي الإتجاه القومي. فمن المعروف، أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي كانَ آنذاك القوة السياسية المؤثرة بين عرب 48. الأدهى، أن الفيلم يجعل الكادرَ الأساسي للحزب في القرية، واسمه محمد ( الفنان عبد الله عباسي )، يشكك بجدوى النضال مع الرفاق اليهود لتحقيق العدالة والمساواة.
يذهب محمد إلى تل أبيب، بغيَة لقاء صديقه، فما كانَ من هذا الأخير إلا الطلب منه أن يناديه باسم " إيلي "، لكي لا يزعج اسمه العربي زبائنَ المقهى، الذي يعمل فيه. هناك في الشارع، يرى محمد بسطة تباع فيها ألعابٌ تمثل أعدام العرب شنقاً. مثلما قلنا في بداية المقال، أن الإسقاطات السياسية هيَ لأفكار مؤلف قصة الفيلم، المنتمي للبعث الموالي للعراق. فالمشهدان كلاهما، كانا غاية في السخافة لبعدهما عن الواقع: فلِمَ سينزعج اليهود من الاسم العربي، والفلسطينيون يعيشون معهم ويعملون لديهم؟ وكيفَ ستُعرض ألعاب مشانق العرب، وعقوبة الإعدام أصلاً غير موجودة في إسرائيل؟
في المقابل، فإن الفيلم ينقل بصورة مؤثرة معاناة الفلسطينيين من سرطان الإستيطان. فذلك البائع المتجول، ويُدعى أبو مرعي ( الفنان أحمد أيوب )، كانَ بالأساس فلاحاً قبل أن تستولي الدولة على أرضه بحجة أنها بور: " يا ناس، كيفَ ستغدو الأرضُ طالما أنهم يمنعوني من زراعتها باعتبارها منطقة عسكرية؟ "، يشكو الرجلُ حاله لمواطنيه. العمال الزراعيون، تجبرهم الحاجة للعمل عند المستوطنين بأجور متدنية فيما أن أمثالهم من اليهود أجورهم مرتفعة. أما تفاصيل المجزرة، فإنها قدّمت ببراعة وحرفية عالية. لكن ثمة ملاحظة سلبية، وهيَ التمهيد للحدث بعرض مشهد فظيع لذبح عجل من قبل جزّار القرية. يتكرر الإيحاء، وهذه المرة بمشهد ذبح دجاجة: ألم يفكّر المخرج بمشاعر المشاهدين، وهوَ يعرض ذينك المشهدين الدمويين؛ وبالأخص المشاهدين الأوربيين، بما أن الفيلم سيعرض في مهرجانات دولية؟ الملاحظة السلبية الأخرى، حينما يوقف الجنود السيارة الشاحنة بمدخل القرية، وكانت تقل العمال الزراعيين. إذ يقفز رجاء من السيارة ويهرب من المجزرة، دون أن يأبه بطفله، الذي ستحصده الرصاصات الغادرة!
عموماً، كانَ من الممكن أن يحقق الفيلم نجاحاً في المهرجانات الدولية، لو كانَ خالٍ من تلك الهنّات الفادحة، التي أشرنا إليها. لكنه حصد عدة جوائز عربية، كون خطابه يتوافق مع العقلية المحلية السائدة. وينبغي التنويه من ناحية اخرى، إلى أن نخبة من الممثلين السوريين إشتركوا في الفيلم؛ ففضلاً عمن ذكرناهم في السياق، كانَ هناك عبد الرحمن آله رشي وعصام عبه جي وأحمد عداس وعدنان بركات وعبد الهادي الصباغ. أما البطولة النسائية، الوحيدة، وهيَ للممثلة شارلوت رشدي، فإن إختيارها لم يكن موفقاً أبداً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
- اليازرلي والواقعية الجديدة
- بقايا صُوَر: الأدب والسينما
- السيد التقدمي والسيناريو السيء
- رشو آغا؛ العنصرية في السينما
- سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
- المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
- الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
- سينما المقاولات، سورياً
- المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
- دور الكرد في تأسيس السينما السورية
- من معالم السينما السورية: الكومبارس
- إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
- تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
- تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
- تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
- تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
- تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
- تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
- تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً