|
سينما المقاولات، سورياً
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 12:04
المحور:
الادب والفن
1 على الرغم من عراقة السينما السورية، فإن مسيرتها بوجه الإجمال، وما أثمرته من أعمال فنية بعد قرابة المائة عام على تأسيسها، كانت متواضعة؛ إن لم نقل أنها مخيّبة للآمال. ثمة عوامل عديدة، أثّرت سلباً في تلك المسيرة، وكلها تقريباً تداور في سوء التعامل مع هذا الفن من لدُن نظام البعث. فإن هذا النظام، هيمن بظلاله القاتمة والثقيلة على البلد لمدة تزيد عن الستة عقود، مورس في خلالها الفسادُ والاستبداد وتكبيل الحريات وإفقار الطبقات الشعبية وإثارة النعرات الطائفية. نشوء فئة من أصحاب القرار، تحتكرُ الإقتصادَ بشكلٍ شبه كليّ مع إفساح المجال لرجال الأعمال بمزاولة الاستثمار في مجالاتٍ مقننة، كانَ لا بد أن ينعكس على الإنتاج السينمائيّ. فالمؤسسة العامة للسينما، كانت ميزانيتها محدودة، ناهيك عن تأثر أقطابها بجو الفساد والإثراء غير المشروع. فيما القطاع الخاص، كانَ متردداً في دخول مجال الإنتاج السينمائيّ لأكثر من سبب. فمن ناحية، كانَ سوق الترويج لهكذا منتوج محدوداً في داخل سورية، بالنظر لقلة الصالات السينمائية في العاصمة والمدن الأخرى علاوة على قِدَم ورثاثة غالبيتها. ومن ناحية أخرى، كانت حالة العداء بين النظام الحاكم وعدد كبير من الدول العربية، في مراحل زمنية معينة، قد جعلَ من الترويج للفيلم السوريّ في الخارج أكثر صعوبة. مع ذلك، تشجّعَ عددٌ من رجال الأعمال في خوض تجربة الإنتاج السينمائيّ، لدرجة أن يضطر للتعامل معهم حتى مخرجون طليعيون. ولنقل أولاً، أنّ رجال الأعمال أولئك، كانَ استثمارهم في سوق الأفلام لا يُعدّ شيئاً يُذكر قياساً باستثماراتهم الضخمة في التجارة من استيراد وتصدير وغير ذلك. كما أن محدودية موارد الأفلام، جعلت فئة مافيا النظام ( وغالبيتهم من قادة الأجهزة الأمنية ) لا تتدخل بغية الحصول على نسبة من الأرباح ـ كأتاوة أو مشاركة صورية في البيزنس. لحين أن ظهرت فئة من أفراخ الطائفة المختارة، المدعومين من اقاربهم في الأجهزة الأمنية، بدءاً من الألفية الجديدة، ليقوموا بتأسيس عددٍ كبير من شركات الإنتاج السينمائي والدرامي. ولكن هذا، حديثٌ آخر. هيمنَ إذاً رجالُ الأعمال على قطاع الفيلم السوريّ، وذلك منذ بداية عقد السبعينات، فنشأت على الأثر مجموعة من شركات الإنتاج السينمائيّ. ولو أنّ ذلك لم يُحسّن كثيراً من نمو عدد الأعمال الفنية لو تمت مقارنتها، على سبيل المثال، بالسينما المصرية. هذه الأخيرة، هيَ من ابتدعت مصطلح " أفلام المقاولات "، الذي أضحى مألوفاً في وسائل الإعلام بمصر منذ مستهل تسعينات القرن المنصرم. يُعزى لمنتجي تلك الأفلام تدهور مستوى السينما المصرية، وكانَ أكثرهم من الوسط الفنيّ نفسه: من راقصات شرقيات ـ مثل فيفي عبده وزيزي مصطفى ـ إلى نجوم غناء واستعراض ـ كسمير صبري وعمرو دياب.. شاؤوا أن يظهروا كأبطال في أفلام من إنتاجهم؛ فيما أجبروا ممثلين مشهورين على الظهور معهم في أدوار مساعدة أو ثانوية! وعودة لحديثنا عن السينما السورية، الكلاسيكية، لنجد أن " أفلام المقاولات " بقيت تقريباً حكراً على نفس رجال الأعمال؛ ربما باستثناء دخول راقصة شرقية على الخط، وهيَ الفنانة إغراء. إلا أنّ هذه الفنانة، كانت موهبتها مقبولة في فن التمثيل. ما يذكّرنا ببعض بنات مهنتها، المصريات، مثل سامية جمال ونعيمة عاكف وكيتي. لقد سبقَ لكاتب هذه السطور، أن قدّمَ دراستين لفيلمين من بطولة الفنانة إغراء. ونحن الآنَ بصدد الحديث عن فيلم ثالث لها؛ وهوَ " راقصة على الجراح "، إنتاج عام 1974 ومن إخراج محمد شاهين. منتج الفيلم، فايز سلكا، كانَ بدَوره يمتلك شركة إنتاج سينمائيّ، وقد تعاون مع الفنانة إغراء في عدة أفلام.
2 سبق لنا أيضاً التنويه، لتعهّد الفنانة إغراء كتابة قصص بعض أفلامها، أو الإشتراك مع آخرين في كتابة السيناريو والحوار. افترضنا إذاك أنّ موهبتها في هذا الشأن تفتقد للأصالة، كون قصصها مستوحاة غالباً من أفلام مصرية. هذا نلحظه كذلك في " راقصة على الجراح "، الذي تنبئنا شارة الفيلم أن قصته من تأليف بطلته، الفنانة إغراء. في حقيقة الحال، أنّ القصة مستوحاة من الفيلم المصريّ " عهد الهوى "، المنتج عام 1955 ومن إخراج أحمد بدرخان. بدَورها، فقصة هذا الفيلم مأخوذة عن رواية " غادة الكاميليا "؛ وهيَ من تأليف الكسندر توماس الابن، الذي نشرها عام 1848 ولاقت رواجاً عظيماً، بحيث أنها تحولت إلى مسرحية ثم أوبرا للموسيقار فردي. خمسة أفلام مصرية أخرى، كلاسيكية، تم اقتباسها من نفس الرواية. إلا أنّ " عهد الهوى "، كانَ الأقوى بين تلك الأفلام، وهوَ من بطولة فريد الأطرش ومريم فخر الدين. فيلم " راقصة على الجراح "، يُستهل بمشهَدَ عنفٍ تكون ضحيته حنان ( الفنانة إغراء )، حينما يهاجمها شخصٌ مجهول، يبدو أنّ دافعه هوَ السرقة. حنان، تعمل في كباريه كراقصة شرقية. صديقتها سناء ( الفنانة اللبنانية، ليز سركيسيان )، تعمل بنفس المكان وتشاركها في الشقة. عقبَ الحادث، تختفي حنان بشكلٍ غامض مما يثير حيرة محقق النيابة. فيما كانَ المحققُ يدقق بأشياء الضحية، يعثر على دفتر مذكراتها، وتقول سناء أن صديقتها قد دوّنت فيه مأساتها. من هنا، يعود بنا الزمن للوراء؛ على طريقة الفلاش باك. يلوح من خلال سلوك حنان في الكباريه، وما تظهره من رفضٍ لبعض تصرفات الزبائن، أنها غير راضية عن طريقة حياتها وعملها. وكانَ من الممكن أن يغدو الأمرَ مفهوماً، لكي يوضع المشاهِدُ في صورة إنسانة بريئة أجبرتها الظروف على العمل في ملهى. لكن كانَ من غير المنطقيّ، أن يصدر عن حنان إيماءاتٍ برفض واقعها فيما هيَ تقدّم وصلة من الرقص الشرقيّ. في مشهدٍ على أعتاب نهاية الفيلم، تقدّم حنان رقصة أخرى. مع أن تبرير هذه الرقصة، كانَ إنتقالُ حنان للعمل بملهى أكثر رقياً. على أية حال، فلن يخلو فيلمٌ مصنّفٌ ضمن " سينما المقاولات " من الرقص الشرقيّ. ثمة ملاحظة لنا في هذا الشأن، وهيَ إصرارُ المخرجين السوريين على الموسيقى الشعبية حتى في خلال أداء رقصة شرقية. هذا مع أن الأتراك، على سبيل المثال، يختارون غالباً الموسيقى المصرية لهذا النوع من الرقص. فكم بدت الفنانة إغراء مضحكة في رقصات الفيلم، وذلك بسبب عدم توافق حركاتها مع موسيقى شعبية هيَ بالأساس مخصصة للدبكة! حبكة الفيلم، تبدأ مع تعرّف حنان على الطبيب سامي ( الفنان يوسف حنا )، والذي ما لبثَ أن باحَ لها بحبه ورغبته بالزواج منها. تتغيّر حالة حنان النفسية، وكل مرةٍ تبث لصديقتها حلمها بأن تكون إمرأة رجل ذي مركز إجتماعيّ مرموق، كالدكتور سامي، وأن يصبح لديها عائلة. سناء، تذكّرها كل مرةٍ أيضاً بوضعها كراقصة في ملهى، وأن عليها ألا تتمادى في أحلامها. سقطة أخرى للفيلم، حينما تنقلنا الكاميرا إلى حجرة نوم لكي نرى حنان في وضع معاشرة جنسية مع الطبيب. لأنّ هذا الأخير، كانَ ما فتأ جاهلاً بعمل حبيبته في كباريه، فكيفَ سيتقبّل ـ كرجلٍ شرقيّ ـ تسليمها جسدها له حتى قبل إرتباطهما بخطوبة؟ في حقيقة الحال، لا تفسير لذلك الموقف سوى في عرض مشهدٍ جنسيّ. بالأخص أن عدة مشاهد للفيلم، كانَ يتخللها ظهورُ البطلة عارية أو بملابسها الداخلية؛ وكذلك صديقتها. فهكذا مشاهد، هيَ أيضاً من شروط " سينما المقاولات "، لجعل الفيلم يحظى بالرواج تجارياً. وبالنسبة للفنانة إغراء، فإننا نوهنا بدراسة سابقة أنها أول من كسرت التابو في السينما السورية ( والعربية أيضاً )، وذلك من خلال ظهورها عارية تماماً في فيلم " الفهد "، المنتج عام 1972. أحلام حنان، المَوْصوفة، ما أسرعَ أن تبددت. حبيبها، سيعرف بأمر عملها كراقصة شرقية في كباريه. بسبب فضول الصحفي عادل، صديق حنان ( الفنان محمود جبر )، يقرأ والد سامي في مجلةٍ فنية خبر إرتباط ابنه بعلاقة مع راقصة. يُحاول سامي إقناع الأب بنقاء حبيبته وبراءتها، لكن عبثاً. عقبَ إنتهاء علاقتها بالطبيب، ترتبط حنان بعلاقة أخرى: نادر، وهوَ رجل أعمال ( الفنان محمد صالحية )، دأبَ منذ البداية على ملاحقة العاملات في الملهى. تعاود حنان الصلة به، بعدما صُدمت بجبن حبيبها إزاء مواجهة أبيه والمجتمع. لكنّ نادر، في نهاية المطاف، يكرر نفس مسلك حبيب حنان الأول؛ فيتهرّب من فكرة الزواج بها. من الملاحظات الأخرى على الفيلم، ما تظهره بطلته من عمق في الحوار، فضلاً عن اهتمامها بمطالعة كتب جدّية. وهذا لا يُمكن أن يكون واقعياً، طالما أن سياق الفيلم لم يبيّن للمشاهدين مستوى تعليمها أو مصدر ثقافتها.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
-
دور الكرد في تأسيس السينما السورية
-
من معالم السينما السورية: الكومبارس
-
إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
-
تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
-
تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
-
تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
-
تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
-
تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
-
تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
-
تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
-
أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
-
النملة الممسوسة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
-
المطاردة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
-
الهوّة
-
أنهارٌ من زنبق: الفصل الخامس
-
الشحيح والشيطان
-
أنهارٌ من زنبق: النهر الرابع
المزيد.....
-
اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
-
الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
-
الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم
...
-
رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو
...
-
قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان
...
-
معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو
...
-
الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج
...
-
تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن
...
-
اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير
...
-
كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
المزيد.....
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|