|
المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 10:02
المحور:
الادب والفن
1 فيلم " المغامرة "، إنتاج عام 1974، هوَ الفيلم التاريخيّ الوحيد في خلال مسيرة السينما السورية، والتي سنحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسها بعدَ سنتين. هذا أيضاً كانَ حالُ السينما المصرية، المعروفة بإنتاجها الغزير، وكان نصيبُ الأعمال التاريخية منها لا يتجاوز العشرة أفلام. كانَ أول تلك الأفلام، " صلاح الدين الأيوبي "، المنتج عام 1941، للمخرج إبراهيم لاما. هذا المخرج، الفلسطينيّ الأصل، قدّمَ باكورة السينما المصرية، " قبلة في الصحراء "، عام 1927، وكانَ فيلماً صامتاً. وربما لا يخفى بشأن مغزى إختيار شخصية صلاح الدين، سينمائياً، كون موطن ذلك المخرج، فلسطين، مشتعلاً آنذاك بالصراع بين العرب واليهود. إنها لمفارقة بيّنة، هذه الندرة في الأفلام التاريخية، سواءً في مصر أو سورية. ذلك لو عرفنا، أن الإنتاج السينمائيّ المصريّ قد شهدَ طفرة كبيرة بعد قيام ثورة 23 تموز/ يوليو لعام 1952. فخطاب الثورة كانَ قومياً عربياً، يُحيل في كل مناسبة للأمجاد التاريخية؛ وبخاصة عصر الفتوحات الإسلامية. كذلك الأمر، تتجسّد تلك المفارقة بالإنقلابيين البعثيين السوريين؛ ولو أن خطابهم كانَ يسارياً أكثر منه قومياً، في سنوات حكمهم الأولى على الأقل. لكن الأمرَ قد يتعلق بقلّة شعبية الأفلام ذات الطابع التاريخيّ، وفي التالي، قلّة مردودها على المنتجين. وهذه وجهة نظر صائبة، لو كنا نتحدث عن الفيلم السوريّ، " المغامرة "، الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما وليسَ شركة خاصّة. أما أضخم الأفلام التاريخية في السينما المصرية، " الناصر صلاح الدين "، المنتج عام 1963، فقد أنتجته شركة خاصة تملكها الفنانة آسيا داغر، وقد تكلّفَ مبلغاً ضخماً. لقد بدأ العملُ بهذا الفيلم في فترة الوحدة مع سورية، وكانَ دعاية واضحة لعبد الناصر، كونه دأبَ على الحديث عن تحرير فلسطين. ومما له مغزاه، ونحن ما زلنا بصدد المقارنة بين السينما المصرية وندّتها السورية، أن نعلم بأنّ شركة آسيا داغر أنتجت أول فيلم ملون، " ردّ قلبي "، عام 1958. فيما أن المنتجين الآخرين، الذين سبقوها، كانوا يرسلون أفلامهم إلى باريس كي تلوّن بتقنية سكوب. أما فيلمنا السوريّ، " المغامرة "، الذي نحن بصدد دراسته، فإنه كانَ بالأبيض والأسود.
2 مخرج فيلم " المغامرة "، محمد شاهين ( 1931 ـ 2004 )، ولد في دمشق لأسرة من أصل كرديّ. تخرّج من الكلية الحربية برتبة ملازم، ثم واصل خدمته بالجيش من خلال تفويضه للعمل بالمسرح العسكريّ حتى وصل لرتبة لواء. أخرجَ عدة مسرحيات، ثم انتقل إلى العمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون، وذلك قبل إرساله في بعثة إلى باريس لدراسة الإخراج السينمائيّ. يعدّ شاهين من أغزر المخرجين السوريين إنتاجاً، بما يفوق العشرين فيلماً. تميّز بأسلوب الواقعية الشعرية، كما أن عدداً من أفلامه مأخوذة عن روايات لحنا مينه وغيره. شاهين، أسسَ مهرجان دمشق السينمائي وكان مديراً له في عدة دورات، كذلك كان من أوائل رؤساء المؤسسة العامة للسينما، وقد حصل في خلال مسيرته السينمائية على عدد من الجوائز المحلية والعالمية. وهوَ كانَ زوج الفنانة الكبيرة، منى واصف، والتي ستظهر في فيلم " المغامرة " كضيفة شرف. هذا الفيلم، مأخوذ عن مسرحية " مغامرة رأس المملوك جابر " للكاتب سعد الله ونوس ( 1941 ـ 1997 ). المؤلف بدَوره، استوحى حبكة مسرحيته من سيرة الظاهر بيبرس، الكلاسيكية. المؤلف ونوس، المعروف بإتجاهه اليساريّ، عمدَ إلى إسقاط وقائع سياسية معاصرة على نصّه. هذا نراه في شارة الفيلم، التي تنقلنا إلى مقهى شعبيّ دمشقيّ، أينَ تربّع الحكواتي على سدّته وهوَ يروي بأسلوبه الطريف سيرة عنترة العبسيّ، فيما العديد من روّاد المقهى يدخنون الأراكيل ( الشيشة ). ومنذ البدء، علينا الإشارة لخطأ أرتكبه مخرج الفيلم: إذ يُظهر الوزيرَ منذ المشاهد الأولى وهوَ يدخّن الأركيلة. بينما المعروف، أن تدخين التبغ لم يعرف إلا في العهود المتأخرة من العصر العثماني. فيما هذا الفيلم، يجسّد حكاية تمتّ لنهاية العصر العباسيّ؟ نعود إلى الفيلم، لنجد أحد روّاد المقهى يقاطع الحكواتي ليطلب منه رواية سيرة الظاهر بيبرس. وكانت تلك مقدمة مناسبة، للدخول إلى أول مشاهد الفيلم. موسيقى الشارة، كما ومشاهد الفيلم، من تأليف سهيل عرفة. وقد سبقَ لكاتب هذه السطور، في دراسة فيلم " أموت مرتين وأحبك "، أن بيّنَ افتقار هذا الملحن لمعرفة أصول الموسيقى التصويرية. تصوير فيلم " المغامرة "، كانَ مُحبِطاً أيضاً، وفاقمه ندرة التجهيزات اللازمة لفيلمٍ تاريخيّ، علاوة على سوء أماكن التصوير وندرة الديكورات. الإسقاطات السياسية، نتعثّرُ بها منذ المشهد الأول في الفيلم. المملوك جابر ( قام بالدَور، الممثل أسامة الروماني )، يسخر من زميلٍ يخدم معه في قصر الوزير، وكان هذا يكلمه عن فساد الحكّام والحال البائس للشعب. كذلك ثمة إشارة في حديثهما، عن صراع النفوذ القائم بين الخليفة العباسيّ ووزيره. هذا الأخير ( قام بالدَور، هاني الروماني )، يظهر في المشهد التالي مع جاريته المفضّلة، شمس النهار ( الفنانة سلوى سعيد )، ليكلمها أيضاً عما جدّ من تلك الخصومة مع الخليفة. تقريباً كل مشاهد الوزير مع جاريته، مكانها في حجرة النوم؛ وهيَ شبه عارية. للجارية وصيفة شابّة وجميلة، تدعى زمرد ( الفنانة إغراء )، تعيش في علاقة حب سرّية مع المملوك جابر. لكن المملوك لا يتمكّن من تملّك جسدها، وهوَ في عريه العارم، سوى بأحلام اليقظة. لقد سبقَ لنا كذلك دراسة ثيمة الجنس، سينمائياً، من خلال فيلم " أموت مرتين وأحبك "، الذي كانَ أيضاً من بطولة الفنانة إغراء. حبكة الفيلم ( سبقَ لنا التنويه بأن الكاتب ونوس اقتبسها من السيرة الظاهرية )، تُستهل حينما يعلم جابر أنّ مولاه الوزير يفشل كل مرةٍ بنقل رسالة خطيرة إلى أعداء الخليفة، وذلك بسبب إجراءات التفتيش الصارمة على أبواب بغداد. عند ذلك، تأتيه فكرة عن طريقةٍ مبتكرة لنقل الرسالة: أن تُكتب الرسالة على رأسه الحليق، وبعدئذٍ ينمو الشعر ولا يستطيع الحراس إكتشافَ الأمر. يتوصل الوزير لصاحب الفكرة من خلال وصيفة شمس النهار، ويقتنع بإمكانية نجاح الخطة. لكننا نواجه سقطة أخرى للفيلم، بتكرار مشاهد أحلام اليقظة، المعترية المملوك جابر، بأنه حالما يعود من مهمته عند المغول فإنه سيصبح الخليفة ويجعل الوزير يتذلل له كي ينال رضاه: بالطبع، من المحال أن يتصوّر مملوكٌ نفسه بمكان الخليفة، لمجرد توصيل رسالة؛ ناهيك أن الخلافة أساساً، محصورة بذوي النسب الهاشميّ؟ في الأثناء، تنقلنا الكاميرا إلى شوارع بغداد، ثمة أين يتجمّع الناس أمام أحد الأفران في طابور طويل بسبب ندرة الطحين. هنا أيضاً، يتمثل الإسقاط السياسيّ في أحد المجتمعين، الذي يكلم الناس عن مظالم أولي الأمر. أحدهم يؤيده بحرارة، ونعلم من مشهد سابق أنه شقيق شمس النهار، جارية الوزير. في نهاية الفيلم، نرى كلا الرجلين وهما يدافعان عن المدينة بوجه الغزاة المغول، الذين يستبيحونها بعدما وصلت رسالة الوزير إلى ملكهم؛ وهيَ رسالة، تؤكّد لملك المغول بأنه سيجد أحد أبواب بغداد مفتوحة لو قدِمَ إليها مع جيشه. هنا يستوقفنا هذا التناقض في حبكة الفيلم، ويتمثل في موضوع الرسالة: فلو أنّ الوزير كانت لديه القدرة على تأمين أحد أبواب بغداد، فلِمَ إذاً عجزَ طوال الوقت عن توصيل رسالته إلى ملك المغول؛ وذلك قبل أن يقدّم له المملوك جابر فكرته المبتكرة؟ بالطبع، وكما نعلم، فإنّ حبكة الفيلم مأخوذة ـ كما ومسرحية سعد الله ونوس ـ من سيرة الظاهر بيبرس. في حقيقة الحال، أن السيرة قد استلهمت حكاية خيانة الوزير من كتابات المؤرخين المسلمين السنّة. فهؤلاء المؤرخون، أجمعوا على أن الوزير العلقميّ هوَ من خابرَ المغول وحرّضهم على إجتياح دولة الخلافة العباسية. ووراء تصرفه، وفق زعم أولئك المؤرخين، كانت النية في إنهاء الخلافة وتمكين العلويين من حكم بغداد. إلا أنّ مصيرَ الوزير العلقميّ، لا يتفق مع تلك الرواية: فإنّ المغول، وإن لم يقتلوه مثلما فعلوا مع الخليفة وحاشيته، إلا أنهم بالغوا في إذلاله وإمتهان كرامته لحين أن توفيَ قهراً بعد سنواتٍ قليلة. علاوة على حقيقة أخرى، وهيَ أنّ المغول بادروا فورَ إقتحامهم لبغداد بقتل كل مواطن صادفوه ودونما تمييز بين سنّي وشيعي أو مسيحي ويهودي.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور الكرد في تأسيس السينما السورية
-
من معالم السينما السورية: الكومبارس
-
إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
-
تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
-
تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
-
تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
-
تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
-
تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
-
تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
-
تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
-
أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
-
النملة الممسوسة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
-
المطاردة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
-
الهوّة
-
أنهارٌ من زنبق: الفصل الخامس
-
الشحيح والشيطان
-
أنهارٌ من زنبق: النهر الرابع
-
أنهارٌ من زنبق: النهر الثالث
المزيد.....
-
فنانون وساسة برازيليون يطالبون الرئيس دا سيلفا بقطع العلاقات
...
-
اللجنة العليا لانتخابات اتحاد الأدباء تعلن النتائج الأولية ل
...
-
العدد الثاني من مجلة سينماتيك
-
155 عاما على دار الكتب المصرية و60 عاما من تراجع الدور الثقا
...
-
فيلم عيد الأضحى .. فيلم ريستارت “بطولة تامر حسني” .. كسر الد
...
-
فضلو خوري زميلًا في الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم
-
السعودية تدشن مسارا عالميا لترجمة خطبة عرفة إلى 35 لغة وتعلن
...
-
مصر.. أزمة حادة بين فنانتين شهيرتين تنتهي بقبلة على الرأس (ص
...
-
المغرب: مهرجان -جدار-.. لوحات فنية تحوّل الرباط إلى متحف مفت
...
-
بعد تكرميه بجائزة الثقافة في مالمو 2025 - محمد قبلاوي ”صناعة
...
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|