أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - من معالم السينما السورية: الكومبارس















المزيد.....

من معالم السينما السورية: الكومبارس


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


1
من سوء حظ السوريين، وهذه مفارقة بيّنة، أن يتأخّر الإحتلال التركي لبلدهم حتى عام 1918. بعد أقل من عشر سنوات على ذلك التاريخ، تم إنتاج أول فيلم سوريّ؛ " المتهم البريء "، من تأليف وإخراج أيوب بدري. تشديدنا على سوء الحظ، هوَ ما خلفه الأتراك من تزمت وتعصب في المجتمع الدمشقيّ بشكل خاص. لأن باكورة السينما السورية ذاك، قد واجه حملة عاتية من رجال الدين في المدينة، بسبب إسناد دور البطولة لإحدى فتياتها المسلمات. ما أجبرَ المخرج على إعادة تصوير مشاهد الفيلم، التي تظهر فيها الفتاة، ليسند البطولة النسائية لراقصة ألمانية كانت تعمل في أحد ملاهي المدينة!
يكفي لكي نفهم معنى تلك المفارقة، أن نعلم بأن أول فيلم مصريّ، " زينب "، قد أنتج عام 1930؛ من إخراج محمد كريم. وعلى خلاف ردة الفعل السلبية بشأن المشاركة النسائية، التي واجهت باكورة السينما السورية، نجد أن مثيله المصريّ إشتركت ببطولته كلٌ من بهيجة الحافظ ودولت أبيض. الأولى، تعد أول مؤلفة موسيقية في موطن النيل، وكانت قد درست في كونسرفتوار باريس؛ فيما الأخرى، تعتبر رائدة الفن المسرحيّ ببلدها. في حقيقة الحال، أن المسرح المصريّ ( علاوة على باقي الفنون كالغناء والموسيقى والرقص )، كان قد عُرف في مصر منذ أواسط القرن التاسع عشر، بما لقيَه من تشجيع أسرة محمد علي الحاكمة. ويكفي أننا نعرف، بأنّ أول دار أوبرا في المشرق، أشيدت بالقاهرة في عهد الخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس، فحضر عرضها الأول عددٌ من ملوك وأمراء أوربا.
على ذلك، ندرك أن للسينما جذوراً راسخة في مصر، كون مسرحها على جانب كبير من العراقة، فضلاً عن الفنون الأخرى، المتواشجة معه. فيما السينما السورية، مع أنها سبقت المصرية بثلاثة أعوام، قد أفتقدت هكذا عراقة؛ لما أسلفنا عن بقاء الإحتلال التركي المباشر لحين إنتهاء الحرب العظمى. بغض الطرف عن النوع والجودة، ونحن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، نجد فرقاً هائلاً بين عدد الأفلام المصرية وتلك السورية. فبينما تطورت الأولى على يد مجموعة مهمة من الرواد مذ ثلاثينات القرن المنصرم، فإن الأخرى بقيت متعثرة تقدّم خطوة للأمام وترجع خطوة للخلف. أكبر مثال على إنتكاسة السينما السورية، أن ثمانية فقط من أعمالها قد وجدت لهم مكاناً في قائمة أفضل مائة فيلم عربي؛ فيلمان منهم كانا وثائقيين. لكن علينا ألا نتجاهل حقيقة معروفة، وهيَ أن شوام مصر هم من أسهموا بشكل كبير في صناعة السينما المصرية، والعديد منهم هاجر إلى القاهرة هرباً بموهبته من تقاليد مجتمعه المتزمت ومن عسف وجهل السلطات التركية.
الفيلم الثاني بتاريخ الفن السابع السوريّ، " تحت سماء دمشق "، تم إنتاجه عام 1932؛ وهوَ من تأليف وإخراج إسماعيل أنزور. هذا المخرج، كان قد درسَ فن السينما في النمسا، فعاد إلى دمشق وكله حماسٌ لكي يواصل مسيرة الفيلم السوريّ. في بيانات هذا الفيلم بموقع " غوغل "، لم يتم ذكر أي مشاركة نسائية. بالرغم من أنّ قصة الفيلم، تتمحور حول علاقة حب بين طبيب غني وفتاة فقيرة، وعلاقة أخرى بين شقيق هذه الأخيرة وإحدى الراقصات. أما الفيلم السوريّ الثالث، " الغرام عند الغروب "، المنتج عام 1937، فإننا لا نملك أي معلومات عنه لكونه مفقوداً. كذلك كان حال الفيلم الطويل، " نور وظلام "، إنتاج عام 1948، والذي قام ببطولته عددٌ من رواد المسرح السوري؛ حكمت محسن وأنور البابا وسعد الدين بقدونس. بعد ذلك بعامين، أنتجَ أولُ فيلم سوريّ ناطق، " عابر سبيل "، من بطولة المطرب نجيب السراج؛ وهوَ من تأليف وإخراج أحمد عرفان. هذا الفيلم الغنائيّ كان طويلاً، 90 دقيقة، كما وتميز بمشاركة نسائية جيدة. ثم نصل إلى العهد الذهبيّ للسينما السورية، المتحقق في عقديّ الستينات والسبعينات، والذي عرفنا من خلاله أبرزَ النجوم الكلاسيكيين سواءً في مجال الميلودراما أو الكوميديا. فلم يكن بلا مغزى، أن يرتفع عدد صالات السينما في عموم البلد إلى ما يزيد عن المائة وعشرين، العديد منها كان بالأصل صالات مسرح.
في ذلك العهد الذهبيّ، برز اسمُ نبيل المالح ( 1935 ـ 2016 )، الذي استحقَ لقب " شيخ المخرجين السوريين ". المالح، المولود في دمشق، كان يدرس الفيزياء النووية في العاصمة التشيكية، حينما عُرض عليه دورٌ صغير ( كومبارس ) في فيلم بذلك البلد. على الأثر، إتجه لدراسة الإخراج السينمائيّ. وبما أنه هوَ مؤلف فيلم " الكومبارس "، فإننا نفترض أنه كانَ بتأثير تجربته السينمائية الأولى. هذا الفيلم، المنتج عام 1993، كانَ تتويجاً لمسيرة طويلة وحافلة في مجال الإخراج. ومن أعمال نبيل المالح المهمة، " الفهد "، عام 1972، الذي حصل على جوائز عديدة ونال استحسان النقاد. كذلك كان شأن فيلميه، " المخاض " و" بقايا صور "، المنتجين عام 1978. ولعل أفضل أفلامه، هوَ " الكومبارس "؛ موضوع هذه الدراسة.

2
كان موفقاً، إختيارُ المخرج للبطلين الرئيسيين لفيلم " الكومبارس ". بسام كوسا ( مواليد 1954 )، سبقَ له أن شارك ببطولة خمسة أعمال سينمائية. إنه بالأساس خريج كلية الفنون الجميلة، قسم النحت، وقبل احترافه للتمثيل عمل كهاوٍ في المسرح الجامعيّ. وسينجحُ في تجسيد الأدوار الصعبة، المركبّة والمعقدة، خصوصاً في مجال الدراما. أما سمر سامي ( مواليد 1962 )، فإنها سبقت بسام كوسا بنحو عقدٍ من الأعوام في العمل السينمائيّ. وسمر سامي، بحسَب كثيرين، تعدّ أجمل وجه في السينما السورية؛ ولذلك أطلق عليها لقب " غاردينيا الشاشة ". وسنرى موهبتها الكبيرة، كيف تجلت في هذا الفيلم، حينما أقنعت المشاهدَ أنها الأرملة " ندى "، التي يجمعها الحب بالشاب " سالم "، فتحدب عليه كأنها أخته الكبيرة أو أمه.
شارة الفيلم، المقطعة إلى مشاهد، لعلها الوحيدة الممكن رؤيتها خارج الشقة، التي ستجري فيها جميع أحداث الفيلم. كذلك الأمر بالنسبة لموسيقى الشارة، المختلفة بحسب تلك المقاطع؛ فتارة هي أغنية لأم كلثوم، وتارة أخرى أغنية لصالح عبد الحي، أو مجرد أصوات ماكينات الخياطة. هذه المقاطع، كان واضحاً أنها تريدنا معرفة أبطال الفيلم منذ الدقائق الأولى: إن ندى هيَ من تعمل في مشغل خياطة، وتعيش في منزل أسرتها عقب موت زوجها دونما أن ينجبا أطفال. سالم، الذي يعيش بدَوره مع أسرته، يضطر وهوَ طالب الحقوق، أن يعمل نهاراً في كازية وليلاً ككومبارس في المسرح القومي. صديقه عادل ( الفنان محمد الشيخ نجيب )، هوَ من سيسمح لسالم بالبقاء في شقته للإجتماع بندى. من خلال حديث عادل عن حميه المقبل، رجل الأعمال، ندرك أنه سعى للزواج بدافع المصلحة. يسخر طوال الوقت من سالم، ويناكده بالقول أنه لن يصبح نجماً مسرحياً من كان مثله يعاني من التأتأة. خطيبة عادل ( الفنانة وفاء موصلي )، تؤكّد ما سبقَ لنا قوله عن زواج المصلحة، وذلك حينما تحضر للشقة وترتكب بعض الحماقات سواءً بمسلكها أو طريقة حديثها. بكلمة أخرى، أنها بلهاء.
مع أن " الكومبارس " لا يعدّ فيلماً كلاسيكياً، ولكن يبدو تأثر المخرج بأفلام هيتشكوك، لناحية اشتغال هذا العمل السينمائيّ على مكان واحد وزمن واحد. من ناحية أخرى، تذكّرنا مهنة الكومبارس بدَور عبد الحليم حافظ في فيلم " معبودة الجماهير "، ودَور عادل إمام في فيلم " نص ساعة زواج "، الذين أنتجا في عقد الستينات. لكننا افترضنا منذ البداية، أن هذه المهنة قد مارسها نبيل المالح حينما كانَ بعدُ طالباً في جامعة براغ، وبالتالي، ربما شاء استعادتها في عمله السينمائيّ وقد غدا مخرجاً معروفاً. نعود إلى " الكومبارس "، لنرى سالم وهوَ يُعيد على مسامع حبيبته أمنيته تلك في أن يصبح نجماً مسرحياً. كان إذاك سعيداً، بإخبارها أن مخرج المسرحية أعطاه دوراً يتجاوز دورَ الكومبارس؛ دوراً فيه حوار. قبل قدوم ندى، كان ثمة علامة لعقدة حبكة الفيلم، وذلك حينما يقتحم رجالُ الأمن الشقة لكي يطرحوا بعض الأسئلة عن الجار الأعمى، الذي سمعناه في شارة الفيلم وهوَ يعزف على العود ويترنّم بأغنية " ليه يا بنفسج " لصالح عبد الحي. ما سبق، يعدّ بشكلٍ من الأشكال إسقاطاً لشخصية الشيخ إمام؛ المغني المصريّ، الذي كان يقدّم الأغاني السياسية وعُرف بمعارضته للنظام وما عاناه من إضطهاد وإعتقال. بعدما أخلى له صديقه الشقة، وغدا وحيداً فيها، أخذت سالم حالة من أحلام اليقظة، فصارَ تارةً يتخيل وضعاً جنسياً مع عدة فتيات، وتارة أخرى مع حبيبته. الغريب، وهذا أراهُ أمراً لا يمكن أن يمتّ للواقع، أنه حالما حضرت ندى للشقة، فإنّ سالم يدخل معها في حوار طويل حول الفن؛ محوره تلك المسرحية، التي أعطيَ فيها دَور كومبارس. بينما كانَ من المنطقيّ ـ بحَسَب رأيي ـ أن يبدأ حالاً بالمغازلة طالما أن هدفه من الاختلاء بها في الشقة هوَ ممارسة الجنس. بعدئذٍ، يطلب من ندى أن تردد معه: " زوّجتكَ نفسي على مهر وقدره.. الخ ". هذا أيضاً تأثر بالسينما المصرية، لأننا نحن السوريون لا نستعمل هكذا صيغة أثناء كتب كتاب العروسين؟
على أية حال، يلوح أن سالم قد إقتنع فعلاً أن ندى أضحت زوجته، فيحاول ممارسة الجنس معها في حجرة النوم. في هذه الأثناء، يتناهى صوتُ قرعٍ عنيف على باب الشقة؛ وتختلط الأشياءُ، فيما الكاميرا تنقل المشهدَ بطريقةٍ ضبابية وأقرب للأبيض والأسود: حضورُ رجال الأمن مجدداً، المغني الضرير يستنجد بسالم، هذا الأخير يحاول مساعدته، ندى تراقب ما يجري من شق باب حجرة النوم وهيَ مذعورة من إمكانية تورطها في القضية. أخيراً، تنتقل الكاميرا من جديد إلى خارج العمارة، لنرى الحبيبين وقد توجّه كلٌ منهما إلى جهةٍ مختلفة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
- تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
- تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
- تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
- تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
- تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
- تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
- تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
- أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
- النملة الممسوسة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
- المطاردة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
- الهوّة
- أنهارٌ من زنبق: الفصل الخامس
- الشحيح والشيطان
- أنهارٌ من زنبق: النهر الرابع
- أنهارٌ من زنبق: النهر الثالث
- أنهارٌ من زنبق: النهر الثاني
- أنهارٌ من الزنبق: النهر الأول


المزيد.....




- راهبتان برازيليتان تحولان برنامجًا دينيًا إلى عرض موسيقي عفو ...
- براد بيت يكسر صمته بشأن إنهاء طلاقه من أنجلينا جولي
- وفاة الفنانة المغربية نعيمة بوحمالة عن 77 عاما بعد صراع مع ا ...
- فيلم -8 أكتوبر- يهاجم الاحتجاج ضد الإبادة دعما لأجندة يمينية ...
- هي ثاني أكثر اللغات انتشارا في فرنسا... ما هو واقع تعليم الل ...
- مصر.. مسؤول يحذر من خطورة -ثقافة التريند- على الأمن القومي
- راغب علامة يعلّق على زيارته للرئيس اللبناني
- من المؤثرة البريطانية نيكي ليلي التي استضافها مهرجان كان الس ...
- أسرار باريس | أشباح كواليس الأوبرا
- -التربية-: مدارسنا تحصد جوائز ومراكز متقدمة بمهرجان أفلام ال ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - من معالم السينما السورية: الكومبارس