|
بقايا صُوَر: الأدب والسينما
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 08:00
المحور:
الادب والفن
1 كما هوَ معروف، فالرواية تعتبر أقرب فنون الأدب للسينما. ذلك أن العنصرين الأساسيين في كل فيلم، هما السرد والحوار. فلم يكن بلا مغزى، تعهّد بعض الروائيين الكتابة المباشرة للسينما أو أن تتحول أعمالهم إلى أفلام. في المقابل، ينصح غابرييل غارسيا ماركيز الروائيين بعدم تضييع وقتهم في كتابة السيناريو وأن يدعوا ذلك للمتخصصين في هذا النوع من الأدب السينمائي. أما هنري ميللر، فإنه أنتظر عبثاً تحويل إحدى رواياته إلى فيلم من لدُن منتجي هوليوود. ولكن لدينا أبلغ مثال في السينما المصرية، بشأن نجاح الأديب في خوض غمار هذا الفن، وذلك من خلال تعاون نجيب محفوظ مع صلاح أبو سيف في عدة أفلام ذاتَ مستوىً عالٍ. الأديب السوري حنا مينه ( 1924 ـ 2018 )، كتبَ عدداً كبيراً من الروايات، تم إنتاجُ خمسٍ منها كأفلام طويلة من قبل المؤسسة العامة للسينما. إحدى تلك الروايات، " اليازرلي "، حولت إلى عمل سينمائي عام 1974 من إخراج العراقي قيس الزبيدي، حيث حصل على المرتبة 79 في قائمة أهم مائة فيلم عربي. بعد خمسة أعوام، حصد فيلم " بقايا صُوَر "، المأخوذ عن رواية لحنا مينه، ثلاث جوائز رفيعة: الذهبية كأحسن فيلم من مهرجان دمشق السينمائي، والذهبية لأفضل إخراج من مهرجان قرطاج، والذهبية لأحسن ممثل ( الفنان أديب قدورة ) من مهرجان أسيا وأفريقيا. " بقايا صور "، نشرها حنا مينه عام 1975، وهيَ الجزء الأول من سيرة ذاتية روائية. بحَسَب السرد، المنقول على لسانه كإبن وحيد لأسرة فقيرة، فإنه يستعرض أحداث طفولته البائسة، التي شهدت تنقله مع أبويه وشقيقتيه بين عدة أماكن في الساحل السوري من إسكندرون مروراً بالسويدية وإلى اللاذقية. أسلوب الكاتب، لا يختلف هنا عن بقية رواياته، لجهة المبالغة في نقل الوقائع على حساب التصوير الفني، واللغة الجافة بدلاً عن اللغة الشعرية. الفيلم، المنتج عام 1979، كانَ أميناً لهذه الرواية الكلاسيكية سواءً في الحوار أو الحبكة. المخرج نبيل المالح، عهد كتابة السيناريو لمساعده، سمير ذكرى، والحوار للأديب حسن سامي يوسف. لقد سبقَ لنبيل المالح أن أخرج فيلمين للمؤسسة العامة للسينما، هما " رجال في الشمس " و" الفهد ". هذا الأخير، سبقَ لنا دراسته وملاحظة إجادة المخرج في التعامل مع النص الروائيّ الأصل، المكتوب بأسلوبٍ ملحميّ ولغة شاعرية جميلة.
2 أغنية من التراث، ترافق شارة فيلم " بقايا صُوَر "، الذي تم إنتاجه بالألوان الطبيعية. أسماء الممثلين، تم إدراجهم فيما عُرف ب " ثلاث حركات "؛ أي الأماكن الثلاثة، التي ستشهد أحداث الفيلم. هذه الحركات، في المقابل، لم تذكر في السياق. هكذا يفتتح المشهد الأول، بظهور أبي سالم ( الفنان أديب قدورة ) وهوَ منهمكٌ في تعمير جدار لأحد جيرانه بمقابل الحصول على أجر زهيد. صديقه الأرمنيّ، ما لبث أن قابله كي يبشره بإنتهائه من تصليح السيارة. يعود أبو سالم إلى المنزل، ليخبر زوجته ( الفنانة نائلة الأطرش ) بأنه في صدد القيام بعملية تحقق ربحاً كبيراً. المرأة المسكينة ( مثلما سيقدمها الفيلم في كافة المشاهد )، ستتخلى عن مصاغها لكي يؤمن زوجها تمويل عمليته. وإذ هيَ عملية تهريب كمية من التبغ، عبرَ الحدود مع تركيا، تنتهي باستيلاء عصابة قطاع طرق عليها. يلوحُ أن المنطقة، الكائنة ضمن حدود لواء إسكندرون، قد أضحت مأوى العصاة ورجال العصابات. فما أن تسير السيارة بأبي سالم ورفيقه، محملة أيضاً بالعصابة، إلا وتقع في كمين آخر. تفنى العصابة الأولى على يد رجال العصابة الأخرى، فيما الصديقان يتمكنان من مغادرة المكان بسلام. الفيلم ( وفق الرواية بالطبع )، يكشف أيضاً المشاكل الإثنية في تلك المنطقة، خصوصاً بين السوريين والأتراك. هؤلاء الأخيرين، كانوا يحصلون على الدعم ليسَ من أنقرة، حَسْب، وإنما أيضاً من حكومة دمشق، المعيّنة من قبل المندوب السامي الفرنسي. ملّاك الأراضي، كانوا بمعظمهم من الأتراك، وأحدهم سبقَ أن استولى على أرضٍ تخص زوجة أبي سالم. يدخل خالها على الخط ( الفنان الأردني جميل عواد )، الذي يحاول عبثاً إسترجاع الأرض لابنة أخته. عندئذٍ يرافق الأسرة إلى قرية أخرى، ثمة أينَ يطلب من المختار تأمينَ سكنٍ لهم. هذا الأخير، يقبل إيواء الأسرة وتأمين قوتها بمقابل عمل الزوجين لديه. لاحقاً، يأخذ الابنة الكبيرة للخدمة في منزله، بحجة أن أباها مهملٌ في عمله. إضطرابُ الأمن، كانَ ملحوظاً كذلك في هذه القرية، ورجال الدرك يعتدون على الأهالي عوضاً عن حمايتهم من قطاع الطرق واللصوص. أرملة جميلة ( الفنانة سمر سامي )، يحاول دركيّ التحرش بها، فيقوم أبو سالم بإبعاده. وما عتمَ أن غدا عشيقاً للأرملة، يقضي أحياناً الليل عندها حتى الصباح. يهل الربيعُ، وكانَ فرصة لأهالي المنطقة كي يعملوا في تأهيل دودة القز، المنتجة للحرير الطبيعي. بعدما سلموا المحصول للمختار، إذا به يمتنع عن دفع ثمنه مبرراً ذلك بديونٍ مستحقة عليهم. حينما يثور القرويون على المختار، يستنجد بقوة من الدرك. أبو سالم، يهرع في الأثناء إلى خال زوجته لمساعدته في استرجاع ابنته من عند المختار. قبل ذلك، كان أبو سالم قد أضطر بسبب الحاجة إلى إعطاء ابنته الأخرى، الصغيرة، للخدمة في منزل الآغا الكبير. الابنة الكبيرة، لم تكد تبتهج بعودتها لأسرتها حتى يتم إلحاقها هيَ الأخرى بشقيقتها. عند ذلك تكون الأسرة قد انتقلت إلى ذات القرية، أينَ يوجد قصرُ الآغا. في مقابل تخديم الفتاتين، كانَ المفترض بالآغا أن يؤوي الأسرة ويدبّر لرجلها عملاً. في تلك الأثناء، كانَ خازن مستودع الآغا قد اتهمَ بالسرقة، وتجري معاقبته بالجلد أمام القرويين من قبل رجال الدرك. رئيسُ قوة الدرك ( الفنان أحمد منصور )، ما لبثَ أن عرفَ في أبي سالم رفيقه في العمل بمرفأ اللاذقية؛ فيتوسط له عند الآغا كي يحل بمكان خازن المستودع. قبل أن يتفرق حشدُ القرويين في الساحة، تظهر إمرأة تدعى زنوبة ( الفنانة منى واصف ). نعلمُ من السياق، أن زوجها سبقَ ووقع ضحية جريمة دبّرها الآغا. تبدأ بكيل الشتائم له ولآمر الدرك. هذا الأخير، يتوعدها بالمجيء إلى مسكنها ليلاً وإجبارها على معاشرته بالقوة. زنوبة تغدو صديقة للأسرة، بالأخص طفلها الصغير. تأخذه ذات يوم إلى مقامٍ دينيّ، وكانوا يوزعون هناك حصصاً من اللحم إيفاءً لنذر. أبو سالم، يصحو في الليل على صراخ زنوبة. آمر الدرك، كانَ يحاول إغتصابها مثلما سبقَ وهددها. يوجه أبو سالم فوهة بندقيته باتجاه صديقه القديم، فيطلق النار ويرديه قتيلاً. في اليوم التالي، يعلن الفلاحين العصيان ويمتنعون عن العمل في الأرض إلا بعدما يضمن الآغا منحهم حقهم بربع المحصول. كالعادة، يستدعي هذه الأخير الدرك لتأديب الأهالي. وإذا زنوبة، المعتلية سقفَ قصر الآغا، تبدأ بإضرام النار في المكان. عندما سقطت برصاصة من الدرك، يثور جمعُ الفلاحين ويأخذون بمهاجمة الآغا وأعوانه، فينضم أبو سالم للثائرين ببندقيته. في دراستنا لفيلم " الفهد "، بيّنا أنه سردية لما يُمكن تسميته بمظلومية العلويين. المخرج نفسه، نبيل المالح، أعادَ هذه السردية في فيلم " بقايا صور ". على سبيل المثال، إضطرار القرويين الفقراء لتخديم بناتهم في بيوت الملاكين السنّة، سواءً في الريف أو المدينة. كذلك كانَ تصويرُ عادات القرويين، فضلاً عن شكل ملابسهم رجالاً ونساءً، تجسيداً بدون مواربة للبيئة العلوية. ربما باستثناء الحوار، الذي غلبَ عليه اللهجة الشامية. كل هذا، بطبيعة الحال، يتناقضُ مع كون رواية " بقايا صور " سيرة ذاتية لمؤلّفها حنا مينه. ذلك أنّ الفيلم، بكل مشاهده، لم يُظهر أي علامة على أن أسرة البطل كانت مسيحية؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيد التقدمي والسيناريو السيء
-
رشو آغا؛ العنصرية في السينما
-
سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
-
المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
-
الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
-
سينما المقاولات، سورياً
-
المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
-
دور الكرد في تأسيس السينما السورية
-
من معالم السينما السورية: الكومبارس
-
إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
-
تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
-
تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
-
تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
-
تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
-
تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
-
تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
-
تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
-
أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
-
النملة الممسوسة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
المزيد.....
-
“وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1
...
-
وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق
...
-
جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202
...
-
-الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق
...
-
هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل
...
-
رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا
...
-
-بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر
...
-
عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا
...
-
يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو
...
-
الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|