|
رشو آغا؛ العنصرية في السينما
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 02:57
المحور:
الادب والفن
1 بعد عامين من الآن، ستحتفل السينما السورية بمئوية تأسيسها. في مقالٍ سابق، تحدثنا عن دور الكرد في تأسيس هذه السينما. فضلاً عن حقيقة معروفة، وهيَ أن عدداً من كبار المخرجين والممثلين في سورية هم من أصل كرديّ. ففي الإخراج، يكفي أن نذكر من جيل الرواد كلاً من محمد شاهين وعلاء الدين كوكش وخالد كاكا. من الممثلين، تسطع أسماءُ فنانين مخضرمين كأنور البابا ونهاد قلعي ومنى واصف وسلوى سعيد وعبد الرحمن آله رشي وخالد تاجا وطلحت حمدي. مع ذلك، فخلال هذه المسيرة الطويلة للسينما السورية، وبالرغم من أن الكرد هم القومية الثانية في البلد، لم يتناول أيّ فيلم هويتهم المتميّزة ولو تلميحاً. في هذا المقام، ربما علينا ذكر فيلم " ليالي ابن آوى "، المنتج عام 1989، للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، الذي أظهرَ صبياً ريفياً يعمل في المقهى بالعاصمة، يُطلب منه أداء أغنية كردية. فما كانَ من الرقابة سوى منع عرض الفيلم، بسبب الأغنية؛ وهوَ فيلم، كانَ قد حصل في نفس العام على جائزة الزيتونة الذهبية للإخراج من مهرجان حوض المتوسط السينمائي في كورسيكا! لم يكن غريباً، والحالة هذه، أن يتم التعامل بشكلٍ عنصريّ مع قصة مُستلهمة من البيئة الكردية حينما تمّ إنتاجها سينمائياً. نتكلم عن قصة " رشو آغا "، وهيَ من تأليف الفنان الكبير فاتح المدرس. هذه القصة، كتبها المؤلف في خمسينات القرن المنصرم، قبل أن يضمها في الثمانينات إلى مجموعته القصصية " عود النعنع ". لقد كانت المجموعة القصصية الوحيدة للمدرس، واستحقت ترحيباً حافلاً من لدُن أدباء كبار؛ مثل عبد الرحمن منيف وسعيد حورانية. هذا الأخير، كتبَ في مقدمة المجموعة: " قصص فاتح كأفضل لوحاته، وبعضها، كعود النعنع ورشو آغا، من أفضل ما كتب أدباء العربية على الإطلاق ". في عام 1974، شاءت المؤسسة العامة للسينما إنتاجَ ثلاث قصص من مجموعة " عود النعنع "، فكلفت ثلاثة مخرجين الإشتراك في إنجاز المشروع ضمن فيلم واحد؛ أطلق عليه اسم " العار ". ثلاثية مماثلة، سبقَ للمؤسسة إنتاجها قبل ذلك ببضعة أعوام في فيلم بعنوان " رجال تحت الشمس ". هذا النوع من الأفلام، كانَ معروفاً منذ عقد الخمسينات في السينما المصرية. مع الأسف، لا يتوفر في موقع يوتيوب من ثلاثية " العار " سوى أحد أجزائه، وقد قام بإخراجه بشير صافية. هذا المخرج ( 1937 ـ 2002 )، درسَ فن الإخراج في القاهرة، وسيقدم للمؤسسة العامة للسينما فيلمين روائيين آخرين علاوة على بضعة أعمال للقطاع الخاص. بخصوص الثلاثية، فإنه أخرجَ قصة " العبد "؛ وكذلك كتبَ لها السيناريو. لم يكتفِ المخرج بتغيير الاسم الأصل للقصة، وهوَ " رشو آغا "، وإنما سنرى أنه تلاعبَ أيضاً ببيئتها الكردية.
2 فاتح المدرس ( 1922 ـ 1999 )، هوَ مؤلف مجموعة قصص " عود النعنع "، وكنا قد سبق وأشرنا إلى أن ثلاثاً منها عولجت في فيلم " العار " من إنتاج المؤسسة العامة للسينما. المدرس، اختارَ البيئة الكردية في منطقة عفرين ( شمال غرب حلب ) لتكونَ مسرحَ معظم قصصه، بل وجعل شخصياتها يتكلمون بلغتهم الأم. إنه بنفسه كانَ يُجيد اللغة الكردية، لأن والدته تنتمي إلى تلك المنطقة الجبلية. وهيَ منطقة ذات مناظر خلابة، صوّرها لنا المدرس في قصصه بنفس جمالية لوحاته التشكيلية. قصص المدرس الثلاث، التي شكّلت الفيلم، هيَ " عود النعنع "، " خيرو العوج " و" رشو آغا ". هذه الأخيرة، هيَ موضوع دراستنا، كون الفيلم المقتبس عنها لا يتوفر غيره في موقع يوتيوب من ثلاثية " العار ". كذلك سبقَ ونوهنا، كيف قام المخرجُ بتغيير عنوان القصة إلى " العبد ". شارة الفيلم، تنتقلُ الكاميرا عبْرَها بين جبال وعرة، تتسلط عليها شمس الصيف القوية، فيما صوت بائع جوال يصدى في الوديان. يَظهر من ثم بائعٌ عجوز ( الفنان شفيق المنفلوطي )، يقود حماره بصعوبة. يُستبدل نداؤه على بضائعه بصوت الشاعر الشعبي، حسين حمزة، الصادح بأحد أزجاله. البائع المتجول، ويُدعى عبد الله، يسوق حماره في تلك الشعاب الجبلية وصولاً إلى القرية. المرابي ( الفنان نور كيالي )، ما لبثَ أن قدمَ لأجيره العجوز عرضاً بهدف تخليصه من دينه المستحق عليه: " أن تقبل زواج ابنتك حمده بجمعة آغا ". في قصة فاتح المدرس، يُدرك القارئ من المونولوج الداخلي للبائع المتجول، أن الآغا سيجعل ابنته محظية رخيصة وليسَ زوجة محترمة. فيما أن الفيلم افتقد هكذا مونولوج، وكان يستعيض عنه بموسيقى رتيبة. المشهد الثاني للفيلم، نتابع فيه حواراً مبتسراً بين البائع المتجول وابنته حمده ( الفنانة مها الصالح ). في اليوم التالي، يفاجأ الرجلُ العجوز بالمرابي وهوَ يطلب منه الذهاب إلى منطقة بعيدة في حين أنه يوم البازار ( الجمعة )، وفي خلاله ينشط البيع في مركز قريتهم. فيما كان يتابع طريقه، تنتقل الكاميرا إلى ضفة نهر القرية لنرى حمده وهيَ تقوم بمهمة غسل الملابس. في الأثناء، يحضر جمعة آغا ( الفنان أديب قدورة ) وكان في سبيله للصيد. تثار شهوته بمنظر الفتاة، المتعرية الساقين، فيهجم عليها ويغتصبها. هذا المشهد، أقحم في الفيلم ولم يكن متوافقاً مع حبكته: لأن جمعة آغا لم يكن مجبراً على دفع مهر الفتاة ( دَيْن والدها )، ما دام باستطاعته قضاء وطره منها بهذه السهولة. المشهد الأخير في الفيلم، حينما يصل البائع العجوز إلى المنطقة المقصودة، فيرى حراس جمعة آغا مستلقين بمدخل مضافة المختار. يترك حماره خارجاً، ويدخل المضافة كأنما بدافع خفيّ. يقف مبهوتاً لمرأى المرابي، الجالس بالقرب من الآغا. هذا الأخير، يرمقُ والدَ حمده بسخرية وهوَ يقهقه. عندما خرجَ العجوز من المضافة، لحقه المرابي ليخاطبه بلطف: " دع الحمارَ يرعى العشب، فلم يعد لك حاجة به بعد اليوم. جمعة آغا، دفع دينك لي ". مخرج الفيلم، ولسببٍ معلوم، آثرَ أن يُفرغ قصة فاتح المدرس من روحها الكردية. فإنه عمد حتى لتغيير أسماء أبطالها: رشو، جعله عبد الله؛ ابنته نازي، صارت حمده. بل إن مؤلف القصة كانَ قد أطلق على الحمار اسمَ " كورد "، وذلك في ترميز واضح لحالة شعبٍ يُعاني من القهر والظلم. هكذا بدلاً من نقل كاميرا الفيلم إلى جبال عفرين ( مكان أحداث القصة )، فإن المخرج ذهبَ مع أبطاله إلى جبال العلويين.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
-
المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
-
الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
-
سينما المقاولات، سورياً
-
المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
-
دور الكرد في تأسيس السينما السورية
-
من معالم السينما السورية: الكومبارس
-
إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
-
تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
-
تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
-
تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
-
تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
-
تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
-
تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
-
تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
-
أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
-
النملة الممسوسة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
-
المطاردة
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
المزيد.....
-
ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات
...
-
السينما لا تموت.. توم كروز يُنقذ الشاشة الكبيرة في ثامن أجزا
...
-
الرِّوائي الجزائري -واسيني الأعرج-: لا أفكر في جائزة نوبل لأ
...
-
أحمد السقا يتحدث عن طلاقه وموقفه -الغريب- عند دفن سليمان عيد
...
-
احتفال في الأوبرا المصرية بالعيد الوطني لروسيا بحضور حكومي ك
...
-
-اللقاء القاتل-.. وثيقة تاريخية تكشف التوتّر بين حافظ الأسد
...
-
هنا رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد ا
...
-
فيلم -مجموعة العشرين-.. أول رئيسة أميركية تواجه تحديات صعبة
...
-
راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل ع
...
-
بوتين: روسيا تفتخر بتنظيم مسابقة -إنترفيجن 2025-
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|