أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المخدوعون؛ تأريخ الخيانة















المزيد.....

المخدوعون؛ تأريخ الخيانة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


1
" المخدوعون "، إنتاج عام 1972، هوَ فيلم سوري من إنتاج المؤسسة العامة للسينما؛ وقد قام بإخراجه، المصري توفيق صالح. في نفس عام عرض الفيلم، نال جائزة التانيت الذهبي من مهرجان قرطاج في تونس. كذلك، رُشّحَ الفيلم لنيل الجائزة الذهبية من مهرجان موسكو السينمائي. أختير هذا العمل أيضاً، ليحظى بالمرتبة السادسة ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما العربية.
توفيق صالح ( 1926 ـ 2013 )، درسَ فن الإخراج السينمائي في باريس، كما وعمل كمساعد مخرج في عدد من الأفلام الفرنسية. ثم عاد إلى بلده، ليقوم عام 1955 بإخراج فيلم " درب المهابيل "، المأخوذ عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ. بالرغم من قلة أعمال توفيق صالح ( أوقف نشاطه عام 1980 لسبب غير معلوم )، إلا أنه يُعدّ من رواد السينما الواقعية. من أفلامه السبعة الروائية الطويلة، تم إختيار أربعة في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. يبدو تأثر توفيق صالح بأسلوب السينما الفرنسية واضحاً في فيلم " المخدوعون "، وذلك باعتماده على المونولوج الداخلي للأبطال الرئيسيين، كما وبانتقال الكاميرا من الزمن الحاضر إلى الماضي في كل مرةٍ يواجه فيها أحد أولئك الأبطال مأزقاً ما في مسيرة حياته. لقد وجدَ المخرجُ ضالته في رواية " رجال في الشمس "، للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، كونها أيضاً تركز على الأحاسيس الداخلية لشخصيات الرواية الرئيسيين، فضلاً عن متانة الحوار وغزارة المشاهد المؤثرة. إلا أن صعوبات جمة أعاقت إنجاز الفيلم، المتخذ عنواناً آخر وهوَ " المخدوعون "، خصوصاً لجهة تمركز أحداث الرواية في عدة بلدان. وللمصادفة، أن الفيلم عُرضَ في نفس العام، الذي شهد إغتيال غسان كنفاني في بيروت على يد الموساد الإسرائيلي.
غسان كنفاني ( 1936 ـ 1972 )، غنيّ عن التعريف ولا شك. فإنه أهم أديب فلسطيني، كما ويُعتبر من أبرز روائيي عالم الضاد. " رجال في الشمس "، كانت روايته الأولى، نشرها عام 1963 في بيروت. وهيَ من أنضج أعماله الأدبية، حتى أنها أختيرت من قبل نقاد العالم كواحدة من أهم مائة رواية سياسية في القرن العشرين. ولأن باكورة أعمال أكثر الروائيين تكون أحداثها مستمدة عادةً من السيرة الذاتية، كذلك الأمر بشأن هذا العمل الأدبي المهم. فإنها تتأثر خطى مؤلّفها؛ مذ أن كانَ صبياً عشية نكبة 48، مروراً بنزوحه مع أسرته إلى دمشق، ومن ثم سفره إلى الكويت وهوَ شاب للعمل في التدريس. عودته من ذلك البلد الخليجيّ في شاحنة قديمة، عبرَ فيافي الصحراء الملتهبة الرمال، ربما ألهمته فكرة تأليف " رجال في الشمس ". بل إنّ مصيره في نهاية المطاف، ربما يُستقرأ في خاتمة هذه الرواية: ألم يتعرض هوَ أيضاً للخيانة، المودية بحياته في الوطن البديل، مثلما جرى مع أبطال روايته في سعيهم لوطنٍ بديل من المفترض أن يحقق لهم الثروة، أو على الأقل، العيش الكريم؟

2
فيلم " المخدوعون "، شارته كانت علامة على مصير أبطاله الرئيسيين. لكن علينا التنويه منذ البدء، أنّ نخبة من أفضل الممثلين السوريين، قد شاركوا في هذا العمل الفنيّ الخالد. وإذاً، على وقع موسيقى هادئة، ومتوترة في آنٍ معاً، منبعثة من آلة الناي الشجية، نرى المدعو أبا قيس ( الفنان محمد خير حلواني ) فيما كانَ تائهاً خِلَل الصحراء، ليصدمه مشهدُ عظامٍ بشرية، متناثرة بين الأحجار والرمال. لنقل في البداية أيضاً، أن موسيقى الفيلم هيَ من تأليف الموسيقار، صلحي الوادي، وكانت على جانب كبير من إجادة التعبير عن المشاهد التصويرية. أول هذه المشاهد، تُظهر نفسَ تلك الشخصية حينما كانَ قد وصل إلى واحة نخيل، ليتهالك في ظلال أشجارها. سنعلمُ لاحقاً، أنه على مشارف مدينة البصرة العراقية، التي من المؤمل أن تكون محطة تهريبه إلى الكويت. إذاك، يعودُ بذاكرته إلى قريته الفلسطينية، أينَ إجتمعَ يوماً بأحد أصدقائه، وكان يقبضُ على حفنة من التربة الزراعية المبتلة: " هذه التربة، أشم فيها رائحة أم قيس في كل مرة تخرج فيها من الحمّام ". قد يكون كلامه معبّراً، إنما من الصعب الإقتناع بواقعيته. فالرجل الشرقيّ، بالأخص في الزمن المفترض لأحداث الفيلم ( أواسط خمسينيات القرن المنصرم )، كانَ يمتنع حتى عن ذكر اسم امرأته أمام الآخرين، بله أن يصفها كما فعل أبو قيس؟
شخصية الأستاذ ( الفنان جميل ولاية )، تدخل في السرد من خلال ذكريات أبي قيس. إنه المعلم، أينَ كانَ يداوم قيسُ الصغير في مدرسة القرية. هذا الأستاذ، لعل المؤلف قد شاء أن يتمثل به في سيرة حياته؛ باعتباره إنساناً متنوراً ومكافحاً ضد أعداء الوطن. فضلاً عما علمناه عن مزاولة كنفاني لمهنة التدريس. بل لدرجة أن نهايتهما، الأستاذ والمؤلف، كانت متشابهة. في الأثناء، تنتقل الكاميرا إلى كرم زيتون في القرية الأولى، يمتلكه أبو قيس، وتكون أزهاره قد انصاحت في أوان الربيع. ومن القرية، تأخذنا الكاميرا مع توالي الزمن إلى المخيم، الذي حشر فيه اللاجئون الفلسطينيون. أبو قيس، يستعيد أيضاً كيفَ عادَ أحد مواطنيه من الكويت غنياً، ليترك المخيم ويعيش في منزل مُعتبر في المدينة. يُقرر أن يحذو حذوه، فيخبر أم قيس أنه بصدد السفر للعراق كي يجد مهرّباً يدخله إلى الكويت.
المدعو أبو الخيزران ( الفنان عبد الرحمن آله رشي )، يلتقي مع مواطنه أبي قيس حينما كان هذا الأخير قد وصل للبصرة ويبحث عن المهرّب. قبل ذلك، كان أبو الخيزران قد التقى بفتى في عمر المراهقة، اسمه مروان، وهوَ أيضاً يبتغي التسلل إلى الإمارة الخليجية المجاورة. يشفق عليه أبو الخيزران، فيخبره أنه يعمل على شاحنة بين البصرة والكويت وعلى استعداد لتهريبه مقابل عشرة دنانير. مروان، كان أيضاً من ساكني المخيمات الفلسطينية، والده كانَ يُعيل أسرة كبيرة ولكنه يعتمد في المصروف على ما يرسله ابنه الكبير من الكويت. لكن هذا الأخير، ما لبث أن استنكف عن مساعدة أسرته بعدما تزوج. يقوم الأب بهجر أسرته، آنَ أقترانه بفتاة معاقة، كانت حالتها المادية جيدة. عندئذٍ يقرر مروان السفر إلى أخيه في الكويت، بغية مساعدة والدته وأخوته.
في نفس الوقت، كانَ الشاب الفلسطيني أسعد ( الفنان بسام لطفي ) قد وصلَ إلى البصرة كي يحاول بدَوره الوصول إلى الكويت. أسعد، يتعرض لخيانة من لدُن صديق والده؛ السائق، الذي أخذ ماله ثم تركه بمنتصف الطريق وسط الصحراء العراقية. عبثاً، يلوّح أسعد لسائقي السيارات العابرة كي يحمله أحدهم معه. إلى أن تتوقف سيارة، يستقلها زوجٌ من الأجانب ( ربما يعملان في شركة النفط العراقية )، فيوافقان على أخذه للبصرة. كأنما هيَ إشارة أخرى من مؤلف قصة الفيلم، عن عطف الغريب وقسوة القريب. ما عتمَ أسعد أن التقى بأبي الخيزران، فيتفق معه أيضاً على رحلة التهريب. يجلس بجانبه في المقعد الأمامي لسيارة الشحن، فيما الفتى والعجوز مكثا فوق خزانها الفارغ. حينما مازحَ أسعدُ المهربَ عن مغامراته العاطفية، يشعر هذا الأخير بجرح مقيم في داخله: فأثناء إحدى المعارك مع اليهود قبل نحو عشرة أعوام، ينفجر تحت قدميه لغم؛ ما أدى إلى فقدانه رجولته. هكذا تتابع الشاحنة مسيرها، لحين الوصول إلى نقطة الحدود. عند ذلك، ومثلما هيَ الخطة، يتوارى الثلاثة في خزان الشاحنة وكانَ مخصصاً أساساً لنقل المياه إلى الصيادين في الصحراء. الجو كانَ في عز هاجرة شهر آب/ أغسطس، والخزان الحديدي قد أضحى كالفرن. في نقطة الحدود الأخرى، يقوم الموظفون بالمماطلة في توقيع أوراق السائق، طالبين منه أن يحدثهم ـ كذا ـ عن مغامرته العاطفية الأخيرة في البصرة. حينما يعود أبو الخيزران أخيراً إلى سيارته، يكتشف أن الأشخاص الثلاثة قد ماتوا إختناقاً. لا يكون منه سوى متابعة المسير بالشاحنة لمسافة في الصحراء، ليقوم من ثم برمي الجثث على طرف إحدى مجمّعات القمامة. قبل أن يمضي بسيارته، يتذكّر قوله لأحد الأصدقاء: " فقدتُ رجولتي مجاناً، لأننا في نفس الوقت فقدنا الوطن ".
في النقد الأدبي، المتناول رواية " رجال في الشمس "، عُدّت شخصية هذا المهرّب كأنما هيَ ترميزٌ من قبل المؤلّف لقيادات المنظمات الفلسطينية، الذين فقدوا رجولتهم وتخلوا عن شعبهم وقضيته!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
- سينما المقاولات، سورياً
- المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
- دور الكرد في تأسيس السينما السورية
- من معالم السينما السورية: الكومبارس
- إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
- تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
- تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
- تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
- تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
- تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
- تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
- تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
- أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
- النملة الممسوسة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
- المطاردة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
- الهوّة
- أنهارٌ من زنبق: الفصل الخامس


المزيد.....




- شيرين عبد الوهاب وماجدة الرومي تختتمان مهرجان -موازين- 2025 ...
- عرض فيلم وثائقي عن جون لينون في موسكو الخريف المقبل (فيديو) ...
- انطلاق فعاليات مهرجان -أوراسيا - سينمافِست- الدولي الثاني في ...
- رحلة الفلبينية كويني باديلا من أضواء الشهرة إلى الإسلام
- علماء روس يجرون اختبارات محاكاة زلزالية لنموذج من قوس النصر ...
- مصر .. الفنان صبري عبد المنعم يتجاوز الخطر
- فنان سوري يثير الجدل بعد تعليقه على لقاء وزير الثقافة مع طفل ...
- إيران: المحكمة العليا تؤيد حكم الإعدام ضد مغني الراب تاتالو ...
- كراسي ماري أنطوانيت.. كنوز ملكية تبيّن أنها مزيفة!
- قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤر ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المخدوعون؛ تأريخ الخيانة