أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية















المزيد.....

سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


1
في عقديّ الأربعينات والخمسينات، لم تشهد صناعة السينما السورية محاولاتٍ جادّة تذكر في مجال انتاج الأفلام الروائية الطويلة. دور العرض السينمائية، التي كان يزداد عددها في العاصمة، بدت وكأنما هيَ مخصصة فقط لاستهلاك الأفلام الأجنبية والمصرية. هذه الأخيرة، على سبيل المثال، أنتجت للفنانة شادية في عام 1953، وحده، ما يزيد عن الخمسين فيلماً. هذا مع العلم، أن مسيرة السينما في كلا البلدين، مصر وسورية، قد أنطلقت في نفس الفترة تقريباً.
في مستهل عقد الستينات، ومع تعزز علاقات سورية بالدول الإشتراكية ( السابقة )، تمت الاستعانة بخبرات بعض تلك الدول في المجال الفني. إذ علاوة على صناعة السينما، شبه المتعطلة، كانت ثمة حاجة لإيجاد كوادر للبث التلفزيوني، الذي كان قد بدأ في نفس الفترة. هكذا أوفدت يوغسلافيا إلى دمشق، خبيراً في صناعة السينما لكي يتولى تدريب كوادرها الفنية: بوشكو فوتشينتش، تعاون مع وزارة الثقافة السورية في أول فيلم قصير تنتجه، وذلك في عام 1960. ستة أعوام، على الأثر، وطلبوا من الرجل إخراجَ أول فيلم تنتجه المؤسسة العامة للسينما. " سائق الشاحنة "، كانَ الفيلم الروائي الطويل، الوحيد، المقدّر لذلك المخرج أن ينجزه في خلال حياته. إذ لاحَ أن عمله قد اقتصرَ على التدريب والتدريس، لدرجة إنعدام أي معلومات عنه في موقع ويكيبيديا.
جهلنا بمعلومات عن مخرج " سائق الشاحنة "، ينسحبُ أيضاً على البطولة النسائية الرئيسة فيه. فعلى الرغم من وجود العديد من الممثلات في سورية، اللواتي أشتهرن آنذاك على خشبة المسرح، فقد أسند المخرجُ الدورين النسويين الأساسيين في الفيلم لممثلتين غير معروفتين في الوسط الفني، فلا نملك أية معلومات عنهما: دور " وردة "، المرتبطة بعلاقة حب مع بطل الفيلم؛ ودور " زينب "، ابنة معلّمه والتي تأمل أيضاً بالزواج منه. على خلاف ذلك، كانَ الأمرُ بالنسبة لأدوار الرجال. فالفيلم قدّم لنا، لأول مرة، الممثل العملاق خالد تاجا، مَن استحق فيما بعد لقب " أنطون كوين العرب "، على لسان الشاعر محمود درويش. كذلك أظهرَ الفيلم موهبة الفنان المخضرم، صبري عياد، وزميله عبد اللطيف فتحي. أما الفنان الكبير بسام لطفي، فقد حصلَ أيضاً على أول أدواره السينمائية. غيرَ أن الفنانة القديرة، هالة شوكت، لعبت دوراً مهماً في الفيلم كما سيمر معنا.

2
فيلم " سائق الشاحنة "، عام 1966، كانَ إذاً باكورة إنتاج المؤسسة العامة للسينما، والتي عهدت إخراجه لليوغسلافي بوشكو فوتشينتش. مؤلف قصة الفيلم، وكاتب السيناريو، هوَ المثقف اللامع نجاة قصاب حسن، المعروف بتعدد مواهبه في الأدب والموسيقى والرسم، إلى جانب كونه من أبرز الإعلاميين ورجال القانون. لحسن الحظ أيضاً، أن موسيقى الفيلم قد أنيط تأليفها للموسيقار صلحي الوادي، فقدّم كالعادة مقطوعاتٍ معبّرة لبعض المشاهد. كذلك الأمر فيما يخص إدارة تصوير الفيلم، المنذورة لكاميرا الفنان المعلّم جورج لطفي الخوري.
شارة الفيلم، تترافق مع أغنية شعبية، وكأنما لتضعنا في الأجواء الريفية للأحداث. من بعيد، تقترب شاحنة كبيرة من تلك المخصصة لنقل البضائع، وثمة صبية تقف على مرتفع من الأرض، تنتظر أحدهم بلهفة. يترجل معاونُ سائق الشاحنة، لكي يرتقي ذلك المرتفع ويقابل الفتاة؛ وسنعلمُ أنها ابنة عمه وبمثابة خطيبته. المعاون فريد ( الفنان خالد تاجا )، يفهم من وردة أن والدها ينتظرُ وسيطاً مهمته تخديم الفتيات القرويات في بيوت سراة المدينة. حينما تتابع السيارة مسيرها، يصرّح فريد لمعلمه برغبته في الحصول على شهادة سياقة. المعلم المسن ( الفنان صبري عياد )، يعلق بالقول بنبرة حزينة: " تريد أن تصبح أنتَ سائق الشاحنة؟ ".
حبكة الفيلم، تتمحور حول حلم الشاب فريد أن يغدو سائق شاحنة، بل وأن يمتلكها أيضاً. ذلك أن المعلم الكبير، ابن المدينة، هوَ صاحبُ شركة الشحن والذي يمتلك جميع السيارات. حينما يعود فريد مع السائق العجوز إلى مركز الشركة، يخاطبه أحد زملائه بأن المعلم الكبير يطلبه في المكتب. هذا الزميل، يشيّع فريد قائلاً بنبرة مبيّتة: " مؤكد أن معلمنا سيرسله إلى بيته في مهمة، لأن المدام لا تحب رؤية سوى الشبان الوسيمين ". صاحب الشركة ( الفنان عبد اللطيف فتحي )، يبعث فعلاً الشاب إلى مسكنه الأنيق في المدينة كي يحمل إلى زوجته علبة تحتوي على ثوب نفيس. المدام ( الفنانة هالة شوكت )، تتعامل بلطف مع أجير زوجها ثم تأخذ بالتأفف من حياة الوحدة. هنا، يطلب منها فريد قبول تشغيل ابنة عمه كخادمة في بيتها: " وإلا فإن والدها مضطرٌ أن يخدّمها عند الغرباء، ومن الممكن أن يسيئوا معاملتها ". لاحقاً، تنتقل وردة للعمل في بيت صاحب الشركة، فتخبر سيدتها أنها تحب فريد وأنه ينتظرُ تحسن دخله حتى يطلبها للزواج.
زينب، ابنة العجوز سائق الشاحنة، يلوحُ أنها بدَورها متعلقة القلب بفريد. إنها بمثابة الأم لشقيقاتها الثلاث الصغيرات، مذ أن رحلت والدتهن عن الدنيا. تبتهج لقرار الأب، تأجير إحدى حجرات البيت لمعاونه. في الأثناء، يحصل فريد على شهادة السياقة. ما لم يكن في حسبانه، أن صاحب العمل سيستغني عن خدمة معلّمه العجوز كي يصبح هوَ في مكانه كسائق للشاحنة. عندئذٍ ينظر إليه زملاؤه بسخط، فيما يعدّونه نوعاً من الجحود إزاء رجلٍ رعاه وساعده. يُكلَف أحدهم بأن يكون المعاون الجديد للشاحنة ( الفنان بسام لطفي )، فيقترح هذا على فريد شراء سيارة شحن مستعملة من مقبرة للخردة في المدينة، يمتلكها قريبه. في الأثناء، يعلن سائقو الشركة إضراباً حتى تلبية مطالبهم بالحصول على معاشٍ تقاعديّ. دافع الإضراب، كما قالوا، كيلا يتم رميهم دونَ مورد مثلما حصل لزميلهم العجوز، والد زينب. بغيَة كسر الإضراب، يطلب صاحبُ الشركة من فريد نقل بضاعة بمقابل الحصول على مبلغ كبير. كون الشاب بحاجة ماسة للمال، بهدف شراء سيارة شحن، فإنه يوافق على طلب رب العمل. حالما يعود من مهمته، يواجهه زملاؤه ويتهمونه بالخيانة ويقومون بضربه. وهكذا كان رأيُ معلّمه السابق، لحين معرفته بالصدفة أن عقد شراء الشاحنة الجديدة يجعله شريكاً لفريد. كذلك الأمر بشأن زملاء العمل، عقبَ معرفتهم بصدق فريد وشهامته. إلى الأخير، ينتهي أيضاً سوء التفاهم مع ابنة عمه، التي أوهمتها سيدتها أن خطيبها له علاقة مع زينب.
فيلم " سائق الشاحنة "، لم يدشن السينما الواقعية في سورية، حَسْب، بل إنه أيضاً يعدّ أرشيفاً مصوّراً عن ريف البلد ومدنه سواءً بسواء. فكاميرا المعلّم، جورج لطفي الخوري، إنتقلت ببراعة بين المَشاهد لتصوّر لنا لقطات فريدة؛ هيَ بمثابة لوحات فنية لتلك الأماكن في ذلك الزمن. ولحسن حظنا، أن نسخة الفيلم ممتازة، فيما أن أكثر الأعمال السينمائية في موقع يوتيوب سيئة للغاية بالرغم من أنها أحدث عهداً من " سائق الشاحنة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
- الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
- سينما المقاولات، سورياً
- المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
- دور الكرد في تأسيس السينما السورية
- من معالم السينما السورية: الكومبارس
- إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
- تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
- تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
- تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
- تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
- تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
- تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
- تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
- أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
- النملة الممسوسة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
- المطاردة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
- الهوّة


المزيد.....




- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...
- السينما لا تموت.. توم كروز يُنقذ الشاشة الكبيرة في ثامن أجزا ...
- الرِّوائي الجزائري -واسيني الأعرج-: لا أفكر في جائزة نوبل لأ ...
- أحمد السقا يتحدث عن طلاقه وموقفه -الغريب- عند دفن سليمان عيد ...
- احتفال في الأوبرا المصرية بالعيد الوطني لروسيا بحضور حكومي ك ...
- -اللقاء القاتل-.. وثيقة تاريخية تكشف التوتّر بين حافظ الأسد ...
- هنا رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد ا ...
- فيلم -مجموعة العشرين-.. أول رئيسة أميركية تواجه تحديات صعبة ...
- راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل ع ...
- بوتين: روسيا تفتخر بتنظيم مسابقة -إنترفيجن 2025-


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية