|
الترحال؛ منحوتة للطفولة والمدينة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 02:48
المحور:
الادب والفن
1 سبقَ لنا دراسة فيلمين لريمون بطرس، " حسّيبة " و" الطحالب ". هذا الأخير، إنتاج عام 1991، رأينا أنه شهادة بصرية عن مسقط رأس المخرج، مدينة حماة؛ ولو أن الأحداث تجري غالباً في ريفها. بعد أعوام ستة، عاد ريمون بطرس ليحقق فيلماً آخر عن مدينته، " الترحال "، مماهياً في تفاصيله أشتاتٍ من سيرته الذاتية. ولقد بيّنا في دراساتٍ عن أعمال بعض خريجي مدرسة السينما السوفييتية، السوريين، أن ما يميّز أفلامهم هوَ تقاطعها مع السيرة الذاتية، فضلاً عن تعهّدهم كتابة السيناريو لهذه الأفلام. " الترحال "، المنتج عام 1997 من قبل المؤسسة العامة للسينما، والذي كان من تأليف مخرجه، لا يمكن إدراجه تماماً ضمن أفلام السيرة الذاتية. ذلك أن أحداث الفيلم، تشمل فترة زمنية من حرب فلسطين إلى عام 1954، التي شهدت الإطاحة بحكم أديب الشيشكلي وعودة الحياة الديمقراطية الدستورية للبلد. فيما أن مخرج الفيلم، هوَ من مواليد عام 1950. في المقابل، فإن السيرة الذاتية لريمون بطرس، تؤكد أنها ألقت ظلالها بقوة على حبكة الفيلم. فوالد المخرج، كان معروفاً في مدينة حماة كمعلّم في نحت الأحجار الخاصة بالأبنية العامة، كالكنائس والمساجد والمدارس. بل إن ريمون الطفل، ساعد والده في هذه المهنة، ثم عاد إليها مجبراً عقبَ تخرجه من معهد السينما ليعمل بها لنحو ثلاثة أعوام. إلى ذلك، فالفيلم يعرض يوميات أسرة مسيحية في مدينة حماة، والعلاقات الإجتماعية في المدينة بشكل عام، وذلك في الفترة التي أتينا على ذكرها. كما وفي أحد المشاهد، يَظهر شغفُ الأطفال بمشاهدة الأفلام السينمائية، ما يُحيل أيضاً إلى بداية وعي ريمون بطرس بهذا الفن. في فيلم " الترحال "، نقلتنا لقطات المصوّر المعلّم، جورج لطفي الخوري، إلى ما يُفترض أنها مدينة حماة نهاية عقد الأربعينيات وبداية عقد الخمسينيات، لنشهدَ لوحاتٍ بصرية أخاذة، تحاكي العمائرَ والمنازل والدروب والأسواق، علاوة على نهر العاصي ونواعيره والطبيعة المحيطة به. كوننا نوهنا برمزية النحت بالنسبة للمخرج، فإن الكاميرا كانت كل مرةٍ تمر على أبنية المدينة، المنحوتة من الحجر، والتي يعود أغلبها للعصر الأيوبي. إلا أن ثمة ملاحظات سلبية، لا بد من الإشارة إليها في فيلم " الترحال ". منها ظهور الشخصية الرئيسية، وردة، وهيَ بالنقاب الأسود اللون، بالرغم من انها مسيحية. كما أن زوج ابنة وردة، وهو أيضاً مسيحي، يتكلم بلهجة ريف الساحل ( العلوية )، بينما المفترض أن يتكلم بلهجة وادي النصارى بريف حمص.
2 يسبق الشارة، ظهورُ عدد من الأطفال، الذين يحملون الورود. نعلم من السياق، أنهم يحتفلون بعيد جمعة الفصح، فيتلقون من الجيران هدايا رمزية مقابل ورودهم. منذ المستهل، يضعنا فيلم " الترحال " في أجواء الحارة المسيحية، التي يقطنها أيضاً المسلمون، يتعايشون مع بعضهم البعض في جو من التسامح والإلفة والتضامن. من ذلك الجو المبهج، تنتقل الكاميرا إلى منزل أحد أولئك الأطفال، فهد، لنرى والدته وعلى وجهها علامات الحزن والأسى. وردة هذه، أضحت مسئولة عن تأمين معيشة الأسرة بعدما غادر زوجها إلى فلسطين كي يعمل هناك في نحت أحجار الأبنية. الابن فهد، يرى في منامه والده وقد أضحى على الصليب بمكان المسيح، بينما جارته المسلمة الحسناء، نورا، قد أضحت بملابس الراهبات. المشهد التالي، يعرض حشوداً من أهالي المدينة في محطة القطار وهم ينتظرون وصول المجاهدين، الذين تطوعوا في حرب فلسطين. وردة وأولادها، يأملون في عودة أبي فهد مع ذلك القطار. إلا أن إنتظارهم كان عبثاً. عندئذٍ تراجع وردة الجهات الحكومية، علّهم يملكون معلومات عن زوجها. شقيقها الوحيد، رشوان، يرافقها في أثناء مراجعتها للجهات المختصة. إنه رجلٌ حاد المزاج، ولكنه خاضعٌ لإرادة إمراته. في مشهد آخر، يظهر فيما كان يعنّف ابنة شقيقته الكبرى، واسمها بديعة، بسبب علاقتها مع شاب مسلم من أبناء الجيران. على الأثر، يأتي بشقيق زوجته كي يفرضه زوجاً على بديعة، ولكنه ترفضه بإصرار. فهد، الذي يأخذ مكان أبيه في العمل بورشة نحت الأحجار، المفترض أنه هوَ راوي أحداث القصة. يستعيد نصائحَ والده، فيما يخص هذه المهنة. إنه صبي لم يبلغ عمر المراهقة بعد، لكنه قوي البنية والشخصية. يضمرُ عشقاً صامتاً للجارة، نورا، صديقة شقيقته الكبرى. من ناحية أخرى، يتشكّل وعيه السياسي من خلال بعض عمال الورشة، وكذلك من الجو العام في المدينة. نراه يقف بوجه خاله، فيمنعه من ضرب بديعة، الرافضة للزواج مثلما ذكرنا. في الأثناء، تتواتر وصول سيارات كبيرة وهيَ محملة باللاجئين الفلسطينيين. تستقبلهم أولاً المساجد، ومن ثم تهيأ لهم الخيام في بقعة على طرف المدينة. فهد، يعقد صداقة مع أحد أولاد اللاجئين ممن أضحوا زملاء له في المدرسة. ذات ليلة، كان يراجع الدرس مع صديقه في المخيم، عندما هبت عاصفة أمطار قوية واقتلعت الخيام. يرافق العائلة إلى منزله، فتستقبلهم الأم بترحاب وتؤويهم لديها. الخال، ينجح هذه المرة في إجبار بديعة على الاقتران بشقيق زوجته. العريس، واسمه جودت، كان على شيء من السذاجة وخفة العقل. فوق أن بديعة لا تحبه، فإنه يفرض عليها أن تعيش معه في القرية بوادي النصارى. فما لبث أن طلب إلى الخدمة العسكرية، فتركها برعاية والديه. عندما علمت بديعة بعودة والدها من فلسطين، تكتب له رسالة كي يأتي لزيارتها في القرية. الأب، يثور على رشوان حالما علم بأنه أجبر ابنته على الاقتران بذلك الأبله. يعود إلى عمله في الورشة، فما كاد يحظى بالاستقرار إلا ويتم إعتقاله بسبب إيوائه لأحد المطلوبين من السياسيين المعارضين لإنقلاب حسني الزعيم. في ذلك العام، يتوالى ثلاثة إنقلابيين على حكم البلد، آخرهم كان الشيشكلي، ابن مدينة حماة. تتزين المدينة بهذه المناسبة، إلا أن أبا فهد تتم ملاحقته مجدداً؛ وهذه المرة، بتهمة الإساءة للجيش السوري حينما روى لأحد الصحفيين مشاهداته في أثناء حرب فلسطين. فيلم " الترحال "، يفتقد لحبكة متينة ومشوّقة، فاكتفى بعرض تفاصيل من سيرة حياة عائلة من خلال أحد أبنائها. مع ذلك، قدّم المخرج ريمون بطرس عملاً جميلاً أقرب إلى الأفلام الرومانسية الكلاسيكية. كذلك اتسم بالموضوعية، لما تناول الصراع السياسي في إبان حقبة نهاية الأربعينيات. علاوة على إشارتنا في مستهل المقال عن براعة التصوير في الفيلم، يجوز أيضاً القول بأن أداء الممثلين كان على نفس الجودة. نخص بالذكر شخصية وردة، المؤداة بطريقة مؤثرة من قبل الفنانة سمر سامي. وأيضاً شخصية بديعة، التي جسدتها الفنانة نورا رحال. ودور الطفل فهد، أبدع فيه عمر ريمون بطرس. كذلك الفنان سلوم حداد، الذي مثل دور الخال رشوان.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطحين الأسود ولعنة المكان
-
اللجاة؛ البيئة الدرزية سينمائياً
-
حسّيبة؛ الشام بحسَب يوميات إمرأة
-
شيء ما يحترق؛ عن الدرزي النازح
-
الطحالب؛ حكاية جرح سوري
-
باب المقام، المفتوح على الشغف
-
سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة
-
الليل؛ الفنتاسيا والواقع
-
أحلام المدينة أم كوابيسها
-
وقائع العام المقبل واختلال الوعي
-
ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
-
نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
-
المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
-
الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
-
كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
-
وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
-
اليازرلي والواقعية الجديدة
-
بقايا صُوَر: الأدب والسينما
-
السيد التقدمي والسيناريو السيء
-
رشو آغا؛ العنصرية في السينما
المزيد.....
-
السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم
...
-
محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
-
-أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا
...
-
صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
-
-كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو
...
-
-ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال
...
-
هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
-
-وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا
...
-
مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال
...
-
منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-..
...
المزيد.....
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|