|
الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 02:54
المحور:
الادب والفن
1 في دراسة سابقة، تناولنا فيها فيلم " كفر قاسم "، بيّنا كيفَ صارت القضية الفلسطينية يافطة ترفعها الأنظمة الديكتاتورية لتبرير استيلائها على السلطة وديمومة فسادها. وكان نظام البعث السوري، الذي حكم البلد لمدة تزيد عن الستة عقود، هوَ أوضح مثال على المتاجرة بتلك القضية. ومثلما كانَ حالُ الشقيق البعثي، العراقي، فإن السوري تحول من شعارات تحرير فلسطين والوحدة العربية إلى قتل شعبه بدوافع طائفية وعنصرية. في دراستنا لفيلم " الفهد "، عرضنا لموضوع ما يُسمى بالمظلومية العلوية؛ الفيلم، المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للأديب حيدر حيدر. هذه المظلومية، بدأت تطفو على سطح الأعمال السينمائية عقبَ استيلاء الضباط المنتمين لتلك الطائفة على السلطة في عام 1966. ففي دراستنا لفيلم " سائق الشاحنة "، وكانَ باكورة إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 1969، لحظنا تحويل نص للكاتب نجاة قصاب حسن من البيئة الدمشقية إلى بيئة ريف الساحل السوري. نفس الأمر كانَ مع فيلم " العار "، إنتاج عام 1974، المستمد من قصة لفاتح المدرس، حيث تم تجاهل بيئتها الكردية لإقحامها في البيئة العلوية. بل إن فيلم " بقايا صُوَر "، وهوَ سيرة ذاتية روائية للكاتب حنا مينه، قد جرى التلاعب ببيئتها على نفس المنوال. من ناحية أخرى، كانَ لا بد لهيمنة رموز الطائفة المختارة على السلطة أن تنعكسَ على نواحي الحياة الثقافية. إذ شيئاً فشيئاً، بدأ الزحف على المناصب الرفيعة في المؤسسة العامة للسينما ونقابة الفنانين والنادي السينمائي ومهرجان دمشق السينمائي. لعل أول من نعرفه في هذا الشأن، هوَ وديع يوسف ( 1937 ـ 2007 )، الذي أرسل مبكراً لدراسة الإخراج السينمائي في موسكو، ليعود كي يتولى إخراج ثالث أفلام المؤسسة؛ وهوَ " خيرو العوج "، أحد الأجزاء الثلاثة لثلاثية " العار ". ثم انتقل للعمل مع القطاع الخاص، وكذلك للتعاون مع السينمائيين السوفييت في أفلام مشتركة. أما زميله ومواطنه، مروان حداد ( توفي عام 2017 )، فإنه بدأ بالعمل في استديوهات الإدارة السياسية للجيش، وذلك قبل إرساله إلى ألمانيا الشرقية للتخصص في السينما. بالرغم من أعماله القليلة، المتمثلة بفيلمين روائيين وعددٍ من الأفلام الوثائقية، فإننا نلحظ مقدارَ ما تسنّمه من مناصب مرموقة: رئيس النادي السينمائي بدمشق؛ مدرّس مادة السينما في المعهد العالي للفنون المسرحية؛ مدير المؤسسة العامة للسينما؛ رئيس تحرير مجلة " الحياة السينمائية "؛ مدير مهرجان دمشق السينمائي!
2 فيلم " الإتجاه المعاكس "، صدرَ عام 1975، وكانَ من إنتاج المؤسسة العامة للسينما. الفيلم من إخراج مروان حداد، مأخوذ عن قصة للكاتب حسن سامي اليوسف، الذي اشترك مع المخرج في كتابة السيناريو والحوار. هذا الكاتب ( 1945 ـ 2024 )، هوَ فلسطيني سوري، إهتم مبكراً بالمسرح قبل أن توفده الدولة لموسكو من أجل دراسة السيناريو في المعهد السينمائي. أعماله السينمائية قليلة، بمقابل غزارة كتابته للدراما. له أيضاً مساهمات في النقد السينمائي والقصة القصيرة والرواية. القضية الفلسطينية، كانت حاضرة في مجمل أعماله، وسنلحظها من دراستنا لفيلم " الإتجاه المعاكس ". الفيلم، بالألوان الطبيعية ومدته 90 دقيقة. لكن الرقابة حذفت منه 20 دقيقة، وعلى الأغلب بسبب المشاهد الساخنة. هذا بالرغم من حقيقة أن الأفلام الأجنبية، التي كانت تعرض بالبلد في عقد السبعينات، لم تكن الرقابة تحذف منها مشاهدَ مماثلة. شارة فيلم " الإتجاه المعاكس "، مترافقة مع أنغام مرحة ( الموسيقى من تأليف حسين نازك )، وكأنما لتضعنا في أجواء المشاهد الأولى. فالفيلم يقدّم بالأساس نماذج من الشباب في المجتمع الدمشقي، بعضهم ملتزمٌ بقضية والبعض الآخر ضائعٌ لا هم له سوى اللهو والمتعة. إنهم زملاءٌ في الجامعة، يجتمعون أحياناً في منزل الأغنى بينهم لكي يستمعوا للموسيقى ويتسامروا ويرقصوا. أمل ( الفنانة منى واصف )، بوصفها طبيبة، هيَ من خارج ذلك الوسط. لكن ابنة عمها، سلوى ( الفنانة صباح الجزائري )، تصحبها ذات ليلة إلى سهرة في بيت أحد زملاء الجامعة. خطيب أمل ( الفنان سليم كلاس )، وهوَ موظف مرموق، يرافقها للسهرة لكنه يظل مشغولاً عنها بمكالماته الهاتفية. عند ذلك، يدعوها للرقص شابٌ اسمه عاطف ( الفنان بسام لطفي ). إنه الأكثر وعياً بين زملائه، مثلما قدّمه مشهد اجتماعه في أحد البارات مع حسان ( الفنان عبد الهادي الصباغ )، الذي سنرى أنه رمزُ ضياع هذا الجيل. حسان مدمنٌ على الخمرة، وذات ليلة تقبض عليه دورية شرطة لأنه كان ثملاً لدرجة النوم على الرصيف. في اليوم التالي، يتولى التحقيقَ معه مساعدٌ في الشرطة، فيما كانَ ينقل أقواله أربعة أفراد من العناصر: وهذه مبالغة ولا شك؛ وإن كان القصد منها، بحسَب صناع الفيلم، هوَ نقد التوظيف العشوائي في دوائر الدولة. من ناحية أخرى، كانَ جلياً أن أجواء الفيلم ترصدُ حياةَ أولئك الشباب في فترة ما بعد هزيمة الخامس من حزيران 67. فأثناء تلك السهرة المذكورة، يدوي صوت إنفجار ويتبيّن أنها طائرة إسرائيلية خرقت جدار الصوت في سماء العاصمة. وعلى سبيل المصادفة، يلتقي حسان بصديقٍ مُعاق بإحدى قدميه، يُدعى فيصل ( الفنان إيلي شويري )، ونعلم من حديثهما أنهما خاضا معاً معارك الخامس من حزيران. حتى عامل تنظيف الأحذية، يرفض تناول سيجارة من حسان لو كانت أمريكية. ومع أن الفيلم لم يُشر، ولو تلميحاً، إلى أن حسان هوَ من فلسطينيي سورية ( حال صديقه عاطف )، إلا أنّ سياق الأحداث يدل على ذلك. في حقيقة الأمر، فالفيلم كانَ خالٍ من أحداثٍ مهمة؛ وذلك لكونه أساساً يفتقرُ لحبكةٍ مقنعة. فإن الشخصية المحورية، حسان، كانَ يحب سلوى إلا أن إدمانه جعل علاقتهما في مهبّ الضياع. ابنة عمها أمل، ترتبط بعلاقة مع عاطف عقبَ تركها لخطيبها. يفاجئها عاطف ذات يوم، بأنه مضطرٌ للسفر إلى دولة خليجية من أجل العمل. كبديل عن السفر، تعرض عليه المساعدة بمبلغ كبير كانت قد وضعته في البنك، إلا أنه يصرّ على عزمه. إلى الأخير، يعرفُ الجميع أن زميلهم عاطف قد تطوع في العمل الفدائي، وذلك عقب مقتله في إحدى العمليات العسكرية. على الأثر، يصحو صديقه حسان من واقعه كإنسان مدمن وضائع. فيلم " الإتجاه المعاكس "، بإغفاله الإشارة بوضوح إلى أن شخصياته الرئيسة هم من الفلسطينيين، جعله يبدو كأنه يتحدث عن مشاكل الشباب في المجتمع الدمشقي. هذا المجتمع، ربما بقيَ عصياً على فهم الكاتب حسن سامي اليوسف، بوصفه مؤلف السيناريو.. بله شريكه في كتابة السيناريو، المخرج مروان حداد، المنحدر من ريف الساحل السوري. فالأول كانَ من سكان المخيم الفلسطيني ويُعايش طوال الوقت تطورات قضيته الوطنية، والآخر لا بد أنه من ساكني الضواحي الدمشقية والتي خصصها النظام لحاضنته الإجتماعية.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
-
وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
-
اليازرلي والواقعية الجديدة
-
بقايا صُوَر: الأدب والسينما
-
السيد التقدمي والسيناريو السيء
-
رشو آغا؛ العنصرية في السينما
-
سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
-
المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
-
الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
-
سينما المقاولات، سورياً
-
المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
-
دور الكرد في تأسيس السينما السورية
-
من معالم السينما السورية: الكومبارس
-
إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
-
تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
-
تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
-
تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
-
تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
-
تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
-
تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
المزيد.....
-
-عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
-
الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر
...
-
بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا
...
-
قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
-
الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
-
رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025
...
-
خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب
...
-
موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية
...
-
-ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في
...
-
10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|