|
شيء ما يحترق؛ عن الدرزي النازح
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 12:02
المحور:
الادب والفن
1 " سينما المؤلّف "، عدّها النقاد مرادفاً لأسلوب خريجي مدرسة الفيلم السوفييتية، السوريين، الذين أهتم كلّ منهم في أعماله الروائية، الأولى على الأقل، باستعادة ماضيه في بيئته سواء أكانت ريفية أو مدينية. كذلك لحظنا، أن أكثر هؤلاء المخرجين كانوا يتعهدون كتابة السيناريو بأنفسهم أو بالاشتراك مع آخرين. لقد درسنا بعضَ أفلام خريجي تلك المدرسة، من أمثال محمد ملص وسمير ذكرى وأسامة محمد وعبد اللطيف عبد الحميد وريمون بطرس. غسان شميط ( مواليد 1956 )، نزحَ من موطنه في محافظة القنيطرة على أثر حرب حزيران 1967، ليستقر مع أهله في دمشق. تخرج عام 1982 من المعهد العالي للسينما في كييف، ومن ثم باشر العمل مع المؤسسة العامة للسينما في عدد من الأفلام الروائية والقصيرة والوثائقية. بعض أفلامه، حازت على جوائز محلية وعربية ودولية. عن فيلمه " شيء ما يحترق "، يقول المخرج في مقابلة صحفية: " يُعتبر الفيلم السوري الأول، الذي يحكي عن النازحين في أعقاب نكسة حزيران 1967، فطرحَ معاناتهم من تلك الفترة وحتى عام 1986. لقد عالج الفيلم مشكلتين، الأولى هي مشكلة الحنين للوطن؛ وتمثلت بشخصية الأب الحالم بيوم العودة. المشكلة الثانية، هي في التكسّب غير المشروع والتي تجسدت بشخصية الابن، الذي خرج عن القيم والعادات. وما طرح، كان بشكل مقصود ومدروس لمعرفة الفرق بين جيل الشباب وجيل الآباء من حيث البيئة وطريقة الحياة ". ما لم يستطع المخرج التعبيرَ عنه ( بسبب غياب شرط الحرية تحت حكم النظام السابق )، يمكن استشفافه من خلال شخصية المواطن سلمان. لقد كان واضحاً مدى ندمه لقرار النزوح من قريته على أثر الحرب، وذلك في كل مرة يقوم فيها النظام على ضمه إلى حشود مواطنيه بحركة استعراضية عند حدود الجولان المحتل. إذ كان سلمان يرى، خلل الأسلاك الشائكة، مَن بقوا هناك في ظل الإحتلال الإسرائيلي وهم يتمتعون بحياة طبيعية بل ومرفهة. ففي أثناء حرب حزيران، التي لم يصمد فيها جيشه بضع ساعات، لم يكتفِ النظام بهزيمته وإنما راح أيضاً عبرَ الإذاعة يبث أنباء كاذبة عن مجازر يتعرض لها أهالي الجولان؛ ما دفع الكثيرين لترك مواطنهم والنزوح إلى الداخل السوري. مثلما نوهنا في مستهل المقال، أن من أبرز سمات أسلوب خريجي مدرسة السينما السوفييتية، السوريين، هوَ تعهّد المخرج كتابة السيناريو بنفسه أو بالتعاون مع آخرين. وهذا ما فعله غسان شميط في فيلم " شيء ما يحترق "، المنتج عام 1993 من قبل المؤسسة العامة للسينما، حيث أشرك معه في تأليف السيناريو، الكاتب وليد معماري. كما ولحظنا من خلال كلام المخرج عن فيلمه، أننا أمام تجربة جديدة لموجة سينما المؤلّف، التي ذكرنا ماهيتها في بداية دراستنا.
2 شارة فيلم " شيء ما يحترق "، سبقها مشهدٌ مُفترض لنزوح بعض أهالي الجولان تحت القصف في أثناء حرب حزيران 1967. إلا أن عرضَ المشهد كان سيئاً، وربما بسبب عدم توفر كاميرا حديثة متخصصة بالتصوير الليلي. وعلى العموم، كانت اللقطات الأخرى في الفيلم متواضعة وغير متميزة. في المشهد الأول، يظهر رجلٌ متوسط العمر، اسمه سلمان ويدعونه بأبي رمزي ( الفنان يوسف حنا )، وهوَ يتجادل مع جاره، الذي يطالبه بإخلاء المنزل. نفهم من كلام المؤجر، أنه كان أيضاً من نازحي الجولان، الدروز. إلا أن الجار يعود فيظهر شهامته، مشفقاً على الرجل المعروف بعصبيته. سببُ توتر أبي رمزي الدائم، كونه موظفاً في إدارة السجل المدني ويتجادل طوال وقت عمله مع المواطنين المعانين من البيروقراطية والروتين. ثمة سببٌ آخر، وهوَ إدمانُ الرجل على استعادة ذكريات قريته في الجولان، وإصراره أمام الآخرين بأنه سيعود إليها قريباً. مع ذلك، وعلى خلفية خجله من المؤجر، يذهب إلى شقيق زوجته، واسمه أحمد ( الفنان عبد الفتاح المزين )، لكي يطالبه بتنفيذ وعده بمنحه منزلاً مقابل مبلغ من المال سبقَ أن أخذه منه قبل نحو عقدٍ من الزمن. أحمد، الذي يمتلك مكتباً عقارياً كما ولديه أعمال أخرى، يذكّره صهره كيف أوصد بابه بوجهه عقبَ نزوحه فيما أن رجلاً غريباً فتح له داره وآواه مع أسرته. في مشهدٍ آخر، يظهر الشاب رمزي ( الفنان أحمد كوسا )، وهوَ يدفع لخاله مبلغاً آخر من المال لكي ينهي موضوع المنزل المأمول. يبدو الشاب من ملابسه والسيارة الباذخة، التي بتصرفه مع سائقها، وكأنه ينتمي لعالم آخر غير عالم أسرته البائس. إلا أنه يؤوب كل ليلة إلى نفس المنزل، فنعرف أن ثمة مَن ينتظره خفيةً. هذه المغرمة بالشاب، هيَ زهرة، ابنة المؤجر ( الفنانة أمل عرفة ). إنها تسلّمه كل مرةٍ ورقة، تبثه من خلال ما فيها من كلمات مشاعرَ الحب. على أنه كشاب مستهتر، لا يأبه بالمشاعر وإنما بمحاولة إغواء الفتاة. أحمد، يمارسُ نشاطاً غير مشروع ويتمثل بالتهريب. معلّمه، المدعو أبو حبيب ( الفنان خالد تاجا )، هوَ أيضاً من مواطني القرية في الجولان، وكان زميلاً لأبي رمزي في المدرسة. ولكنه أصبحَ ثرياً بفضل عمله لسنوات في دولة خليجية، وأيضاً لأنه باتَ يتزعم عصابة تهريب. زوجته الشابة، رندة ( الفنانة فاتن فريم )، هيَ أيضاً من ذات القرية الجولانية، ونفهم من كلام رمزي أنهما كانا صديقيّ الطفولة. رمزي يتقرّب أكثر من صديقة الطفولة، وذلك بسبب علاقة العمل مع زوجها. هذا الأخير، وكونه يثق بمعاونه، فإنه يطلب منه ذات مرة مرافقة زوجته بالسيارة إلى موعدها مع الطبيب. في أثناء الطريق، تخبر رمزي بأن زوجها عقيمٌ إلا أنه يكابر ويدّعي أن المشكلة فيها. في لقاءٍ آخر أنفرد فيه مع قرينة معلمه، يبوح لها رمزي بحبه. على الأثر، نرى المرأة في شقةٍ مع الشاب وقد أضحت عشيقته. حبكة الفيلم، تدخل منعطفاً خطيراً آنَ معرفة أبو حبيب بموضوع حمل إمرأته. وكانت رندة قد وضعت عشيقها بالصورة، فيتفقان على الهرب إلى لبنان. الزوج، وكان قد تظاهرَ بعدم معرفته لموضوع حمل إمرأته، يلوحُ أنه تأكد من خيانتها مع معاونه. يدعو هذا الأخير لعملية جديدة، وفق خطة رسمها للتخلص منه. إنما في الطريق وهما بالسيارة، يتوقفان في مطعم ليتناولا الغداء. يُغري المعلم معاونه بشرب المزيد من العرق، إلا أن يُسكره. المشهد الأخير من الفيلم، تنتقل الكاميرا من خلاله إلى لقطاتٍ لأبي رمزي وامرأته، وكانا سعيدين وهما يشهدان مع عددٍ من المعارف إكتمالَ بناء منزلهما. وفي الآن نفسه، تنقلنا الكاميرا إلى خلاءٍ كأنه البادية، لنشهدَ نهاية رمزي على يد معلمه، المجروح في كرامته وشرفه. تعود الكاميرا إلى المشهد الأول، وإذا بسيارة شرطة تتقدم مع جرافة، لكي تزيل المنزل الجديد، المبني بدون رخصة. " شيء ما يحترق "، كانَ أول فيلم يَعرض جانباً من حياة نازحي الجولان، وذلك من خلال سيرة حياة أسرة درزية. ومثلما قلنا بأن التصويرَ كان متواضعَ المستوى، يمكن القول ذاته عن السيناريو والحوار. هذا مع التنويه بالأداء الرائع لنخبة من الممثلين، المخضرمين والناشئين؛ كيوسف حنا ومنى واصف وخالد تاجا وعبد الفتاح المزين وأحمد كوسا وأمل عرفة وعلي كريم وعزة البحرة ولينا حوارنة. من ناحية المضمون، فالفيلم يختزلُ معاناة نازحي الجولان، الذين رمتهم الدولة البعثية في قارعة الطريق عقب خسارتها للحرب، لكي يتدبروا لأنفسهم سقفاً يؤويهم بأي طريقة كانت. ثم عادت الدولة للتنكيل بالمسلمين منهم، عقبَ إشتراكهم باحتجاجات الثورة السورية، بأن دمرت منازلهم بالبراميل المتفجرة؛ فكان نصيبهم الابادة والمعتقلات والتهجير. أما النازحين الدروز، الذين أقام معظمهم في جرمانا وصحنايا من ضواحي دمشق، فإن الجهاديين الذين أسقطوا نظام البعث، تعهدوا مؤخراً إضطهادهم على خلفية طائفية بغيضة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطحالب؛ حكاية جرح سوري
-
باب المقام، المفتوح على الشغف
-
سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة
-
الليل؛ الفنتاسيا والواقع
-
أحلام المدينة أم كوابيسها
-
وقائع العام المقبل واختلال الوعي
-
ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
-
نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
-
المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
-
الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
-
كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
-
وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
-
اليازرلي والواقعية الجديدة
-
بقايا صُوَر: الأدب والسينما
-
السيد التقدمي والسيناريو السيء
-
رشو آغا؛ العنصرية في السينما
-
سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
-
المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
-
الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
-
سينما المقاولات، سورياً
المزيد.....
-
يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا
...
-
-لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس
...
-
رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت
...
-
عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
-
كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
-
نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
-
صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
-
اللحظة التي تغير كل شيء
-
أبرزها قانون النفط والغاز ومراعاة التمثيل: ماذا يريد الكورد
...
-
-أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق
...
المزيد.....
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|