أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة















المزيد.....

سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


1
بعد ثلاثة عشر عاماً على التوقف عن العمل، عاد المخرج محمد ملص لتقديم فيلمه " باب المقام ". أما آخر أفلامه، " سُلّم إلى دمشق "، الذي سنقوم بدراسته، فإنه صدرَ عام 2013. الفيلم مدته 95 دقيقة، وبالألوان الطبيعية. هذا العمل إنتاج خاص، بالتعاون مع مؤسسة الدوحة للسينما. شأن أفلامه الأخرى، تعهّد محمد ملص كتابة القصة والسيناريو والحوار، مُشركاً معه هذه المرة سيناريست شاب، هوَ سامر محمد إسماعيل. وفي هذه المرة أيضاً، سيعطي المخرجُ جميعَ الأدوار لممثلين ناشئين، بعضهم كانَ ما زال يدرس في معهد الفنون المسرحية. ومنذ البداية، ينبغي الإشادة بمواهب أولئك الممثلين وإتقانهم لأدوارهم.
سبقَ أن لاحظنا من دراستنا لفيلميّ، " أحلام المدينة " و" الليل "، أسلوب محمد ملص في تحميل المَشاهد دلالاتٍ معينة من خلال تقاطع سيرته الذاتية مع النص، الواقع مع الفنتاسيا، مع الأحلام والتهويم والهذيان. كل ذلك عبرَ سردية بصرية شاعرية، تأثر بها نتيجة دراسته على يد كبار المخرجين السوفييت. لعل أكثر ما يميّزه الناقدُ في ذينك الفيلمين، هوَ ثيمة التوقُ إلى الاستقرار عند الأبطال الرئيسيين، الذين هم عائلة المخرج. هذا لو قبلنا الرأي السائد، بأننا أمام تجسيدٍ سينمائيّ لسيرة ذاتية روائية، نشرها بنفسه عام 1979. في فيلمه الأخير، " سلم إلى دمشق "، يؤوب المخرج إلى تلك الثيمة، ولكن دونما أي إنعكاس جوهري لتجربة شخصية. سوى أن البطل الرئيس، لا بد أنه يذكّرنا ببدايات أي مخرج أصيل قد وضع رجله على أول طريق الإبداع.
حبكة فيلم " سلم إلى دمشق "، كانت مبتكرة وغير مألوفة في السينما السورية. إنها تتمحور حول عقيدة التقمّص، وذلك من خلال فتاة ( اسمها غالية ) تلبّست شخصية فتاة أخرى ( اسمها زينة ) قد غيّبها الموت مبكراً. كانَ مفهوماً إذاً، خطة المخرجُ في أن تنحدرَ فتاةُ التقمّص من ريف الساحل، تحديداً. كما أنه جعل غالية تتقمّصُ روحَ فتاةٍ من غير طائفتها، ربما درزية. وفي هذا الشأن، يقول النوبختي وهوَ أحد أعلام الشيعة الإمامية ( القرن العاشر الميلادي )، مندداً بعقيدة التقمّص عند الفرق الباطنية: " وزعموا أن لا دار إلا دار الدنيا وأن القيامة هي خروج الروح من بدن ودخوله في بدن آخر غيره، هكذا إلى أبد الآباد، لا قيامة ولا بعث ولا جنة ولا نار ".
من ناحية أخرى، ثمة سبب لا يقل أهمية أيضاً في خطة المخرج، وهوَ كيفية تأثير الثورة على حاضنة نظام الأسد من خلال الفتاة غالية، التي تقاعد والدها من الجيش برتبة عالية. سنرى من السياق، أنه حتى الوالد كان محبطاً من طريقة تعامل النظام مع المتظاهرين، المنادين بشعاراتٍ تطالب بالحرية والكرامة. فيما الأم، تخشى على ابنها من التجنيد والعودة إليها في تابوت.

2
مثلما رأيناه في فيلميّ محمد ملص ( الذين قمنا بدراستهما في مقالين منفصلين )، يتكرر في عمله الجديد، " سُلّم إلى دمشق "، تأخير الشارة إلى نهاية الفيلم. فلم يظهر في المقدمة، سوى عنوانه واسم المخرج وجهة الانتاج. مقدمة الفيلم، توحي بمصير بطله الرئيس. إن الشاب فؤاد ( الفنان بلال مارتيني )، يظهر وفي يده كاميرا حديثة ليقول وعلى خلفية من صوت تشغيل آلة الأفلام السينمائية: " والدي أوصاني بالخروج إلى الشارع، لتصوير كل شيء. لكنني قلت له، أن الخروج إلى الشارع والكاميرا بيدي، معناها أن أقتل ". ثم نرى مَن يُفترض أنه الأب، في لقطةٍ على الأثر، وهوَ يبكي بحرقة.
المشهد الأول من الفيلم، وعلى أنغام كنسية مؤثرة ( الموسيقى التصويرية لتوفيق فروخ وشربل الهبر )، نتابع فؤاد وهوَ يدخل إلى مقبرة إسلامية كي يضع باقة أزهار على ضريح المخرج عمر أميرلاي: " إنه طوفان يا عمر، طوفان! ". كلمته هذه، كانت بمثابة إيحاء بالفيلم الوثائقي الشهير، " طوفان في بلاد البعث "، لعمر أميرلاي، المنتج عام 2003، والذي عرّى فيه نظام الأسد. سنرى في المشاهد اللاحقة، أن فؤاد كان يعني طوفان الجماهير في معظم أنحاء البلاد، إيذاناً بالثورة على الحكم البعثي.
منذ البداية، غالية ( الفنانة نجلاء الوزة ) تخبرنا أنها في حالة التقمّص، التي أتينا على ذكرها في مستهل الدراسة وأعتبرناها عقدة حبكة الفيلم. فعلت ذلك بحضور فؤاد، وبطلب ممن يبدو أنه أستاذها في معهد التمثيل: " زميلكِ أطلقنا عليه لقب سينما، لشده حبه للأفلام، وصار الجميع يعرفونه بهذا اللقب ". لتظهر غالية في المشهد التالي، بصورة الفتاة زينة، وكيفَ أقتحم عناصرُ الأمن منزل الأسرة ليعتقلوا والدها. ثم نرى صفاً من المعتقلين، يُساقون بطريقة مهينة من لدُن رجال السلطة. عندئذٍ يظهر أحدُ المعتقلين السياسيين، وهوَ الكاتب والمخرج المسرحي، غسان جباعي، بشخصيته الحقيقية كي يُدلي بشهادة إدانة عن نظام مستبد، أضاع مستقبل عشرات ألوف الشبان وراء القضبان لمجرد أنهم أختلفوا معه بالرأي: توثيق الشهادة المعبّرة للمعتقل السابق، علاوة على مشهد قبر صديقه وزميله، عمر أميرلاي، كانَ من ضمن خطة المخرج للدخول في أجواء الثورة السورية بأشهرها الأولى.
كأنما لتأكيد وجود مَن تقمصت شخصيتها، تذهب غالية مع فؤاد إلى منزل زينة وتأخذ بالقرع على الباب. لكن جارة ظهرت، وأخبرتها أن صاحبة المنزل توفيت. تختلط الرؤى من جديد، وهذه المرة تظهر غالية في منزل أسرتها في ريف طرطوس، لتتكلم مع أبويها باللهجة المحلية ( العلوية ). الأب، وكنا قد قلنا في المستهل أنه ضابط بارز متقاعد، يلوحُ كأنه أمسى مدمناً على شرب العرق، محبطاً من تطورات الأوضاع في البلد. إنه يعلّق بسخرية على خطاب الرئيس، المعروف بالتفلسف للتغطية على فشل نظامه وتمرد الشعب ضده. ثمة ملاحظة سلبية على الإخراج، لا بد من ذكرها بخصوص الأب: إذ وردَ أن الرجل، حينما كثرت النجوم الذهبية على كتفه، صار متأكداً أن باستطاعته ليسَ فقط تحرير فلسطين ـ كذا ـ بل والوطن العربي كله. هذا الكلام، أعتبره سذاجة من مخرج الفيلم، طالما أن أحداً لا يجهل حقيقة فقدان العقيدة عند ضباط النظام؛ وأن همهم كان محصوراً في تحصيل المال، ولو عن طريق سلب مخصصات جنودهم.
كل ما ذكرناه، كانَ بمثابة التمهيد لارتباط فؤاء بغالية. إنه يصحبها إلى بيت دمشقي تقليدي من دورَيْن، تؤجره صاحبته لشبان أغراب. ثمة، كان يتجاور أبناء البلد على إختلاف مللهم ونحلهم وأوضاعهم الاجتماعية؛ ابن المدينة مع القادم من القرية مع النازح من الجولان، الكردي مع الفلسطيني، المسلم مع الدرزي. كل منهم له حكايته، شاباً كانَ أو فتاة. يتعاملون في البدء بحذر مع غالية، لما عرفوا أنها علوية. إلا أنهم ما لبثوا أن اختبروا معدنها الأصيل، فصارت جزءاً حميماً من حياتهم اليومية. في المقابل، ويوماً بعد الآخر، كانوا يهجسون بأن البلد مقبلٌ على الخراب والتفكك. ذات مرة، تعود المؤجرة العجوز باكية معولة وهيَ تقسم أنها لن تخرج من بيتها مرة أخرى، أبداً: " رصاص ودماء في الشوارع! ". منذئذٍ، أضحى يُسمع بوضوح صوتُ إطلاق النار ودوي الإنفجارات. فؤاد، يطمئن والدته هاتفياً بأن القصف يطول الضواحي وليسَ أحياء المدينة.
اللقطات الأخيرة، تُحيل المُشاهدَ إلى عنوان الفيلم. كانَ مسلكُ بعض الشبان في الدار قد أصبح يتسم بالعنف، جنباً لجنب مع تواتر أخبار القتل في الخارج. إلى أن كانَ ذات صباح، يهتاج فيه الشابُ النازح من الجولان. يحملُ سلماً، ويبدأ بارتقاء الدرج إلى السطح. يسأله أحدهم: " إلى أين؟ ". فيجيب الشاب: " إلى الله! ". يندفع بقية المستأجرين نحو السطح، ليظهروا وهم يسندون السلّم فيما رفيقهم النازح أضحى في أعلاه. أصواتُ إطلاق الرصاص، تترى. ثم فجأةً، يدوي صوتُ إنفجار ويُمحى المشهد.
لقد كانَ مما له مغزاه، أن ثلثيّ مدة الفيلم جرت أحداثه في ذلك المنزل. بحسَب تأويلنا، أن المخرج رمزَ للمنزل ببلده سورية، المتنوع الأطياف والثقافات، أن مصيرَ أبنائه مشتركٌ إن كانَ خلاصاً أو هلاكاً. قد تكون نهاية الفيلم توحي بتشاؤم مخرجه، بالنظر إلى طبيعة الأحداث أثناء العمل به. لكننا اليوم، بعد سبعة أشهر من إسقاط نظام البعث، نجد أن ثمة مَن يريد ترسيخ تفكك البلد وخرابها، بدلاً عن إعادة إعمارها ووضعها من جديد على سكة النمو والتطور والحداثة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليل؛ الفنتاسيا والواقع
- أحلام المدينة أم كوابيسها
- وقائع العام المقبل واختلال الوعي
- ليالي ابن آوى؛ البطريركية والسلطة
- نجوم النهار؛ رسم ساخر للمجتمع العلوي
- المصيدة؛ ثنائية الجنس والفساد
- الإتجاه المعاكس: فيلم فاشل
- كفر قاسم: القضية الفلسطينية سينمائياً
- وجه آخر للحب: الرغبة والجريمة
- اليازرلي والواقعية الجديدة
- بقايا صُوَر: الأدب والسينما
- السيد التقدمي والسيناريو السيء
- رشو آغا؛ العنصرية في السينما
- سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
- المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
- الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
- سينما المقاولات، سورياً
- المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
- دور الكرد في تأسيس السينما السورية
- من معالم السينما السورية: الكومبارس


المزيد.....




- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سُلّم إلى دمشق؛ التقمّص عشيّة الثورة